طائرات عسكرية أميركية تنقل أطناناً من المساعدات إلى الحدود الفنزويلية

مادورو يتهم الولايات المتحدة «بسرقة» المليارات وتقديم «الفتات»

ليستر توليدو من منظمة المساعدات والحرية لفنزويلا يتكلم أمس أمام طائرة نقل عسكرية أميركية في قاعدة للاحتياط في ولاية فلوريدا (أ.ب)
ليستر توليدو من منظمة المساعدات والحرية لفنزويلا يتكلم أمس أمام طائرة نقل عسكرية أميركية في قاعدة للاحتياط في ولاية فلوريدا (أ.ب)
TT

طائرات عسكرية أميركية تنقل أطناناً من المساعدات إلى الحدود الفنزويلية

ليستر توليدو من منظمة المساعدات والحرية لفنزويلا يتكلم أمس أمام طائرة نقل عسكرية أميركية في قاعدة للاحتياط في ولاية فلوريدا (أ.ب)
ليستر توليدو من منظمة المساعدات والحرية لفنزويلا يتكلم أمس أمام طائرة نقل عسكرية أميركية في قاعدة للاحتياط في ولاية فلوريدا (أ.ب)

قال مسؤول أميركي إن طائرات عسكرية أميركية من المتوقع أن تنقل أكثر من 200 طن من المساعدات الإنسانية إلى الجانب الكولومبي من الحدود مع فنزويلا خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويأتي ذلك في إطار جهود أوسع للولايات المتحدة لتقويض حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، ومساندة زعيم المعارضة خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً للبلاد.
وشن مادورو، الجمعة، هجوماً على الولايات المتحدة التي اتهمها «بسرقة» مليارات الدولارات، وتقديم «الفتات» في المقابل. وتتكدس أطنان من المساعدات في كولومبيا، على مقربة من الحدود مع فنزويلا.
وقد تعهد زعيم المعارضة خوان غوايدو بتحدي محاولات مادورو منع دخولها إلى البلاد. وطلب مادورو من الجيش الاستعداد للقيام «بانتشار خاص» لتعزيز الحدود مع كولومبيا، وجعلها «منيعة». وقال مادورو، خلال فعالية في بلدة سيوداد بوليفار، بجنوب شرقي البلاد: «إنه فخ، يقدمون استعراضاً بأغذية عفنة ملوثة»، وأضاف: «لقد سرقوا 30 مليار دولار، ويعرضون 4 كسرات من الأغذية العفنة».
وتشهد فنزويلا أزمة اقتصادية أفقرت ملايين الأشخاص، وسط نقص في السلع الأساسية، مثل الغذاء والدواء. وتصف واشنطن إعادة انتخاب مادورو العام الماضي بأنها غير مشروعة. وذكر مصدر بالحكومة الأميركية، طلب عدم نشر اسمه، كما نقلت «رويترز» عنه، أنه سيتم إرسال المساعدات الغذائية والطبية إلى بلدة كوكوتا الكولومبية الحدودية. وأضاف أنه من المقرر أن تصدر وزارة الخارجية الأميركية إعلاناً بهذا الصدد.
وكثفت الولايات المتحدة الضغط على مادورو، يوم الجمعة، بفرض عقوبات على بعض من كبار مسؤوليه الأمنيين، ورئيس شركة النفط الحكومية. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها فرضت عقوبات على مانويل كيفيدو، رئيس شركة النفط والغاز الطبيعي المملوكة للدولة (بي دي في إس إيه)، و3 من كبار مسؤولي المخابرات، ورافائيل باستاردو الذي يقول مسؤولون أميركيون إنه رئيس وحدة تابعة للشرطة الوطنية مسؤولة عن العشرات من عمليات القتل التي نفذت خلال مداهمات ليلية، بأوامر من مادورو.
وحض نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، السبت، الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بغوايدو.
وقال بنس أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ: «علينا جميعاً أن نقف مع الشعب الفنزويلي حتى استعادة الحرية والديمقراطية بالكامل (...) لذا، نحض اليوم الاتحاد الأوروبي على الوقوف إلى جانب الحرية، والاعتراف بخوان غوايدو رئيساً شرعياً وحيداً لفنزويلا»، وأضاف أنه بعد أن أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تعترف برئيس البرلمان رئيساً لفنزويلا «حذت 52 دولة، بينها 30 من حلفائنا الأوروبيين، حذو أميركا»، وشدد قائلاً: «حان الوقت لباقي دول العالم أن تقدم على ذلك»، وتابع: «مرة أخرى، يمكن لعالم واحد أن يتخذ موقفاً مؤيداً للحرية في العالم الجديد».
وقال مادورو: «لست أبالغ. في البيت الأبيض، أعلن دونالد ترمب وإيفان دوكي (رئيس كولومبيا) خططاً لحرب ضد فنزويلا»، في إشارة إلى لقاء الأربعاء الذي كرر فيه الرئيس الأميركي أن «جميع الخيارات» مطروحة فيما يتعلق بفنزويلا.
وغوايدو الذي اعترفت به 50 دولة رئيساً بالوكالة لفنزويلا، يتهم مادورو بالتسبب بالصعوبات الاقتصادية بسبب سوء إدارته. أما مادورو، فيعزو أزمة فنزويلا إلى العقوبات الأميركية. وأصبحت المساعدات الإنسانية أحد محاور في الصراع بين مادورو وغوايدو. فقد وعد زعيم المعارضة بإدخال المساعدات في 23 فبراير (شباط). ومن جهته، يرفض مادورو السماح بدخولها. ويقطع جيشه الموالي له جسراً حدودياً بين فنزويلا وكولومبيا. ويصر الزعيم الاشتراكي على أن المساعدات ليست سوى غطاء لغزو عسكري أميركي مخطط له، فيما يؤكد غوايدو أن 300 ألف شخص قد يموتون ما لم تصل المساعدات الضرورية.
وقال غوايدو: «دفعنا ثمنها بأموالنا لأننا لا نتسول من أحد». ويقول مادورو إن غوايدو (35 عاماً) دمية بيد الولايات المتحدة التي تحاول ضمان الوصول إلى ذهب فنزويلا واحتياطها النفطي الهائل (الأكبر في العالم)، وأكد أن تحدي غوايدو لسلطته «خيانة»، مضيفاً: «أسوأ شيء هو إثارة الجنون الإمبريالي لحكومة كوكلوس كلان متطرفة في البيت الأبيض».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟