صور عراقية في الألبوم السعودي

محمد سعيد الحبوبي  -  علي جواد الطاهر  -  أنستاس الكرملي  -  حمد الجاسر
محمد سعيد الحبوبي - علي جواد الطاهر - أنستاس الكرملي - حمد الجاسر
TT

صور عراقية في الألبوم السعودي

محمد سعيد الحبوبي  -  علي جواد الطاهر  -  أنستاس الكرملي  -  حمد الجاسر
محمد سعيد الحبوبي - علي جواد الطاهر - أنستاس الكرملي - حمد الجاسر

يا َظبيَة البان تَرعى في خمائله
ليَهنَك اليَوم إن القَلَب َمرعاك
الماءِ عندَكَ مبذول لشاِرِبِه
ولَيَس يُرويك إلا مدَمعي الباكي
هبَت لَنا من رياح الغَور رائَحة
بَعدَ الُرقاد َعَرفناها بَرياك
ثُم اِنثَنَينا إذا ما َهَزنا َطَرٌب
على الرحال تَعَلَلنا بذكراك
سهم اصاب وراميه بذي سلم
من بالعراق، لَقد أبعَدْت َمْرماك
أتلّمس هنا خطى الشريف الرضي، رغم بعد ألف سنة مما نعد، ونحنُ على مقربة من ثراه الطاهر، نستذكره مضمخاً بروائح الشعر الزكي، متنقلاً بين نقابة الأشراف في بغداد، وإمارة الحج إلى الحجاز، نستذكر في قصيده العذب الجزل مواقع العرب في جزيرة العرب، ومفارقات متواشجة، ما انفكت يوماً بين وطني العربي السعودي، والعراق المطبوع في مخايلنا، والساكن شغاف قلوبنا، إذ توالت سهام التقارب بين نجد والأحساء والقطيف.
لقد بحث الأكاديمي الكويتي د. عبد الله النفيسي في أطروحته للدكتوراه، من جامعة لندن سنة 1970. عن جذور التكوين القبلي في جنوب العراق، حيث رحلت قبائل نجد إلى مياهه بين دجلة والفرات، منذ القرن السادس عشر الميلادي. متتبعاً مجريات الأحداث في ثورة العشرين وما قبلها، ضد الاستعمار البريطاني، وقد قامت الدولة الوطنية في العراق، بتلاوينها الإثنية ومروحتها المذهبية. ولم تكن بلادي المتاخمة له بعيدة عما يجري... بل أحياناً هي في الصميم منها، إذا ما تصفحنا سير بعض رموزها الدينية والأدبية والصحافية.
- محمد سعيد الحبوبي
أشير هنا إلى صور عراقية في الألبوم السعودي، بينها أحد مراجع النجف الأشرف، وأحد أبرز رموزها الوطنية، وأبرع شعرائها المبدعة، السيد محمد سعيد الحبوبي، حيث يفجر ينابيع مشاعره دافقة بالحنين إلى نجد، كلما تصفحت قصيدة الغزل، وديمة الموشحة السمحة السكوب.
اسمعه وقد استوى عالماً فقيهاً، وعلماً مرفرفاً في النجف الأشرف، متذكراً أيام صباه الغرير، وشبابه اليافع في حائل، مرافقاً والده متاجراً في سوق «برزان»، وساكناً في حي المشاهدة:
بلادك نجد والمحب عراقي
فغير التمني لا يكون تلاقي
ولو أن طيفاً زار طرفي ساهداً
لكنت رجوت القرب بعد فراق
بلى قد أرى تلك المغاني تعلة
فاحسب أني زائر وملاقي
أرى الدهر يأبى في تآلف شملنا
كأني أعاديه فرام شقاقي
هي الشمس في أفق السماء مقرها
فعيف براق نحوها ببراق
ألا هل أراني واجد ريح وصلهم
وإن عدموني صحبتي ورفاقي.
ولا يفتأ محمد سعيد الحبوبي يعتلجه الحنين الشيق إلى مرابع صباه النجدي، وقد اختطفه سنا برق ذلك الكوكب الأنثوي الفتان...
اسمعه يتغزل:
لُحْ كوكباً وامشِ غُصناً والتفِتْ ريما
فإن عداكَ اسمها لم تعدك السيما
وجه أغرّ وجيدٌ زانه جِيدُ
وقامة ٌ تخجل الخطى تقويماً
يامن تجلّ عن التمثيل صورته
أأنتَ مثَّلتَ روح الحسن تجسيما
يا نازلي الرمل من نجد أحبكم
وإن هجرتم ففيما هجركم فيما
سعوديون في العراق: وزراء وصحافيون
صورة أخرى عراقية ما تزال في ألبومي السعودي، هي صورة عبد اللطيف باشا المنديل، فحينما تشكّلت أول حكومة عراقية برئاسة نقيب الأشراف عبد الرحمن النقيب ضمت وزيراً للتجارة من أصل نجدي هو عبد اللطيف باشا المنديل، المولود بمدينة الزبير في جنوب العراق، منتصف القرن التاسع عشر الميلادي لعائلة ثرية قادمة من إقليم سدير التابعة اليوم لإمارة منطقة الرياض.
هذا وقد توّزر مرة أخرى للأوقاف، وحصل على لقب الباشاوية عام 1913 بعد نجاحه في ترتيب محادثات بين الملك عبد العزيز والأتراك، وقد أصبح وكيله بعد ضم إقليم الأحساء إلى مملكته الوليدة بعد الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1924 تم انتخابه في المجلس التأسيسي عضواً عن البصرة.
كذلك فإن أول صحافي نجدي وهو سليمان الدخيل ولد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في بريدة من إقليم القصيم، وهو الآخر ذهب في من ذهب إلى العراق مع حركة «العقيلات» المتاجرة في الجمال، غير أن الدخيل كان يشده طموح نحو التعلم والتثّقف، وقد ولد في زمن كان الأتراك يستبدون بجحافلهم العسكرية على أجزاء من العالم العربي، وفي مقدمته العراق التي امتدت ولاية البصرة شاملة نجد والأحساء والقطيف.
مما دفع بجنانه القومي إلى التبرم بالسياسة الطورانية، مستلهماً ثقافة مجتمعه العربي التي أنضجها مقامه في العراق، وقد احتك بالعديد من علمائه وأدبائه وسياسييه.
يذكر حمد الجاسر في أحد أعداد مجلته (العرب): في سنة 1332 هجرية لما قامت الحرب العالمية الأولى هرب الدخيل من العراق خوفاً من إلقاء القبض عليه وتسليمه لولاة الأتراك وواصل السفر إلى المدينة المنورة بعد أن وجد الأحوال في نجد مضطربة فأقام فيها مدة نسخ من خلالها بعض الكتب الخطية النادرة المتعلقة بتاريخ العراق أو تاريخ العرب.
ويذكر العلامة العراقي أنستاس الكرملي؛ أن الدخيل وكان أحد كتاب مجلته (لغة العرب) قد جاب كثيراً من بلاد جزيرة العرب والهند وديار العراق وله اطلاع عجيب على تاريخ العرب وعوائدهم وأخلاقهم وأيامهم وحروبهم.
وبدعم من عمه جار الله التاجر في بغداد أصدر العدد الأول من جريدة باسم «الرياض» في يناير (كانون الثاني) سنة 1910 ودامت على اختلاف الباحثين بين أربع وسبع سنوات وأصدر مع صديقه إبراهيم العمر مجلة باسم «الحياة» وفي سنة 1931 جريدة أخرى أسبوعية باسم «جزيرة العرب» بالاشتراك مع داود العجيل، وكان ينقل فيها أخبار توحيد الجزيرة العربية على يدي الملك عبد العزيز الذي ارتبط وإياه بعلاقة مميزة.
وقد حظي الدخيل بتقدير نخبة العراق بعد قيام دولته الملكية البرلمانية ووصفه رفائيل بطي، الأديب والشاعر والصحافي والوزير العراقي بأنه خدم القضية العربية وساعد على نشر الوعي القومي.
- سلمان الصفواني
وبعدما افتتح المنديل باب التوّزر في العراق وهو النجدي الأصل فقد دخله قطيفي هو سلمان الصفواني، الذي ترك مسقط رأسه صفوى (وهي مدينة في محافظة القطيف)، في العشرينات من القرن العشرين، بعدما تعلم القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم على معلمي بلدته الصغيرة... ذاهباً إلى بغداد. وفي الكاظمية إذ كان شاباً متحمساً بالغ الحماسة - كما يعبر - قرر الانضمام إلى حركة الإمام الشيخ الخالصي، المناهضة ضد فرض بريطانيا دستوراً صيغ وفق مزاجها الاستعماري على مملكة فيصل الأول، لتمرير معاهدة الانتداب البريطاني على العراق... مما دفع عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء ووزير الداخلية، بعد حكومة عبد الرحمن النقيب، (بعد جولات من الصراع) إلى نفي الخالصي وأبنائه، ومعهم سلمان الصفواني، إلى البصرة فالحجاز.
في 5 سبتمبر (أيلول) 1924 أصدر سلمان الصفواني، في بغداد جريدة (اليقظة)، واستمرت الصحيفة بين إيقاف واستمرار حتى عام 1959. بعدما هجم ما يسميهم الصفواني (الشعوبيين، قاصداً الشيوعيين المتنفذين في حكومة عبد الكريم قاسم) «في وضح النهار على مكاتب الجريدة وأحرقوا ونهبوا موجوداتها»، كما يقول.
وبسبب ثقافته المناهضة للاستعمار اتهمت سلطة الاستعمار البريطاني، الصفواني بتحريض عشائر الفرات الأوسط ضد وجودها، فقررت سجنه مدة سبع سنوات... وفي السجن المركزي ببغداد كتب رسائله إلى زوجته، معبراً عن معاناته الإنسانية والسياسية والأدبية... وطبعها فيما بعد في لبنان سنة 1937 بعنوان «محكوميتي».
كذلك فقد امتدت علاقاته برموز الفكر القومي على امتداد الوطن العربي، كما عمل مراسلاً لمجلة (البلاغ) المصرية، وارتبط بعلاقة أدبية مع الأديب المصري الدكتور زكي مبارك، وجرت بينهما مساجلات منشورة... وعلى صعيد العمل الوطني العراقي، فالصفواني هو أحد مؤسسي حزب «الاستقلال» الشهير... إضافة إلى أنشطة ثقافية واجتماعية وإدارية أخرى، جعلت الرئيس عبد السلام عارف يختاره وزيراً لشؤون مجلس الوزراء، واستمر في منصبه مع رئاسة شقيقه عبد الرحمن عارف...
- علي جواد الطاهر
أختم بآخر صورة عراقية ناصعة في ألبومي السعودي وهو أستاذ الأكاديميين والنقاد د. علي جواد الطاهر، الذي جاء مع زملائه الفارين بعد انقلاب 1963 إلى جامعة الرياض، وأذكر أنني التقيته في بغداد في صيف سنة 1979. حيث قابلت عدداً من رجال الأدب والفكر فيها لتسجيل حلقات تلفزيونية.
وقد كان الجو السياسي آنذاك مكهرباً بعد حادثة (قاعة الخلد) الدموية، لكني وجدتُ د. علي الطاهر ينتقد من طرفٍ خفي كل من ساهم في تكريس عبادة الشخصية للقائد الضرورة، ومسترجعاً السنوات الأربع التي قضاها في الرياض بين جامعتها ومكتباتها. منقباً عن هذا الكتاب وتلك المطبوعة. وقد لمس قصوراً فاضحاً في إغفال دراسة الأدب السعودي الحديث، الذي تقرر بفضله في مواد الدراسة لدى طلاب قسم اللغة العربية. وما غادر الطاهر الرياض عائداً إلى طلابه وأبحاثه في جامعة بغداد، إلا وقد انتهى من تدوين (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية).
وقد نشره تباعاً بعد الجهد والتعب والعرق والتراب كما يعبر، في مجلة «العرب» لمؤسسها ورئيس تحريرها حمد الجاسر، والذي لم يغمض عينه في نومته الأبدية، إلا وقد أعاد طباعته في أربعة أجزاء، أصبحت مرجعاً رئيساً لدارس الأدب العربي الحديث في المملكة، نشأته وتطوره واتجاهاته وإعلامه.
- كاتب سعودي
(-) مقتطفات من محاضرة ألقاها الكاتب، ضمن فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب.



مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي
TT

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي

نثر مهرجان للمسرح، أقيم في درنة الليبية بعضاً من الفرح على المدينة المكلومة التي ضربها فيضان عارم قبل أكثر من عام.

ومع حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة وفنانين وممثلين ليبيين وغيرهم من الضيوف الفنانين من بعض الدول العربية، أبرزها سوريا والأردن ومصر وتونس.

الفنان صابر الرباعي

واختتم، مساء الخميس، المهرجان الذي استهل أعماله بحفل غنائي أحياه الفنان صابر الرباعي، على مسرح المدينة الرياضية، وسط حضور جماهيري وفني، محلي ومن دول عربية من بينها مصر وتونس.

وتحت شعار «درنة عادت، درنة الأمل»، دعا المهرجان سبع فرق: خمساً من ليبيا، وفرقةً من مصر، وأخرى من تونس.

أحد العروض

وعُرضت أعمال عديدة من بينها مسرحية «خرف» لفرقة الركح الدولي من بنغازي، التي أثنى عليها الجمهور، من حيث الأداء المميز لجميع الفنانين المشاركين، كما عرضت مسرحية «صاحب الخطوة» لفرقة المسرح القوريني من مدينة شحات، وجاء العرض مليئاً بالرسائل العميقة، وقد نال إعجاب الحضور.

وأعلنت إدارة المهرجان عن توزيع جوائز للأعمال المشاركة، بالإضافة لتكريم عدد من نجوم الفن في ليبيا ودول عربية.

وحاز جائزة أفضل نص دنيا مناصرية من تونس، عن مسرحية «البوابة 52»، بينما حصلت الفنانة عبير الصميدي من تونس على جائز أفضل ممثلة عن العمل نفسه.

ومن ليبيا حاز الفنان إبراهيم خير الله، من «المسرح الوطني» بمدينة الخمس، جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع»، وذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج منير باعور، من المسرح الوطني الخمس عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع».

عرض مسرحي

كما كرمت إدارة المهرجان الفنان المصري أحمد سلامة، والفنانة عبير عيسى، والإعلامية صفاء البيلي؛ تقديراً «لإسهاماتهم القيمة في مجال الفن والمسرح». وقالت إدارة المهرجان إن هذا التكريم «يعكس التقدير والاحترام للفنانين الذين ساهموا في إثراء الثقافة والفنون، ويعزّز من أهمية دعم المواهب الفنية في المجتمع».

وكانت الدورة السادسة لمهرجان «درنة الزاهرة»، وهو اللقب الذي يُطلق على هذه المدينة المعروفة بأشجار الياسمين والورد، قد ألغيت العام الماضي بسبب الدمار الذي طال معظم مبانيها التاريخية جراء الكارثة.

في ليلة 10 إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2023، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الشرقي لليبيا، ما تسبّب في فيضانات مفاجئة تفاقمت بسبب انهيار سدين في أعلى مدينة درنة. وخلفت المأساة ما لا يقل عن 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.

مسرح جامعة درنة

وتقول الممثلة المسرحية التونسية عبير السميتي، التي حضرت لتقديم مسرحية «الباب 52»، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، «هذه أول مرة آتي فيها إلى هنا. بالنسبة لي، درنة اكتشاف. كنت متشوقة للمجيء. عندما نصل إلى هنا، نشعر بالألم، وفي الوقت نفسه، نشعر بالفرح وبأن الشعب كله لديه أمل».

بدورها، ترى الممثلة والمخرجة الليبية كريمان جبر أن درنة بعدما خيّم عليها الحزن، عادت إلى عهدها في «زمن قياسي».

جانب من تكريم الفنانين في مهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

ومن الكنوز المعمارية الشاهدة على الماضي الفني والأدبي الذي فقدته درنة في الفيضانات، «بيت الثقافة»، وخصوصاً «دار المسرح»، أول مسرح تم افتتاحه في ليبيا في بداية القرن العشرين.

وفي انتظار إعادة بنائه، اختارت الجهة المنظمة إقامة المهرجان على خشبات «المسرح الصغير» بجامعة درنة.

تكريم الفنانة خدوجة صبري بمهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

وقال المدير الفني للمهرجان نزار العنيد: «كلنا نعرف ما حدث في درنة العام الماضي، أصررنا على أن يقام المهرجان (هذا العام) حتى لو كان المسرح لا يزال قيد الإنشاء».

وأوضحت عضوة لجنة التحكيم، حنان الشويهدي، أنه على هامش المهرجان، «يُنظَّم العديد من الندوات وورش العمل التدريبية المهمة للممثلين والكتاب المسرحيين الشباب».

وتقول الشويهدي: «الصورة التي تقدمها درنة اليوم تُفرح القلب، رغم الموت والدمار»، معتبرة أن المدينة المنكوبة تظهر «بوجه جديد؛ درنة تستحق أن تكون جميلة كما يستحق سكانها أن يفرحوا».