اقتصاد روسيا بين عقوبات الخارج وتشكيك في بيانات الداخل

رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف
رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف
TT

اقتصاد روسيا بين عقوبات الخارج وتشكيك في بيانات الداخل

رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف
رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف

حذَّر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف من التعامل باستخفاف مع العقوبات الأميركية، وبعد تأكيده: «نحن بالطبع لا نخاف من العقوبات»، شدد على أنه لا يجوز في الوقت ذاته التعامل معها بطريقة أخرى، ووصفها بأنها «هراء»، كما يفعل بعض المسؤولين في الدولة، وقال إنها قد تعقّد نمو الاقتصاد الروسي.
كلام ميدفيديف جاء في تعليقه على الأنباء حول عقوبات مشدَّدة ضد روسيا لم يتبنَّها الكونغرس العام الماضي، وعاد لبحثها مجدداً منذ أيام، وتشمل فرض قيود على سندات الدين العام الروسي، ونشاط عدد من البنوك، فضلاً عن شركات كبرى في مجال النفط والغاز، وعلى أي مشاركة روسية محتملة في مشاريع الغاز المسال خارج روسيا، وغيرها من القيود. وظهر رد فعل سريع في السوق الروسية على تلك الأنباء، حين تراجع سعر صرف الروبل أمام العملات الرئيسية، وهبطت أسهم شركات قد تطالها العقوبات، ومنها أسهم مؤسسة «سيستيما».
وفي تعليقه على تلك التطورات، أشار فلاديمير يفتوشينكوف، رئيس مجلس إدارة «سيستيما»، إلى أنه «هناك إدراك لدى الجميع بأن هذه العقوبات سيتم تبنيها»، ودعا إلى «البحث في كيفية درء أخطارها»، وقال إنها «أمر سيئ، ستلحق الضرر بكثيرين، وتثير القلق».
من جانبه، قلَّل ليونيد سيمانوفكسي، من شركة «نوفاتيك» لإنتاج الغاز الطبيعي، من شأن العقوبات، وقال إن روسيا تكيّفت مع القيود الخارجية، وعبّر عن قناعته بأنه «لن تكون هناك أي تداعيات سلبية لتلك العقوبات».
أما الاقتصادي ميخائيل زادورنوف، مدير مصرف «أوتكريتي»، فقد عبَّر عن قناعته بأن الكونغرس سيتبنى العقوبات الجديدة، وأكد أن القطاع المصرفي الروسي على أتمّ الاستعداد لمواجهتها، لكن حذر في الوقت ذاته من أن «التهديد بفرض عقوبات يقلص أكثر فأكثر تدفق الاستثمارات، ويجعل المستثمرين يشعرون بعدم استقرار يحول دون إمكانية توقعهم وضع السوق وتقلبات سعر الصرف الروبل، ما يدفعهم للتحول من السوق الروسية نحو أسواق أخرى».
ويجمع المراقبون على أن روسيا قد تكيَّفت بالفعل مع العقوبات، وتأكيداً على ذلك يشيرون إلى انضمام وكالة «موديز» الأسبوع الماضي إلى وكالات التصنيف العالمية، وتحسينها تصنيف روسيا السيادي حتى مستوى «استثماري»، نتيجة دراسة أخذت فيها بالحسبان احتمال أن يفرض الكونغرس عقوبات جديدة أكثر تشدداً ضد روسيا، وأشارت في هذا السياق إلى العقوبات لم تمنع تحسين تصنيف روسيا، نظراً لتزايد قدرات الحكومة الروسية على تحمل الصدمات الخارجية.
وسط هذه المزاجية «الإيجابية» بشأن العقوبات وقدرة الاقتصاد الروسي على مواجهتها، يؤكد البعض أنه من السابق لأوانه الحديث عن رد فعل الاقتصاد الروسي وحدود قدراته على التحمُّل، قبل فرض العقوبات، وبدء العمل بها. في سياق متصل أعد خبراء «ألفا بنك» تقريراً أشاروا فيه إلى استمرار ارتباط وتأثير سعر صرف الروبل الروسي بالعوامل الخارجية، وفي مقدمتها العقوبات، فضلاً عن اهتمام رأس المال الأجنبي بالأسواق الناشئة، ورفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة.
وعلى الجانب الآخر يقول التقرير إن جدول الأعمال الداخلي لا يؤثر بشكل كبير على مزاجية المستثمرين، وينوه على سبيل المثال بتجاهلهم إعلان الحكومة الروسية عن فائض ضخم في الميزانية، وعدم إظهارهم رد فعل مناسباً على الأنباء حول إلغاء الولايات المتحدة العقوبات ضد «روسال» لإنتاج الألمنيوم وشركات أخرى. ويستبعد خبراء «ألفا بنك» أن يتمكن الروبل من تعزيز موقفه هذا العام، مرجحين أن يتراوح سعره من 65 إلى 70 روبلاً أمام الدولار الأميركي.
إلى جانب الحديث عن العقوبات الأميركية الجديدة، يتواصل الاهتمام بتقرير نشرته أخيراً هيئة الإحصاءات الفيدرالية الروسية، قالت فيه إن الناتج المحلي الإجمالي نما العام الماضي بنسبة 2.3 في المائة، وأوضحت الهيئة أنها خلصت إلى تلك الاستنتاجات بعد إعادة نظر جذرية في مؤشرات عمليات البناء. وشكك مراقبون بدقة تقديرات الهيئة، سيما وأنها فاقت بكثير كل التوقعات السابقة إن كانت الرسمية، حتى الصادرة سابقاً عن الهيئة نفسها، أو غير الرسمية، والصادرة بما في ذلك عن مؤسسات دولية. ويوم أمس انضم خبراء المركزي الروسي إلى التشكيك بتلك التقديرات، وبعبارات عكست الحرص على عدم تقويض هيبة ومصداقية «هيئة الإحصاءات»، أشار خبراء قسم الأبحاث والتنبؤات في «المركزي» إلى أن معدل نمو الاقتصاد الروسي العام الماضي كان أقل من تقديرات الهيئة، وقالوا إنه من المناسب الحديث في هذه المرحلة عن معدل نمو يتراوح بين 1.7 حتى 2.3 في المائة، حيث المؤشر الأخير يتطابق مع تقديرات الهيئة.



الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
TT

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)

تعهدت الصين، يوم الخميس، بزيادة العجز في الموازنة، وإصدار مزيد من الديون، وتخفيف السياسة النقدية، للحفاظ على استقرار معدل النمو الاقتصادي، وذلك في ظل استعدادها لمزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

جاءت هذه التصريحات في بيان إعلامي رسمي صادر عن اجتماع سنوي لتحديد جدول أعمال كبار قادة البلاد، المعروف بمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي (CEWC)، الذي عُقد في 11 و12 ديسمبر (كانون الثاني)، وفق «رويترز».

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية بعد الاجتماع المغلق للجنة الاقتصادية المركزية: «لقد تعمق الأثر السلبي الناجم عن التغيرات في البيئة الخارجية». ويُعقد هذا الاجتماع في وقت يعاني فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صعوبات شديدة، نتيجة أزمة سوق العقارات الحادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب المحلي. وتواجه صادراتها، التي تعد من بين النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد، تهديداً متزايداً بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتتوافق تعهدات اللجنة الاقتصادية المركزية مع اللهجة التي تبناها أكثر تصريحات قادة الحزب الشيوعي تشاؤماً منذ أكثر من عقد، التي صدرت يوم الاثنين بعد اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة العليا لصنع القرار.

وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في «بين بوينت أسيت مانجمنت»: «كانت الرسالة بشأن رفع العجز المالي وخفض أسعار الفائدة متوقعة». وأضاف: «الاتجاه واضح، لكنَّ حجم التحفيز هو ما يهم، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد إعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية».

وأشار المكتب السياسي إلى أن بكين مستعدة لتنفيذ التحفيز اللازم لمواجهة تأثير أي زيادات في الرسوم الجمركية، مع تبني سياسة نقدية «مرنة بشكل مناسب» واستخدام أدوات مالية «أكثر استباقية»، بالإضافة إلى تكثيف «التعديلات غير التقليدية المضادة للدورة الاقتصادية».

وجاء في ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري تنفيذ سياسة مالية أكثر نشاطاً، وزيادة نسبة العجز المالي»، مع رفع إصدار الديون على المستوى المركزي والمحلي.

كما تعهد القادة بخفض متطلبات الاحتياطي المصرفي وبتخفيض أسعار الفائدة «في الوقت المناسب».

وأشار المحللون إلى أن هذا التحول في الرسائل يعكس استعداد الصين للدخول في مزيد من الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على المخاطر المالية، على الأقل في الأمد القريب.

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، تحدد بكين أهداف النمو الاقتصادي، والعجز المالي، وإصدار الديون والمتغيرات الأخرى للعام المقبل. ورغم أن الأهداف يجري الاتفاق عليها في الاجتماع، فإنها لن تُنشر رسمياً إلا في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس (آذار).

وأفادت «رويترز» الشهر الماضي بأن المستشارين الحكوميين أوصوا بأن تحافظ بكين على هدف النمو عند نحو 5 في المائة دون تغيير في العام المقبل.

وقال تقرير اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري الحفاظ على نموٍّ اقتصادي مستقر»، لكنه لم يحدد رقماً معيناً.

التهديدات الجمركية

وأثارت تهديدات ترمب بزيادة الرسوم الجمركية حالة من القلق في المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة. وقد بدأ كثير من المصنِّعين في نقل إنتاجهم إلى الخارج للتهرب من الرسوم الجمركية.

ويقول المصدِّرون إن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تآكل الأرباح بشكل أكبر، مما سيضر بالوظائف، والاستثمار، والنمو. وقال المحللون إنها ستفاقم أيضاً فائض القدرة الإنتاجية في الصين والضغوط الانكماشية التي تولدها.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن الصين ستنمو بنسبة 4.5 في المائة في العام المقبل، لكنَّ الاستطلاع أشار أيضاً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في النمو بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

وفي وقت لاحق من هذا العام، نفَّذت بكين دفعة تحفيزية محدودة، حيث كشف البنك المركزي الصيني في سبتمبر (أيلول) عن إجراءات تيسيرية نقدية غير مسبوقة منذ الجائحة. كما أعلنت بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) حزمة ديون بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف ضغوط تمويل الحكومات المحلية.

وتواجه الصين ضغوطاً انكماشية قوية، حيث يشعر المستهلكون بتراجع ثرواتهم بسبب انخفاض أسعار العقارات وضعف الرعاية الاجتماعية. ويشكل ضعف الطلب الأسري تهديداً رئيسياً للنمو.

ورغم التصريحات القوية من بكين طوال العام بشأن تعزيز الاستهلاك، فقد اقتصرت السياسات المعتمدة على خطة دعم لشراء السيارات والأجهزة المنزلية وبعض السلع الأخرى.

وذكر ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية أن هذه الخطة سيتم توسيعها، مع بذل الجهود لزيادة دخول الأسر. وقال التقرير: «يجب تعزيز الاستهلاك بقوة».