بعد موافقة البرلمان على مشروع قانون الخدمة العسكرية، عقب الجدل الذي أثير حوله، صدر للكاتب المغربي الطاهر بنجلون، المقيم بفرنسا، كتاب جديد عن «المركز الثقافي العربي»، تحت عنوان «العقاب»، يحكي فيه تجربته المريرة مع التجنيد الإجباري، خلال ما يسمى في المغرب بسنوات الرصاص، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
يشكل هذا الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية مصطفى الورياغلي، «سيرة روائية» تتطرق إلى جانب من حياة بنجلون أيام الشباب، وهو في العشرين من عمره بالضبط، حين وجد نفسه مدعوا إلى التجنيد الإجباري، عقابا له على مشاركته، كطالب إلى جانب عدد من الطلبة، في التظاهر بالمدن المغربية الكبيرة في شهر مارس (آذار) 1965.
يقول الفائز بجائزة «الغونكور» الأدبية بفرنسا، في كتابه الجديد: «عوقبت، لأنني تظاهرت، بهدوء، سلميا، من أجل قليل من الديمقراطية لمدة شهور».
بدأ «العقاب» بتحليق شعر رأسه عند التحاقه بالتجنيد: «شعر طويل كنت شديد الاعتزاز به. إنه زمن الشعر الطويل، والتويست (رقصة كانت مشهورة)، والروك».
يقول الضابط للجندي: «لا تبق له شعرة واحدة». يرتعد بنجلون من الخوف، وهو يخاطب نفسه: «هل سأتركهم يجزون رأسي مثل خروف؟»، يبكي في صمت وهو يرى خصلات شعره تتهاوى فوق الأرض، تسيل قطرة دم فوق خده، ولا يقول شيئا، «لا بد أن الشفرة قد استعملت مرات كثيرة».
بهذا الأسلوب الذي يقطر مرارة، يسترجع الكاتب ذكرياته في تلك الثكنات التي تجرع فيها، وفق ما يرويه، الكثير من الوجع والألم، نتيجة ما وصفه بـ«الجحيم» الذي عاش وسط أجوائه، مع زملائه، لدرجة أنه فكر في الانتحار ذات مرة، رغم اقتناعه بأن الإسلام يحرم أن يقتل المرء نفسه.
من بين اللقطات المؤثرة التي ظلت لصيقة بذاكرة بنجلون، رؤيته لجندي في ساحة المعسكر مرصود للموت تحت الشمس، دفن في الرمل إلى العنق، بينما وضعت أحجار ثقيلة فوق صدره، «لا بد أن ذلك الجندي قد مات بفعل التشنجات وصعوبة التنفس. لم يعد يملك حتى القدرة على الصراخ».
لم يكن بنجلون، كما يحكي في كتابه، سوى رقم تسجيل، والرقم هو 10366.
وكان بمعية أربعة وتسعين طالبا، أمضوا تسعة عشر شهرا في الخدمة العسكرية، ذاقوا خلالها مختلف صنوف العذاب، تحت إمرة ضباط تابعين للجنرال محمد أوفقير، مكلفين «إعادة تربيتهم»، يسومونهم العذاب، ويقودونهم إلى مناورات خطيرة بذرائع عبثية، حسب ما جاء في الكتاب.
وهؤلاء الضباط «أصبحوا قتلة» على حد تعبير بنجلون، بعد أن تورطوا فيما بعد في انقلاب الصخيرات (ضواحي الرباط) يوم عاشر يوليو (تموز) 1971، عقب إخراجهم للتلاميذ الضباط من ثكنة «أهرمومو» (جنوب شرقي الرباط) يقودهم اليوتنان كولونيل (المقدم) محمد أعبابو، «إنهم مجانين برغبتهم في الانقلاب على الملك بواسطة العنف».
بنجلّون الذي استضافه معرض الكتاب في الدار البيضاء أخيرا للحديث عن كتاب جديد له بعنوان «الأرق»، ختم مذكراته في الخدمة العسكرية بقوله:
«ذات يوم، استرجعت حريتي، بعد أن كنت قد فقدت الأمل في ذلك، تمكنت أخيرا مثلما كنت أحلم، من أن أحب وأسافر، واكتب وأنشر مؤلفات كثيرة. غير أن كتابة (العقاب)، والجرأة على الرجوع إلى تلك الحكاية، والعثور على كلماتها، تطلب مني ما يناهز 50 عاما».
بنجلون يروي تجربته المريرة مع الخدمة العسكرية
قال إنه انتظر 50 عاماً ليؤلف كتاب «العقاب»
بنجلون يروي تجربته المريرة مع الخدمة العسكرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة