مخاوف من المنافسة تعكر الاحتفال بمئوية قناة بنما

تؤمن مليار دولار سنويا لخزينة الدولة وتوفر عشرة آلاف فرصة عمل

تعبر قناة بنما سنويا 14 ألف سفينة وتشكل محطة مهمة للتجارة الدولية (أ.ف.ب)
تعبر قناة بنما سنويا 14 ألف سفينة وتشكل محطة مهمة للتجارة الدولية (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من المنافسة تعكر الاحتفال بمئوية قناة بنما

تعبر قناة بنما سنويا 14 ألف سفينة وتشكل محطة مهمة للتجارة الدولية (أ.ف.ب)
تعبر قناة بنما سنويا 14 ألف سفينة وتشكل محطة مهمة للتجارة الدولية (أ.ف.ب)

تحتفل قناة بنما، التي تعد إنجازا هندسيا ميز القرن العشرين، يوم غد، بالذكرى المائة لإنشائها، وفيما تمر عبرها خمسة في المائة من التجارة البحرية العالمية، تواجه ظهور مشاريع منافسة، ويسجل مشروع توسيعها تأخيرا دام أكثر من سنة.
وجاءت فكرة بناء القناة باقتراح من الإمبراطور تشارلز كوينت في القرن السادس عشر، بهدف ربط المحيطين الأطلسي والهادي، حتى لا تضطر السفن إلى الالتفاف حول أميركا الجنوبية. ولدى البدء في تنفيذ المشروع سنة 1880، احتاج المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، مهندس مشروع شق قناة السويس، إلى أكثر من 30 عاما لتحقيق حلمه. وقد شكل تدشين القناة في 15 أغسطس (آب) 1914 نهاية أعمال استغرقت سنوات طويلة، بدأها أولا الفرنسيون الذين فشلوا في مهمتهم، ثم تلاهم الأميركيون. وشهدت سنوات البناء وفاة 27 ألف عامل من جراء الملاريا والحمى الصفراء، كما أصيب الرسام بول غوغان، الذي أمضى في ورشة العمل بضعة أسابيع، بمرض مزمن، وكاد يصبح غير قادر على إكمال المشوار.
لكن بعد مائة عام، عبر القناة، التي يبلغ طولها 80 كلم، أكثر من مليون سفينة. وأعيدت إلى بنما القناة التي تولت الولايات المتحدة إدارتها حتى 1999، رغم أن الجيش الأميركي يستطيع بموجب معاهدات توريخوس كارتر التدخل إذا ما عد أن حياد القناة أصبح معرضا للخطر.
وعندما عادت إدارة هذه التحفة الهندسية بالكامل إلى بنما، انتعش اقتصاد هذا البلد الصغير، الواقع في أميركا الوسطى، والذي يعد واحدا من أكثر البلدان حيوية في المنطقة، مع نمو بلغ 8.4 في المائة في 2013. وتؤمن القناة، التي تعد الصين والولايات المتحدة من أبرز زبائنها، مليار دولار سنويا لخزانة الدولة وعشرة في المائة من العائدات الضريبية. كما تشكل ستة في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وتوفر عشرة آلاف فرصة عمل.
وقال خورخي كيخانو، رئيس مجلس إدارتها الحالي «بالنسبة إلى بنما فقد شكلت القناة عنوانا للتقدم.. وقد انتقلنا من مقاطعة منسية (تابعة لكولومبيا حتى 1903) إلى دولة مستقلة قادرة على اختيار مستقبلها».
وعلى طول ضفتي القناة اللتين تنمو فيهما الغابات الكثيفة، تبدأ سنويا 14 ألف سفينة عملية عبور بطيئة، تستمر عشر ساعات، قبل أن تصل إلى 1700 مرفأ في 170 بلدا. وعلى هذا الأساس فقد شكل افتتاح هذا المعبر خطوة نوعية للتجارة الدولية، أتاح للولايات المتحدة نقل أسطولها العسكري والتجاري من جانب إلى آخر. وفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عندما أصبحت اليابان قوة عظمى صناعية، ربطت القناة ما بين أوروبا وآسيا، وشكلت في العقود الأخيرة، طريقا تجاريا أساسيا لأميركا اللاتينية والصين. لكن رغم ذلك فإنها تواجه منافسة خصوصا من قناة السويس.
وقال خورخي كيخانو بهذا الخصوص «لا يشك أحد في أن قناة السويس يمكن أن تنافسنا. لكني أعتقد أن هذا ما يحصل، وقد لمسنا ذلك في الأشهر الـ18 الماضية».
وأضاف أن قناة السويس «ضربت بهدوء عائدات قناة بنما بفضل فاعليتها الكبيرة. ويمكن أن تتفاقم الأمور»، بعد أن أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشروع «قناة سويس جديدة» لتسريع الملاحة، على أن ينجز هذا المشروع في غضون سنة. وسيضاف هذا المشروع إلى مشروع نيكاراغوا، حيث تنوي شركة صينية شق قناة بين المحيط الهادي والكاريبي خلال خمس سنوات. ولذلك حذر كيخانو من أن «وجود قناتين في أميركا الوسطى أمر لن يكون قابلا للحياة على الصعيد الاقتصادي».
وحتى تتمكن من الصمود، تراهن قناة بنما على مشروع التكبير والتوسعة، لكن هذه الورشة العملاقة، التي ستؤدي إلى زيادة قدرتها ثلاث مرات تقريبا، تأخرت، إذ كان مقررا منذ البداية إنجازها حتى يتزامن انطلاقها مع الاحتفال بالذكرى المئوية للقناة، لكنها لن تبدأ حتى سنة 2016، بسبب الخلاف مع تحالف الشركات المسؤول عن الأعمال الذي يطالب بتمديد المهلة المتفق عليها.
وستزود الورشة، التي تفوق تكاليفها الخمسة مليارات دولار، القناة بسدود جديدة تتيح مرور السفن التي تنقل حتى 12 ألف حاوية، في مقابل خمسة آلاف حاوية في الوقت الراهن، لمضاعفة المرور بالنسبة لـ600 مليون طن في السنة. وستؤمن هذه القناة الموسعة لدولة بنما 3.1 مليارات دولار سنويا، أي ما يفوق ثلاث مرات عائداتها الحالية.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».