تأخر التفاوض بين وفدي جوبا والمتمردين في أديس أبابا.. وحضور دبلوماسي غربي كبير

رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي ينفي انشقاقه ويؤكد تقدم قواته

سلفا كير (يمين) و نائبه السابق الدكتور رياك مشار
سلفا كير (يمين) و نائبه السابق الدكتور رياك مشار
TT

تأخر التفاوض بين وفدي جوبا والمتمردين في أديس أبابا.. وحضور دبلوماسي غربي كبير

سلفا كير (يمين) و نائبه السابق الدكتور رياك مشار
سلفا كير (يمين) و نائبه السابق الدكتور رياك مشار

تأخرت جولة المفاوضات بين وفدي حكومة جنوب السودان وحركة التمرد التي يقودها النائب السابق الدكتور رياك مشار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس، وسط أنباء عن انضمام الدكتور ضيو مطوك، رئيس لجنة الحسبة والمظالم في برلمان الجنوب إلى وفد التمرد في المفاوضات، في وقت نفى فيه رئيس هيئة الأركان في الجيش الشعبي جيمس هوث أنباء عن تمرده عن جيش الدولة، مؤكدا تقدم قواته نحو مدينة بور عاصمة ولاية جونقلي التي تشهد كرا وفرا بين قوات الطرفين.
وقالت مصادر من أديس أبابا لـ«الشرق الأوسط»، إن الوفدين وصلا إلى العاصمة أديس أبابا منذ مساء أول من أمس، ودخلا في مشاورات جانبية مع الوساطة التي يقودها الجنرال الكيني لازروس سمبويو، والذي كان الوسيط السابق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي انتهت باتفاقية السلام الشامل في عام 2005 وأنهت أطول حرب أهلية في أفريقيا. وأوضحت المصادر أن الطرفين لم يتفقا حتى الآن على أجندة التفاوض، حيث يطالب المتمردون بتنفيذ إطلاق سراح المعتقلين من قيادة الحركة الشعبية قبل بدء التفاوض، في حين يشدد وفد الحكومة على اتفاق لوقف العدائيات كبند مقدم في هذه الجولة.
وتتوسط دول الإيقاد (شرق أفريقيا) بين حكومة جنوب السودان، التي يقود وفدها وزير الخارجية السابق وكبير مفاوضيها نيال دينق نيال، والمتمردين بقيادة حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق قاي. ووصل المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان وجنوب السودان السفير دونالد بوث إلى مقر المفاوضات في أديس أبابا، إلى جانب حضور دبلوماسي كبير لمبعوثين من الاتحاد الأوروبي والصين.
من جهة أخرى، نفى رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي لجنوب السودان، الفريق أول جيمس هوث ماي، الإشاعات التي راجت أخيرا عن اعتقاله من قبل رئيس البلاد سلفا كير ميارديت في جوبا. وقال إنه لا يزال يباشر مهامه، وأنه أجرى لقاء صباح أمس مع كير. وأشار إلى أن الأنباء التي يرددها البعض لا أساس لها من الصحة، ومحاولة للنيل من وحدة وتماسك الجيش الشعبي. وقال هوث للصحافيين، إن الجيش الحكومي يتقدم نحو مدينة «بور» عاصمة ولاية جونقلي شرق البلاد، التي سيطرت عليها قوات التمرد خلال الأيام الماضية.
وتشهد المدينة سجالا بالكر والفر من قبل الطرفين المتنازعين في محاولة السيطرة عليها، وقال هوث: «قريبا سنكون هناك، فقواتنا على مشارف المدينة الآن»، مشيرا إلى أن الطرفين المتحاربين لم يتفقا على وقف إطلاق النار، وأن قواته استطاعت استرداد منطقة ميوم الاستراتيجية في ولاية الوحدة الغنية بالنفط من المتمردين. كما قال إن «قواتنا أيضا تتقدم الآن نحو مدينة بانتيو عاصمة الولاية لاستعادتها».
وأوضح هوث، أن قيادة الجيش والحكومة شكلتا لجنتين، الأولى معنية بالتحقيق مع الذين قاموا بالتورط في قتل مدنيين من أفراد القوات النظامية في الأحداث الأخيرة في مدينة جوبا، مضيفا: «ألقينا القبض على أعداد كبيرة منهم». وأضاف أن اللجنة الثانية مختصة بالتحقيق حول طبيعة وملابسات الاشتباكات التي وقعت داخل قيادة الحرس الجمهوري بالقيادة الجنوبية للجيش في 15 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وشدد هوث على أن الأوضاع هادئة تماما في مدينة جوبا، لكنه قال إن «هناك بعض المجرمين أرادوا استغلال هذه الأوضاع لنهب المواطنين وترويعهم».
وأصدر رئيس جنوب السودان سلفا كير مرسوما رئاسيا مساء أول من أمس أعلن فيه ولايتي جونقلي والوحدة منطقة طوارئ.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.