المعارضة الفنزويلية تنزل إلى الشوارع وتحدد موعداً لدخول المساعدات

المعارضة لبت دعوة غوايدو للنزول إلى شوارع كراكاس ضد حكومة مادورو (رويترز)
المعارضة لبت دعوة غوايدو للنزول إلى شوارع كراكاس ضد حكومة مادورو (رويترز)
TT

المعارضة الفنزويلية تنزل إلى الشوارع وتحدد موعداً لدخول المساعدات

المعارضة لبت دعوة غوايدو للنزول إلى شوارع كراكاس ضد حكومة مادورو (رويترز)
المعارضة لبت دعوة غوايدو للنزول إلى شوارع كراكاس ضد حكومة مادورو (رويترز)

أكد زعيم المعارضة الفنزويلي خوان غوايدو أن المساعدة الإنسانية الأميركية ستدخل البلاد في 23 فبراير (شباط)، رغم رفض رئيس الدولة نيكولاس مادورو. وبالأمس، نزل أنصار المعارضة إلى الشوارع في سائر أنحاء البلاد لمواصلة الضغط على مادورو، ومطالبته بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى البلاد التي تواجه نقصاً في المواد الغذائية والأدوية. وتأتي المظاهرات بعد 3 أسابيع تقريباً من اليوم الذي استند فيه غوايدو إلى مادة في الدستور، ليعلن نفسه رئيساً شرعياً لفنزويلا، واصفاً عملية إعادة انتخاب مادورو العام الماضي بأنها زائفة. واعترفت معظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، بغوايدو رئيساً لفنزويلا، لكن مادورو لا يزال يحتفظ بدعم دول كبرى مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى سيطرته على مؤسسات الدولة، ومنها الجيش.
ويدور خلاف بين الجانبين حول مسألة المساعدات الإنسانية، حيث تقول المعارضة إنها أصبحت ضرورية بسبب إدارة مادورو السيئة لاقتصاد الدولة العضو في «أوبك»، الذي كان مزدهراً في الماضي. ويقوم غوايدو بتنسيق جهود الإغاثة الغربية، في حين يمنع مادورو دخول أي إمدادات، نافياً وجود أزمة.
وقال غوايدو على «تويتر»، في وقت متأخر يوم الاثنين: «سنعود إلى الشوارع... للمطالبة بدخول المساعدات الإنسانية التي ستنقذ أرواح أكثر من 300 ألف فنزويلي يواجهون اليوم خطر الموت». ويندد مادورو بالمحاولات الرامية إلى إرسال مساعدات، باعتبارها مسرحية من تدبير الولايات المتحدة لتقويض حكومته وإسقاطها.
وفي أثناء ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه سيبحث مع نظيره الأميركي مايك بومبيو الوضع في فنزويلا في وقت لاحق اليوم، هاتفياً.
ووافقت البرازيل، التي كانت إحدى أوائل البلدان التي اعترفت بخوان غوايدو بعد الولايات المتحدة، على أن تفتح «ابتداء من الأسبوع المقبل» مركز تخزين ثانياً في ولاية رورايما الحدودية، كما أعلن من برازيليا نائب المعارضة ليستر توليدو الذي كلفه غوايدو بتنظيم تنسيق المساعدة.
ويرفض مادورو، الذي ينفي وجود «أزمة إنسانية»، دخول هذه المساعدة، معتبراً أنها خطوة أولى نحو تدخل عسكري للولايات المتحدة، و«استعراض سياسي».
ويلقي المسؤولية عن نقص الأدوية والمواد الغذائية على العقوبات الأميركية. وتقول الأمم المتحدة إن 2.3 مليون فنزويلي قد غادروا البلاد منذ 2015، هرباً من أخطر أزمة اقتصادية في التاريخ المعاصر لهذا البلد النفطي. وفي تلك الأثناء، أعلن الجيش الفنزويلي بدء تدريبات عسكرية تستمر حتى الجمعة «لتعزيز قدرات البلاد الدفاعية». وأعلن وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، الاثنين، أن الجيش «عزز وجوده على الحدود».
وفي محاولة جديدة لعرقلة الدعم الذي يقدمه الجيش إلى الحكومة، حذر زعيم المعارضة العسكريين من أن منع دخول المساعدة من شأنه أن يؤدي إلى «جريمة ضد الإنسانية».
وقد عرض غوايدو تقديم عفو للذين سيتنكرون لرئيس الدولة، ووعدت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أيضاً باستثناء الضباط الذين سيؤيدون زعيم المعارضة من العقوبات.
وقال وزير الدفاع الذي تستهدفه هذه العقوبات شخصياً: «ليس ثمة عقوبات تزعزع أو تسيء إلى الكرامة الوطنية». وبدأ الجيش، الأحد، مناورات في كل أنحاء البلاد تستمر 5 أيام.
وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة، أكد خوان غوايدو أنه سيقوم بما هو «ضروري» لـ«إنقاذ الأرواح»، وحتى «يتوقف التعدي» على سلطة نيكولاس مادورو، من دون أن يستبعد احتمال السماح بتدخل أجنبي.
وفيما دعت مجموعة من المعارضين إلى السماح بدخول «قوة متعددة الجنسيات»، إذا ما استمرت الحكومة في عرقلة تسليم المساعدة، أكد غوايدو، الاثنين، أنه «لا يلوح في الأفق خطر حرب أهلية، لأن 90 في المائة من الشعب يريد التغيير». ودائماً ما أكدت الولايات المتحدة، التي قطعت معها كراكاس علاقاتها الدبلوماسية، أن «كل الخيارات مطروحة»، بما فيها العسكرية. ويستطيع زعيم المعارضة الاعتماد على دعم الولايات المتحدة والدعم المتزايد في أميركا اللاتينية وأوروبا.
وفي موازاة ذلك، كان ممثلون عن المعارضة يُعدون لتنظيم مؤتمر دولي الخميس في مقر منظمة الدول الأميركية بواشنطن من أجل «حث» الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات على تقديم المساعدة إلى فنزويلا. واقترحت واشنطن أيضاً على مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدعو فنزويلا إلى تسهيل المساعدة الإنسانية الدولية، وتنظيم انتخابات رئاسية. وأثار هذا الاقتراح اقتراحاً مضاداً من روسيا، أحد حلفاء مادورو، مع الصين وتركيا وإيران. ومن جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين، استعداده للتوسط من أجل حل الأزمة السياسية في فنزويلا، لكنه يريد موافقة الطرفين قبل الانتقال إلى العمل. ويقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن حكومة مادورو مستعدة لإجراء مثل هذه المحادثات، لكن ليس من الواضح بعد موقف خوان غوايدو.
ومن دون الكشف عن تفاصيل، أعلن مكتب المراقب المالي لفنزويلا، وهو هيئة إدارية تشرف عليها السلطة، الاثنين، فتح تحقيق حول تمويل غير قانوني، خصوصاً على الصعيد الدولي، بحق غوايدو.
ومن جهة أخرى، قال وزير النفط الفنزويلي أمس (الثلاثاء) إن بلاده تأمل في تشكيل تكتل تجاري، يضم الصين والهند وروسيا، لمساعدة البلد الواقع في أميركا الجنوبية على تسوية مدفوعات النفط بعملات غير الدولار. وتبحث فنزويلا عن وسائل سداد بديلة لاستمرار تدفق نفطها على الهند، وهي سوق تصديرية مهمة، خصوصاً بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات تقيد صادرات البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إليها. وقال مانويل كيفيدو: «يمكننا جميعاً أن نبني اقتصاداً واحداً، وذلك الاقتصاد لا يحتاج بالضرورة لأن يكون في إطار اقتصاد الدولار»، وذلك في إشارة إلى الصين وروسيا والهند. وأحجم كيفيدو عن الكشف عن تفاصيل بشأن الكيفية التي يخطط بها لتنفيذ أنشطة مع الهند. وقال الوزير، الاثنين، إن كراكاس منفتحة على التجارة بنظام المقايضة مع الهند.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟