انتهى أسبوع الموضة الراقية بباريس لربيع وصيف 2019 مدوياً. فقد كان عرض «فالنتينو» مسك ختام أسبوع من الإبداعات تبارى فيها المصممون على تقديم أجمل ما عندهم. ولم يقتصر الأمر على بيوت الأزياء العالمية فحسب، بل شملت أيضاً المصممين العرب، الذي تركوا صدى إيجابياً. من ربيع كيروز الذي يحظى باحترام أوساط الموضة وجورج حبيقة وجورج شقرا اللذين أصبحت نجمات هوليوود يظهرن بتصاميمهما في مناسبات السجاد الأحمر ورامي العلي الذي أصبح وجهاً مألوفاً في العاصمة الفرنسية منذ 15 سنة تقريباً، إلى محمد آشي ورامي قاضي اللذين قررا هذا الموسم أن ينتقلا إلى مرحلة تقديم أزيائهما على منصات العرض عوض الاكتفاء باستعراضها أمام المشترين ووسائل الإعلام.
فرغم أن رامي قاضي مثلاً كان وجهاً مألوفاً في أسابيع باريس لسنوات، فإنه قدم أول عرض له بالمعنى التقليدي هذا الموسم. كان ذلك، بتشجيع من زبوناته ووسائل الإعلام، وجند له عارضات من العيار الثقيل مثل كوكو روشا، فيما استضاف مجموعة من المؤثرات الشهيرات من مثيلات الأميركية أوليفيا باليرمو والبرازيلية كاميلا كويلو واللبنانية كارن وزان وغيرهن مخصصاً لهن الصفوف الأمامية في غياب نجمات عالميات. لكن لا بد من القول إن عرضه أثار بعض الجدل، بين معجب يقول إن الخطوة طبيعية تعكس تطوره، وبين منتقد يقول إنه تسرع بعض الشيء ولم يدرسها من كل النواحي. الشريحة الأولى ركزت على مجموعة من الأزياء تؤكد مدى مهارته الحرفية وجرأته في تجسيد أفكار طليعية عودنا عليها دائماً. فمنذ انطلاقته وهو يرفض أن يسبح مع التيار السائد، مفضلاً في المقابل تبني تقنيات مبتكرة يعبر من خلالها عن طاقاته الفنية وخياله. أما الشريحة الثانية، فركزت على مجموعة أخرى من الفساتين كانت تبدو وكأنها مُقحمة لإكمال العدد لا أقل ولا أكثر، وكان رأيها أن التشكيلة افتقدت إلى التوازن وإلى تيمة قوية تجمعها.
لكن بعيداً عن هذا الجدل، كان ما اقترحه مزيجاً بين صخب الألوان وجرأة التصاميم مع اهتمام واضح بالجانب الأنثوي المائل إلى الإغراء من خلال الطول القصير أو الفتحات العالية، من دون أن ينسى عشقه للبريق، سواءً في التطريز أو في نوعية الأقمشة.
قال رامي قاضي إنه استوحى مجموعته من مهرجان «بيرنينغ مان» Burning Man الذي يقام في صحراء نيفادا ويستقطب الآلاف من الشباب سنوياً «فهو يتيح لرواده الكثير من الحرية لا سيما فيما يتعلق باستكشاف مستويات وأساليب مختلفة للتعبير الفني» حسب قوله. وهذا ما حاول تجسيده في التناقضات التي لعب عليها، وصخب الألوان وجرأة الخطوط والأقمشة المترفة التي طرزها بقطع زجاجية مقطّعة بواسطة الليزر حيناً، وحيناً آخر بحبوب كريستال أضفت عليها البريق وعكست الضوء في كل خطوة كانت تخطوها العارضات.
وإذا كان رامي قاضي اختار فندق جورج V الفخم لعرضه، فإن المصمم طوني ورد اختار معهد الطب L’École De Médecine، فيما يمكن أن يقرأه البعض بأنه إشارة إلى قيامه بعملية تشريح للجسد. فقد لفه أحياناً ليبدو وكأنه محنط بطياته العديدة. كانت الطريقة تتضمن الكثير من الإغراء من دون كشف المفاتن، وقال المصمم إنه استوحاها من اليعسوب «ليس من شكله» حسب تأكيده، بل «من واقع فلسفي وهو أنه وحيد يقوم بحركات مميزة من خلال أجنحته».
هذه الحركة انعكست على انسيابية الفساتين وخفة الأقمشة، وبعض الأشكال الهندسيّة لأجنحة بأحجام متباينة تجسدت في التطريزات والأعمال اليدوية ثلاثية الأبعاد فضلاً عن لوحة من الألوان المتدرجة من الأرجواني العميق إلى الأخضر الزمردي مع تداخلات هادئة.
في المقابل اختار المصمم جورج حبيقة أن يأخذنا في رحلة عبر التاريخ إلى حدائق قصر فرساي، لأن ملهمته كانت ماري أنطوانيت. من أناقتها استقى إطلالات تضج بالفخامة والرومانسية. أما الخطوط الهندسية فاستلهمها من قصر فرساي، وتحديدا من الأشجار الملتفة على بعض بشكل دائري والورود الغناء والقبب العالية. كل هذا صاغه بألوان وبريق يستحضر جمال الطبيعة من جهة وانسيابية الماء من النافورات المتناثرة في أنحاء القصر.
لحسن الحظ لم يبق سجين الأسطورة والخيال. فرغم أحجام بعض الفساتين الضخمة التي ينسدل بعضها من الأكتاف إلى الأرض بسخاء وبالإضافة إلى التطريزات الباروكية، كانت الخطوط معاصرة وواقعية. كل ما في الأمر أن المصمم ترجم كل العناصر الهندسية وصورة ماري أنطوانيت بشاعرية.
من جهتهما، قدم الثنائي جورج قزي وأسعد أسطا، مؤسسا دار «قزي وأسطا» في فندق «دو كريون» تشكيلة مفعمة بالجمال. كان واضحاً فيها أنهما كانا مدفوعين بفورة الشباب وجموح الإبداع وهموهما بأبحاثهما المستفيضة في كتب التاريخ وقصص الأساطير لرسم معالم كل قطعة تم عرضها.
«ذكريات من طريق الحرير» هو عنوان رحلة مثيرة قاما بها عبر شبكة الطرق القديمة التي كانت تصل ما بين الشرق والغرب، وحيث كان يتمّ تبادل الحرير والسلع والثقافات. من كل محطة أخذا عناصر انعكست على تصميم معين.
قد يكون هذا العنصر نصباً تذكارياً أو معلماً سياحياً أو خاناً توقف عنده التجار. قد تختلف الأذواق لكن ما لا يختلف عليه اثنان أن التقنيات المستعملة في هذه التشكيلة، كانت عالية تشير إلى رغبة جامحة في التميز والتفرد، سواء تعلق الأمر بالثنيات المكسّرة وطيات الأوريغامي أو بالتطريزات القديمة والخطوط المنحوتة التي «تعكس نقاء كُثبان الصحراء تارة وأفق البحار وألوان السماء من الغسق حتى الفجر تارة أخرى» حسب قول قزي. لم يبخلا فيها أيضاً بالأقمشة المترفة التي تباينت بين الساتان الحريريّ، الأورغنزا والغازار وطبعاً الحرير الذي لم يفقد جماله أو قيمته في أي وقت من الأوقات. وهذا ما أكده المصممان بقولهما إن هذا ما شدهما «فكرة أنّ الحرير الفاخر كان يُنقل من آخر أصقاع الأرض ليصل إلى البلاطات الملكيّة في أوروبا. وكان مصدر الحرير وفنّ صناعته من الأسرار المحاطة بكتمان شديد تماماً مثلما هو الحال بالنسبة للـ«هوت كوتير».
ربيع كيروز، اسم غني عن التعريف، على المستوى العالمي. فعدا عن أياديه البيضاء في دعم المصممين الشباب من العرب، كان ضيفاً مكرماً من قبل «لاشومبر سانديكال» الفرنسية منذ أكثر من عشر سنوات. لكنه هذا الموسم حصل أخيراً على دعوة ليكون عضواً دائماً في اللائحة الرسمية للمشاركين في موسم الـ«هوت كوتير». وهذا يعني أن «ميزون ربيع كيروز» حصلت على حق لا يناله سوى الكبير مثل «شانيل» و«ديور» و«جيفنشي» وإيلي صعب ومن شابههم. في أول عرض له وهو يحمل هذا اللقب قدم تشكيلة متنوعة، تجمع تصاميم راقية مع أخرى أقرب إلى الأزياء الجاهزة إلى جانب أول تقديمه قطعاً رجالية في محاولة لدخول مجال تصميم الأزياء الرجالية. من أول إطلالة كان واضحاً أن المصمم سيبقى وفياً لقناعته بأن الأزياء يجب أن تخدم صاحبها، أيا ًكان أسلوبه وذوقه ومناسباته. كانت عبارة عن قميص أبيض مطرز، وأكمام بشق مفتوح، نسقه مع بنطلون أسود بتفصيل لا يقل دقة في التفصيل. بعد ذلك توالت التصاميم الأنيقة، مثل قطعة مستوحاة من العباءة وأخرى من الجلابية للرجل إضافة إلى معاطف مفتوحة. كلها تميزت بترجمة هندسية تشير إلى مدى قدرته على الإبداع من دون فذلكة أو مبالغة. كانت هناك الكثير من القطع التي اعتمد فيها على الصوف والتافتا، الأمر الذي جعلها قابلة لكل زمان ومكان. بيد أن هذا لا يعني أنه نسي أو تناسى أن الموسم خاص بالـ«هوت كوتير»، أي أن الاقتراحات يجب أن تتحلى بالتميز والتفرد، إذ قدم مجموعة تقطر بلون الذهب وأخرى بتفاصيل احتاج إلى نحو 200 ساعة لتنفيذها في مشغله الخاص. وبالنتيجة كان عرضه أجمل وأرقى ترجمة لفكرة لقاء الشرق والغرب، حيث أخذ هذا المفهوم وحلق به إلى مستوى من الفنية جعل حتى التصاميم البسيطة التي كان من الممكن القول إنها تناسب موسم الأزياء الجاهزة أكثر، لا تبدو نشازاً. بالعكس ذكرتنا بأن الـ«هوت كوتير» ولدت أساساً لخدمة المرأة في كل الأوقات، وبأنها لم تكن تقتصر على مناسبات المساء والسهرة فقط.
المصممون العرب... زاد عددهم فزادت جُرعة عطاءاتهم
أسبوع الأزياء الراقية في باريس لا يكتمل من دون مساهماتهم
المصممون العرب... زاد عددهم فزادت جُرعة عطاءاتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة