دبلوماسية الفاتيكان والأزمة في فنزويلا

البابا خاطب مادورو في رسالة مسربة بعبارة «حضرة السيّد» وليس «الرئيس»

TT

دبلوماسية الفاتيكان والأزمة في فنزويلا

منذ بداية الفصل الأخير من تطورات الأزمة الفنزويلية أواخر الشهر الماضي يتعرّض موقف الفاتيكان لانتقادات شديدة بسبب عدم إعلانه الاعتراف بالشرعية الجديدة التي يمثلّها «الرئيس بالوكالة» خوان غوايدو، أسوةً بمعظم الدول الغربية وبلدان أميركا اللاتينية، فيما تتجّه أنظار العواصم المعنيّة بهذه الأزمة مباشرةً إلى البابا فرنسيس لمعرفة ما إذا كان سيتجاوب مع طلب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو للتوسط من أجل استئناف المفاوضات بين المعارضة والنظام، وكسر الجمود السياسي التام الذي وصلت إليه الأزمة.
وكما جرت العادة في دبلوماسية الفاتيكان العريقة، جاء الردّ بصورة غير مباشرة عبر تسريب مقتطفات من الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس إلى مادورو أواخر الأسبوع الماضي، تتضمّن انتقادات لعدم وفاء النظام بالوعود التي قطعها خلال المفاوضات السابقة التي جرت بوساطة من الفاتيكان في عام 2016، ويستفاد منها أن الكنيسة الكاثوليكية ليست في وارد التوسّط حاليّاً من أجل إيجاد مخرج للأزمة.
وفي المقتطفات المسرّبة التي نشرتها صحيفة «كورّييري دلّا سيرا» الصادرة في روما، أن البابا يتوجّه في مستهل رسالته إلى مادورو بعبارة «حضرة السيّد» من غير أن يستخدم عبارة «الرئيس»، مما فسّرته أوساط دبلوماسية مقرّبة من البابا بأنه «أسلوب غير مباشر للتعبير عن عدم اعتراف الفاتيكان بشرعيّة الولاية الثانية لمادورو» التي رفضتها أكثر من 60 دولة اعترفت برئاسة غوايدو.
وجاء في الرسالة أن البابا يعرب عن أسفه لعدم احترام الحكومة الفنزويلية للاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها خلال المفاوضات الأخيرة التي جرت في جمهورية الدومينيكان برعاية الفاتيكان، والوعود التي «تبخّرت مع مرور الأيام ورغم تفاقم الأزمة وتدهور الأوضاع المعيشية للسكان».
ويُذكر أن البابا فرنسيس، خلال رحلة العودة من زيارته الأخيرة إلى أبوظبي، كان قد أعلن استعداده للتوسط في الأزمة الفنزويلية «شريطة أن يطلب منه الطرفان». لكن رغم أن الطرفين قد طلبا منه التدخّل في الأيام الأخيرة، لم تبدِ خارجية الفاتيكان أي استعداد للتجاوب، الأمر الذي فسّره بعض الأوساط بأنه لزيادة الضغط على مادورو الذي تزداد عزلته إقليمياً ودولياً.
ويذكّر البابا فرنسيس في رسالته بالمناسبات المتكررة التي تجاوب فيها الفاتيكان مع طلب مادورو من أجل التوصل إلى حل للأزمة الفنزويلية، «لكن من أسف أُجهضت كل المحاولات والمساعي لأن ما اتُّفق عليه في الاجتماعات لم يُقرن بخطوات ملموسة لتنفيذ الاتفاقات». وتقول أوساط مقرّبة من البابا إن تصرّف الحكومة الفنزويلية آنذاك تسبب باستياء عميق لدى الفاتيكان الذي يتابع الأزمة عن كثب ويعرف كل تشعّباتها نظراً إلى كون وزير الخارجية الحالي الكاردينال بيترو بارولين قد تولّى سابقاً منصب القاصد الرسولي في كاراكاس.
ولمعرفة الموقف الحقيقي للفاتيكان من الأزمة الفنزويلية يحيل المراقبون إلى التصريحات التي أدلى بها أمس القاصد الرسولي الحالي في كاراكاس ورئيس المجمع الأسقفي الفنزويلي الكاردينال بالتازار بورّاس الذي قال: «الحكومة أقامت سلطة موازية تهيمن على كل شيء في البلاد، مما يعني أن الشعب ليس موضع اهتمامها الحقيقي بل السلطة. وهي لا تساعد سوى الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم ويؤيدون النظام». ويضيف: «أنظار العالم ووسائل الإعلام مركّزة على الأوضاع المعيشية القاسية في العاصمة، لكن الوضع أسوأ بكثير في المناطق الداخلية والأرياف منذ سنوات عديدة، ليس بسبب العقوبات بل للسياسات الخاطئة والفساد».
ويرى الكاردينال بورّاس المقرّب من البابا فرنسيس أنْ لا أمل من الحوار مع النظام «لأن تجارب السنوات الماضية بيّنت أن الذين يدعون إلى الحوار يتعرّضون للتخوين والاتهام بالعمالة... والبابا الحالي بذل جهوداً كثيرة للتوسط من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية والمعيشية منذ عام 2015، لكن النظام ظلّ يماطل ويحاول كسب الوقت إلى أن وصلنا إلى الوضع الراهن حيث لم تعد لمؤسسات الدولة أي صدقيّة».
وكشف القاصد الرسولي في حديثه أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو اتصّل به في عام 2002 وطلب منه الحماية عندما كان متعرّضاً للتهديد بالقتل «لكن عندما عرضت عليه الكنيسة الحوار مع المعارضة للخروج من الأزمة، اتهمها بالانحياز ومحاولة قلب النظام». وعن توقعاته بشأن الأمد القصير، يقول بورّاس: «دخلنا مساراً لا عودة فيه إلى الوراء. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أن الغلبة ستكون لهذا الطرف أو ذاك. إذا تمكّن النظام من الصمود سنشهد مزيداً من القمع والفقر. هناك نافذة مفتوحة على الأمل وعلى واقع جديد. النظام صامد بفضل دعم القوات المسلحة، لكن أفراد القوات المسلحة لهم أسرهم التي تعاني هي أيضاً من الأزمة المعيشية الخانقة، وبقدر ما تمتد هذه الأزمة بقدر ما تزداد احتمالات الوقوع في دوّامة العنف التي يجب أن تُبذل كل الجهود لعدم الانجرار إليها».



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.