عبارة فرنسية أحبها ««Savoir – faire، ومعناها أن «تعرف كيف»، ويستعمل الفرنسيون هذه العبارة كثيراً، ولا سيما في موضوع الطعام الذي يفتخرون كونهم من أربابه، ويعتبرون أنهم مؤهلون لتلقين العالم أصول الأكل والشراب، ومعرفة كيف يجب أن يكون مذاقه، وكيف يقدم.
وهذه العبارة استخدمت من جديد في الإعلان عن افتتاح «مارياج فرير» Mariage Freres، أقدم متجر باريسي لبيع الشاي الذي اختار منطقة كوفنت غاردن بوسط لندن لتكون عنوانه الجديد في العاصمة البريطانية، وهذه المرة أراد الفرنسيون تلقين الإنجليز درساً في أصول الشاي على مستوى يختلف تماماً عن مفهوم تقديم الشاي على الطريقة الإنجليزية، وكانت النتيجة مبنى عملاقاً مؤلفاً من ثلاثة طوابق، ترى بابه الرئيس تعتقد أنه مجرد بوتيك صغير لبيع الحلوى المنمقة، وما أن تدخل إليه تجد نفسك في عالم واسع يعبق بعطر الأعشاب لتدرك بعدها أنك في ضيافة أكثر من 2000 نوع من الشاي من كل سهول العالم وجباله.
«مارياج فرير» يعتمد على نوعية الشاي في المقام الأول، ومن ثم ابتكار الأطباق التي يدخل الشاي فيها جميعاً؛ فالصلصة التي تقدم مع طبق السلمون مصنوعة من شاي الـ«ماتشا» والكرواسان الفرنسية التي يقدمها المتجر فترة الصباح مصنوعة هي الأخرى من الشاي، وحتى السندويتشات والحلويات مصنوعة من الشاي، وإذا كنت لست من أنصار الشاي فالمطمئن في الموضوع هو أن نكهة الشاي في الأكل لا تشبه نكهة الشاي في الشراب؛ وهذا ما يجعل الطعام مميزاً فعلاً.
زيارة المتجر مميزة لأنها أشبه بمغامرة، فعند دخولك تكون الحلوى الجميلة، ولا سيما قالب الكيك المغلف بالذهب من عيار 24 قيراطاً في انتظارك إلى جانب بعض قطع المعجنات، وإذا ما تعمقت في داخل المحل تجد نفسك تغوص في غوره، ويصبح أكبر وأعمق من حيث الحجم، وإلى جهة اليمين تجد أطول جدار للشاي في العالم فيه نوعيات غريبة وفريدة جاء بها أصحاب المتجر من كل أصقاع العالم وتحمل أسماء غير معروفة، ويوجد في المتجر اختصاصيون بالشاي يقدمون لك كل المعلومات التي تريدها عن الأصناف المتوفرة، من الممكن شراء الشاي فقط، أو الجلوس في الطابق العلوي في ركن مطل على شارع كينغز ستريت وديكوراته فرنسية، تذكرك بمقاهي باريس القديمة بكراسيها الخشبية البيضاء، وبالقرب من هذا الركن هناك شرفة تدور حول الطابق السلفي وتتوزع حولها الطاولات الصغيرة، واللافت هنا أن هذه المساحة تسافر بك إلى اليابان؛ فالمكان يتنفس برئتين الأولى فرنسية، والأخرى يابانية.
الديكور جميل وأنيق، ففي كل ركن تجد ما يستدعي وقوفك عنده وتمعنه، فهناك المصابيح التي اشتراها أصحاب المتجر من مزادات عالمية، ويقول أحد العاملين، إنه من الصعب استبدالها في حال تعرضت للكسر؛ لأنها فريدة من نوعها وغير متوافرة. أما الأرضية، فهي من الخشب البني الداكن، وهناك واجهات لبيع الشاي، وأخرى لعرض الأباريق الجميلة المصنوعة في اليابان، بالإضافة إلى علب للشاي، بعضها كتب عليها عبارات باللغة العربية.
وقريباً سيفتتح متحف الشاي في الطابق العلوي والدخول إليه بالمجان، كما سيفتتح المتجر شرفة خارجية في الطابق العلوي أيضاً حينما يصبح طقس لندن أكثر دفئاً.
«مارياج فرير» يحتفل اليوم بـ150 عاماً من العظمة التاريخية، وافتتح في القرن التاسع عشر على يد الأخوين إدوار وهنري مارياج عام 1854، ولا يزال المتجر في مكانه الأصلي في منطقة «لا ماري» في باريس منذ ذلك الحين، وفي عام 1983 دخل على الخط كل من ريتشارد بوينو من هولندا وكيتي تشا من تايلاند، حيث تبنيا المتجر واستمرا في مسيرة النجاح التي جذبت أرفع الأسماء من الرؤساء والمشاهير على مر السنين.
يفتح المتجر أبوبه الساعة العاشرة صباحاً، ويقدم الفطور والـ«برانش» والغداء وشاي بعد الظهر والعشاء، ويقفل أبوابه عند الساعة العاشرة مساءً.
أصناف الشاي، وكما ذكرنا كثيرة، فمن الضروري الاستعانة بخبرة الاختصاصي، فجربنا الشاي الأخضر من أعالي جبال الهمالايا، وأوراق هذا النوع من الشاي كبيرة الحجم، والنكهة تختلف عن الشاي الأخضر العادي؛ لأنها سلسة وليس فيها أي عنصر من النكهة المرة، ويقول اختصاصي الشاي: إن طريقة غلي الشاي مهمة جداً؛ لأنه من الضروري غليه على حرارة 60 درجة، والطعم المر عادة ما يكون بسبب نوعية الشاي السيئة، أو غليه على حرارة تتعدى الثمانين درجة؛ مما يجعل العنصر المر يرشح من الأوراق بسبب الحرارة الزائدة.
من الأطباق التي جربناها: طبق «كروك موسيو» Croque Monsieur مع السلمون، المذاق بالفعل مميز؛ لأن الخبز مصنوع من الشاي؛ مما يعطيه طراوة غير عادية، ويقدم مع السلطة بصلصة الفانيليا وعشب الليمون والشاي الأخضر، والطبق الثاني كان عبارة عن قطعة من السلمون مطهوة مع السبانخ ومغطاة بصلصة شاي الماتشا مع السمسم بنكهة الشاي، وتوضع على الطاولة عبوات من السمسم بالشاي والملح بالشاي أيضاً.باختصار، كل ما تتناوله في متجر «مارياج فرير» يدخل فيه الشاي، حتى الكوكتيل يدخل فيه الشاي أيضاً. لمحبي الحلوى هناك أصناف عدة، شكلها جميل ومذاقها رائع أيضاً، وأكيد يدخل فيها الشاي، جربنا الكيك بالشوكولاته، والذهب مع الشاي الأزرق وكوكتيل الشاي مع الفلفل الأسود.
الخلطات غريبة وعجيبة، لكنها متناغمة ولذيذة، لم أكن أعتقد بأن الشاي قد يتماشى مع السمك أو بالبيض، لكن طريقة تحضير الأطباق والجودة العالية للشاي تلعب دوراً مهماً.
فكرة المتجر قد لا تروق لمحبي القهوة، لكنها تبقى مميزة، ولا بد أن هناك من يقدر هذا النوع من الشراب وهذا الأسلوب في التقديم لاستمرار المتجر لمائة وخمسين عاماً وتوسعه ووصوله إلى لندن.
الأسعار لا تناسب الميزانيات المتواضعة، لكن النوعية تفرض سعرها.
{مارياج فرير} أقدم محل للشاي في باريس يفتح {مملكته} وسط لندن
يلقّن الإنجليز درساً في أصول الشاي
{مارياج فرير} أقدم محل للشاي في باريس يفتح {مملكته} وسط لندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة