«كامدن تاون»... مدينة الشعراء والبوهيميين وعشاق الصرعات

تجربة مثيرة للدهشة قرب وسط لندن

تعج المنطقة بالشباب وكبار السن على حد سواء
تعج المنطقة بالشباب وكبار السن على حد سواء
TT

«كامدن تاون»... مدينة الشعراء والبوهيميين وعشاق الصرعات

تعج المنطقة بالشباب وكبار السن على حد سواء
تعج المنطقة بالشباب وكبار السن على حد سواء

تقع منطقة «كامدن تاون» في قلب البلدية التي تحمل اسمها وتحتل الجزء الشمالي الغربي من لندن ليس بعيداً عن «أوكسفورد ستريت» أو «ترافالغر سكوير». وهي واحدة من أكبر مراكز العاصمة وأكثرها تفرداً بالغنى الثقافي والإرث التاريخي وروح الشباب. تؤطر شوارعها وتفيض على جانبي قناتها المائية Regent›s Canal والتي تسمى «فينسيا الصغيرة» الكثير من المعالم. ورغم أن هذه المنطقة ما تزال غير معروفة بالشكل الذي تستحقه بالنسبة لكثير من السياح العرب فإن عددا منهم عرف لها طريقاً في الآونة الأخيرة.

- «جون كيتس» و«أجاثا كريستي» عاشا هنا
في مركز «كامدن تاون» وفي الطريق إلى سوق Camden Lock لا يمكن للزائر أن يسير بسرعة أو بخطواته المعتادة لأنه سوف يصطدم بالناس من كل جنسٍ ولونٍ. فهنا يتجمع كل يوم آلاف السياح وأهل البلد، وأغلبهم من الشباب الصغار الذين يزداد عددهم إلى مئات الألوف في عطلة نهاية الأسبوع، خاصة عندما لا ينذر الجو بزخات المطر، فدائماً ثمة خيط غير مرئي يجذب الناس إلى هذا المكان على غير موعد وتموج بهم هذه المنطقة العريقة التي بنيت في عام 1790 لتكون سكناً للطبقة المتوسطة والمشاهير. فقد عاش بين جنباتها الكثير منهم، مثل الكاتب تشارلز ديكنز والمفكر كارل ماركس وماري شيلي وجورج أورويل وأجاثا كريستي. وغالباً ما يشاهد الزائر وهو يسير في الأزقة والشوارع لافتة باللون الأزرق تشير إلى اسم أحد المشاهير ممن سكن في بلدية «كامدن تاون» في يوم ما وتحول بيته إلى متحفٍ، كما هو الحال مع الشاعر الرومانسي الكبير جون كيتس، الذي يمكن زيارة بيته القائم حتى الآن وإن تحولت البناية نفسها إلى إرث وطني لا يمكن التلاعب في عمارته. أما عن التاريخ الحديث فيمكن أن نذكر المغنية الراحلة إيما واينهاوس والشاعر ديلان توماس والمطرب بوي جورج وفريق «البيتلز» الذين صوروا أغنية «Mad Day Out» بين حشود الناس في شوارع في هذه المدينة، فضلا عن مصممة الأزياء «جيني بيكهام».

- مطابخ العالم بين يديك
زيارة «كامدن تاون» هي فرصة كبيرة للانتقال إلى عالم آخر يجد فيه السائح ما يشتهي من الطعام، في مكانٍ وزمانٍ واحد. فما أن تدلف من بوابة مقوسة قادماً من جسر صغير يقع على «قناة ريجنس المائية» حتى تجد نفسك في باحة كبيرة تنتشر فيها أكشاك الطعام التي تقدم كل ما يمكن أن تتخيله ولا تتخيله من أصناف الطعام الآسيوي والأفريقي والعربي والأوروبي والأميركي والحلال. تتصاعد الأبخرة والروائح التي تقودك للوقوف في طابورٍ طويل عند هذا الكشك أو ذاك، وهذا تقليد عريق بدأ مع افتتاح أول كشك في الخمسينيات ثم تنوع الطعام مع قدوم المهاجرين واللاجئين من أصقاع الأرض إلى بريطانيا ومنهم العرب الذين افتتحوا أكشاكا لبيع الكسكسي والحمص والفلافل والتبولة. وما إن تنتهي من الطعام الذي يمكن أن تتناوله وأنت جالس أو ماش في الأزقة والأسواق المتفرعة من هذه الباحة حتى تجد أمامك سوقاً للحلي والإكسسوارات والصناعات اليدوية واللوحات وكل ما لا تجده في مكان آخر، لأن هذه الأسواق لا ترضى بأن يعمل داخلها أي فرع للشركات والماركات المشهورة وتحرص على أن يكون كل شيء جديداً وغريباً ولا يتكرر.

- متاهات الأسواق الحلزونية
وأنت تواصل سيرك سيواجهك مطعم كبير ومرتفع يحمل اسم «كلكامش» المستلهم من الملحمة العراقية القديمة وإن كان الطعام لا علاقة له بالاسم لأنه يقدم طعاماً أقرب إلى الآسيوي ولكن بطعم مميز يجبرك على إعادة الزيارة. وعلى جانب المطعم ثمة ممر طويل يوصلك إلى أسواقٍ داخل أسواق في دوامة من المتاهات الحلزونية وفي كل مرة تسعد لأنك سرت من هنا فوجدت ضالتك من الحلي أو ثياب الفينتاج أو الثياب العسكرية القديمة والحقائب والقبعات التي تُذكّرك بأفلام الثلاثينيات والأربعينيات. وفي سوقٍ جانبي مكتظ، ثمة دكاكين متلاصقة تبيع الطعام أيضاً وهنا يمكن أن تجد الأكل الحلال الذي تقدمه فتيات إندونيسيات وماليزيات يلبسن الحجاب ويقدمن أطيب الطعام المنكه بالتوابل.
لعل أكبر الأسواق في هذا المكان هو Stables Market أو سوق «الإسطبلات» الذي كان مأوى ومستشفى للخيل التي كانت تجر عربات العوائل الأرستقراطية. تجد فيه خليطا مثيرا للدهشة من الأكشاك والحوانيت والدكاكين التي تبيع الأثاث القديم والأنتيك والثياب القديمة والعطور والصوابين المصنوعة باليد. وعلى الجانبين تنتشر المطاعم والمقاهي التي حافظت على البناء القديم للخانات التي كانت تتعالج فيها الخيول وأضافت إليها لمسات رائعة جعلت للجلوس فيها متعة فريدة وتجربة لا يمكن نسيانها، خاصة وسط شباب وعوائل بكل السحنات والألوان مع عزف للموسيقى في الهواء الطلق وعروض بهلوانية تجذب المارة. أما خارج الأسواق فثمة اكتظاظ من نوعٍ آخر على العروض المسرحية في قاعة «راوندهاوس» التي تقدم أشهر الأعمال المسرحية والغنائية من بريطانيا وأميركا وأوروبا. وفي نهاية شارع «كامدن هاي ستريت» الذي تنتشر على جانبه الأسواق والمتاجر نشاهد صالة «كوكو» التي تجذب الشباب بعروض الرقص والغناء ومؤخرا قدم حفلاً للمطربة «مادونا».

ما يمكن تجربته في «كامدن تاون»

- التسوق
«كامدن تاون» مكتظة بأسواق الهواء الطلق والمتاجر والأكشاك التي يبلغ عددها أكثر من ألف ومن هذه الأسواق:
* كامدن لوك ماركت Camden Lock Market: للأعمال اليدوية والحرفية والكتب والثياب والحلي والأطعمة.
* كامدن لوك فيلادج Camden Lock Village: لثياب الفينتاج والإكسسوارات غير المألوفة.
* كامدن ماركت Camden Market: للأزياء الرجالية والنسائية الحديثة
* إنفيرنيس ستريت ماركت Inverness Street Market: لبيع الفواكه والخضراوات وأيضاً بعض التذكارات والثياب.
* ستايبل ماركت Stables Market: سوق الإسطبلات، وهو مجموعة من المتاجر الثابتة التي تعرض الأنتيك والفنتج والمصنوعات الجلدية واللوحات والفنون التشكيلية البصرية.

- التعرف على الفنون البصرية
في زوايا وشوارع «كامدن تاون» هنالك الكثير من صالات العرض للفن التشكيلي والتصوير مع ورش يقيمها فنانون متمرسون، وفي هذه الصالات يمكن أن تكون الشاهد على بزوغ نجم فنان شاب اكتشفته عيون الخبراء التي لا تخطئ.

- نشاطات منوعة للصغار
ليس بعيداً عن الأسواق وفي مسيرة على الأقدام لبضع دقائق يصل السائح إلى London Zoo»حديقة حيوان لندن» التي تقع في «ريجنتس بارك»، وهي من أكبر حدائق الحيوان في العالم ويمكن أيضاً الدخول إلى حديقة «بريمروز هيل» والصعود على التل لمشاهدة أغلب معالم لندن الجميلة ويمكن أخذ الصغار أيضاً إلى «بايرات كاسل» أي «قصر القراصنة» حيث يمكن للعائلة أن تقوم بنشاطات مائية أو تستأجر مركباً للتجول في القناة المائية الطويلة التي تشق المدينة إلى نصفين.

- التفرج على آخر الصرعات
يقول صناع الموضة أن الكثير من الصرعات التي تجتاح منصات العروض ولدت أو مستلهمة من «كامدن تاون» وغيرها من المدن الشبابية. ففي شوارع هذه المدينة يمكن أن تقرأ مزاج الشباب وتتفرج على صرعات الهيبيز والبانكس والبوهيميين واللامنتمين وعلى جنون الموضة بكل ما تعنيه الكلمة.

- كيفية الوصول إلى «كامدن تاون»
يمكن استخدام قطار الأنفاق للوصول إلى المنطقة من أي مكان في لندن أو استخدام الباصات الحمراء، وهي بأرقام ومسارات كثيرة تربط هذه المنطقة بأغلب أحياء لندن.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.