مدينة حدودية تركية تشكل مركز التسوق لمقاتلي «داعش»

قيادي بالتنظيم: اعتدنا تلقي مصابينا العلاج في المستشفيات التركية

مدينة حدودية تركية تشكل مركز التسوق لمقاتلي «داعش»
TT

مدينة حدودية تركية تشكل مركز التسوق لمقاتلي «داعش»

مدينة حدودية تركية تشكل مركز التسوق لمقاتلي «داعش»

قبل أن تمنحهم الهجمات على العراق لقب التنظيم الأكثر رعبا في منطقة الشرق الأوسط، تعامل الجهاديون في تنظيم «داعش» مع تلك المدينة التركية القريبة من الحدود السورية على أنها مركز التسوق الخاص بهم. وحرصا منها على مد يد العون والمساعدة لكل من يقاوم الرئيس السوري بشار الأسد، بسطت تركيا لهم السجادة الحمراء.
وبين أكشاك السوق التي تعلوها الأتربة، ومتاجر البقلاوة، يتحدث الناس عن المقاتلين المتشددين الذين يجولون بحرية أثناء عرضهم الملابس العسكرية وأحدث الهواتف الذكية من طراز سامسونغ. ويتلقى المقاتلون المصابون التابعون لتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» – وهي ذراع من أذرع «القاعدة» تعمل كذلك على محاربة الحكومة السورية - العلاج في المستشفيات التركية. وغض الأتراك الطرف، في الوقت الذي تحولت فيه الريحانية وغيرها من المدن التركية إلى محطات على الطريق لانتقال المقاتلين الأجانب وتهريب الأسلحة عبر الحدود.
«رحبت تركيا بكل من يحارب بشار الأسد، وهم يُعملون آلة القتل وينشرون المرض، ونسدد جميعا الثمن»، على نحو ما صرح به تامر أبيس، وهو سياسي من الريحانية، حيث تسببت سيارتان مفخختان في مقتل 52 شخصا العام الماضي. وفي مدينة قريبة منها، صادرت السلطات التركية سيارة أخرى محملة بالمتفجرات في شهر يونيو (حزيران)، مما أثار المخاوف بشأن حملة تستلهم خططها من تنظيم «داعش» لتصدير الفتنة الطائفية إلى داخل تركيا. قال أبيس: «لم نكن نحن المقصودين فحسب، ولكنها الفوضى التي خلقتها تركيا».
عادت الآلة العسكرية الأميركية للعمل مرة أخرى فوق الأجواء العراقية، حيث نفذت الغارات الجوية ضد المتشددين الذين سيطروا على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا. ولكن لعدة شهور، تمكن المسلحون من تنمية قوتهم بصورة جزئية عن طريق استغلال المنطقة الحدودية لتركيا – العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي – بصفتها طريقا حيويا واستراتيجيا للإمدادات ونقطة عبور لشن حربهم. ساور تركيا القلق من القوة المتنامية لتنظيم «داعش»، مما دفعها إلى اتخاذ الإجراءات وتضييق الخناق. واتخذ المسؤولون الأتراك، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسائل لاعتقال المقاتلين الأجانب الذين يحاولون العبور إلى سوريا، وشنت الهجمات العسكرية التي تهدف إلى عرقلة وإيقاف تهريب الأسلحة والمؤن عبر الحدود. ولكن في منطقة محاطة بصراع يتمدد، فإن تركيا بالفعل تجني ما زرعته يداها؛ فهي تشتبك في حوادث إطلاق النار مع المتمردين الذين قدمت إليهم ذات مرة المساعدات التكتيكية. وهي حاليا في مواجهة حالة من العنف غير المباشر، بينما هناك موجة خوف في المدن التركية حال انتصار تنظيم «داعش» على حساب الجماعات المعارضة المنافسة.
ورغم التدابير المتخذة حديثا، لا يزال التنظيم ينزلق من بين شقوق الشبكة التركية، مما يثير الشكوك حيال الجهود الدولية لتشديد القبضة الخانقة على الجماعة المتطرفة، المعروف عنها تنفيذ حالات الإعدام العلنية وقطع رؤوس الأعداء.
وقال أبو يوسف، (27 سنة)، وهو مسؤول أمني كبير بتنظيم «داعش»، في مقابلة شخصية جرت أخيرا بالمقعد الخلفي لسيارة «هوندا» في مدينة الريحانية: «لم يعد المجيء إلى تركيا بالسهولة التي عهدناها من قبل. أنا نفسي كان يتحتم علي الانتقال عبر المهربين حتى أصل إلى هنا، ولكن كما ترى، لا تزال لدينا طرقنا وأساليبنا».
وأضاف يوسف، وهو الاسم الحركي لمقاتل أجنبي أوروبي المولد التحق بالجماعة قبل سنتين ونصف السنة، وكان يرتدي قميص بولو ويعتمر قبعة بيسبول لكي يختفي بين شوارع تركيا العلمانية: «إننا لا نؤمن بالدول... إن هدفنا هو كسر وتحطيم الحدود كافة. إن المهم هو الإسلام».
وقال يوسف عندما سئل عن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة: «إننا لا نخشى الولايات المتحدة، إننا لا نخشى إلا الله. نحن نقاتل كل من يقاتلنا. وإذا كانت الولايات المتحدة تقصفنا بالزهور، فسوف نرد عليها بالزهور. ولكن، إذا قصفتنا بالنيران، فسوف نرد عليهم بالنيران، حتى داخل أراضيهم. وسوف يكون الحال كذلك مع أي دولة غربية».
وبالنسبة لتركيا، ليس من المفترض أن يكون الأمر كذلك. فقد بدأت تركيا حليفا وثيقا لنظام الأسد، ثم كسر رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الحلف مع دمشق بعدما شن الزعيم السوري هجوما دمويا على المعارضين في عام 2011، ثم سرعان ما ظهر إردوغان صوتا رائدا داعيا إلى اتخاذ التدابير الدولية لإسقاط الرئيس السوري.
ولكن بالنسبة لإردوغان، المستبد الكاريزماتي الطامح إلى بناء نفوذ جديد من الهيمنة العثمانية فوق منطقة الشرق الأوسط، فإن التحرك لأجل تقديم الدعم التكتيكي لرقعة واسعة من المعارضة السورية قد خرج بنتائج عكسية، ونتج عنه إحدى سلاسل الانتكاس الأخيرة في الداخل والخارج.
احتجز تنظيم «داعش»، خلال توغل له في مدينة الموصل بشمال العراق في شهر يونيو (حزيران)، 80 رهينة تركية – ومن بينهم زمرة من الدبلوماسيين – ولا يزال 41 منهم قيد الاحتجاز حتى الآن. هذا وقد تدفق أكثر من مليون لاجئ عبر الحدود التركية منذ بداية الصراع في سوريا، مما كلف الحكومة التركية أكثر من ثلاثة بلايين دولار. وبلايين أخرى ضاعت في الأعمال والتجارة عبر الحدود مع سوريا والعراق.
«إن ذلك يدمرنا»، هذا ما قاله حسين سوروكو، مالك شركة راي - تور، وهي شركة نقل في الريحانية شهدت انخفاضا في أعمالها بنسبة 60% منذ بداية الأزمة السورية. وقد انفجرت إحدى القنابل التي ضربت المدينة على بعد عدة أقدام من مقر شركته، وأدت إلى مقتل صديق لعائلته.. «إننا جميعا خائفون لأننا نعلم أن الكثير من المتاعب في الطريق». وكان المسؤولون الأتراك قدموا الدعم العلني للمزيد من فصائل المعارضة السورية البارزة. ولكن وفي المراحل الأخيرة من الصراع، صنفت بعض الفصائل على أنها جماعات إرهابية. وفي ضوء صعوبة التقييم الدقيق للولاءات فيما بين المعارضة، سمحت تركيا من دون تمييز للأسلحة والمقاتلين بالتدفق عبر الحدود، ويستولي القلق البالغ على الدبلوماسيين الغربيين، والمسؤولين المحليين، والخبراء الأمنيين بشأن آلاف المقاتلين الأجانب الذين يتدفقون على نحو متزايد، ومن بينهم أعداد كثيرة تحمل جوازات السفر الأميركية والأوروبية، انضموا إلى القتال الدائر في سوريا. أحد كبار المسؤولين الأتراك، رفض ذكر اسمه، وجه اللوم إلى الحلفاء الغربيين لعدم تعاونهم بشكل كامل في مطاردة ووقف الرجال الأشرار من عبور الحدود.
ووفقا لقوانين الخصوصية، على سبيل المثال، غالبا ما تقوم الحكومات الأوروبية بتقديم معلومات محدودة إلى الاستخبارات التركية حول المشتبه فيهم. «لم يكونوا يعطوننا كل المعلومات التي لديهم»، على حد وصف أحد المسؤولين الأتراك.
غير أن ذلك الوضع قد تغير. منذ سقوط مدينة الموصل في شهر يونيو، بدأ الأوروبيون والأميركيون تقاسم المزيد من التفاصيل، كما قال. وقد كثفت السلطات التركية حالات الاعتقال بحق المقاتلين الأجانب المشتبه فيهم. ويرفض الأتراك الإفصاح عن أعداد حالات الاعتقال وعمليات الترحيل الأخيرة.
في الأثناء ذاتها، تتطور الحسابات التركية حيال الصراع السوري بوتيرة أسرع، حيث شرع الأتراك في محادثات بناءة مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو جماعة انفصالية كردية قاتل إخوتهم في السلاح في حرب عصابات طويلة ضد تركيا. والسبب الكامن وراء التحالف المحتمل الجديد: أن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) يسيطر على رقعة من سوريا ويقاتل ضد تنظيم «داعش». ولكن التراجع التركي عن الموقف الأول جاء متأخرا، حيث أشار يوسف، القائد في تنظيم «داعش» الذي سافر إلى مدينة الريحانية من سوريا لإجراء المقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن الجماعة تشكر الأتراك جزئيا إزاء النجاح الذي حققوه حتى الآن.
وقال: «اعتدنا ذهاب بعض مقاتلينا – ومن بينهم أعضاء كبار في تنظيم (داعش) – لتلقي العلاج في المستشفيات التركية. وكذلك، فإن معظم المقاتلين الذين انضموا إلينا في بداية الحرب جاءونا عبر تركيا، كما هو الحال مع المعدات والمؤن».

*خدمة واشنطن بوست
خاص بـ«الشرق الأوسط»



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».