القوميات... جسد ممزق إلى أوصال

حصيلة الثورة في إيران

القوميات... جسد ممزق إلى أوصال
TT

القوميات... جسد ممزق إلى أوصال

القوميات... جسد ممزق إلى أوصال

بينما تستعد إيران لدخول العقد الخامس بعد تأسيس نظام ولاية الفقيه بعد ثورة 1979، تبقى القضايا والنزاعات العرقية في هذا البلد عالقة دون حل، ولا تزال فئات كبيرة من القوميات تعاني شتى أصناف الحرمان والقيود الاقتصادية. وعادة ما تثار مطالب القوميات في إطار قضايا الهوية والثقافة واللغة والتعليم والحق في ممارسة الشعائر الدينية، لكن النظام الإيراني واجه بالعنف والإجراءات العدائية مطالب القوميات التي اتخذت في غالبها طابعاً ثقافياً.
في الأربعين سنة الماضية، تواجه السلطات الإيرانية اتهامات من أتباع القوميات والأقليات الدينية بأنها تعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ تحديدا يتهم المواطنون العرب والترك والكرد الحكام الفرس باحتكار السلطة، وهو ما أدى إلى عودة التوترات العرقية في مناطق الترك شمال غربي البلاد، ومناطق البلوش في جنوب شرقي البلاد، ومناطق العرب في الجنوب وجنوب غربي البلاد، والمناطق الكردية في غرب البلاد. يصر الناشطون الكرد والترك والتركمان والبلوش والعرب على تعرضهم للإذلال في ظل وضع أيديهم على حقيقة إقصاء القوميات من لعب أدوار في هرم الحكم السياسي.
إلى جانب وجود المطالب بحل قضايا القوميات في إطار حل يشمل الجميع ويتعامل مع المواطن الإيراني من منطلق القانون والمساواة، بعيدا عن أي تمييز، فإن هناك عددا لا يستهان به من أبناء القوميات المنخرطين في الأنشطة السياسية المعارضة للنظام، ويتمثل ذلك بشكل أساسي في وجود أحزاب تعمل في الداخل بشكل سري، وتمارس الأنشطة خارج الحدود الإيرانية بشكل علني. ينقسم هؤلاء بشكل أساسي إلى مجموعتين أيضا: مجموعة كبيرة تطالب بحق تقرير المصير والتمتع بالسيادة المستقلة عن إيران أو السيادة الذاتية، تقابلها مجموعة أخرى تعمل بالتنسيق مع جماعات المعارضة الإيرانية وهدفها الانتقال السياسي وإقامة نظام فيدرالي بموازاة الدفاع عن الجغرافيا السياسية الإيرانية.
أما في الداخل، فيقول الناشطون اليوم إن المشكلة المشتركة لجميع القوميات هي عدم مراعاة حقوقهم الأساسية من ناحية؛ وحرمانهم من التقدم بجميع الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية من ناحية أخرى. ومع ذلك، فإن أي قومية لديها قضاياها ومشكلاتها الخاصة. على سبيل المثال، فإن قومية الترك واللر والجيلك ينصبّ جل اهتماماتهم على القضايا الثقافية والإذلال الثقافي، فبعض جوانب الثقافة؛ مثل اللغة أو التقاليد المحلية، من بين المطالب الأساسية، والمحصلة تؤدي لشعور بعدم الأمان أو الهدوء في المجتمع الإيراني. لكن مطالب العرب والكرد والبلوش تفرض الصبغة السياسية (هوياتي) والاقتصادية، أكثر من غيرها.
تحاول وسائل الإعلام التابعة للنظام دائماً الترويج لمفهوم «الهوية الواحدة باسم الأمة». وبحسب مقال على الموقع الإعلامي الناطق باسم حوزة قم العلمية، فإن «أهم سمات القوميات الإيرانية يجب البحث عنها في المشتركات، حتى يمكن تصورها على أنها هوية واحدة باسم (الأمة)». ووفقاً للمقال، فإن «التاريخ والجغرافيا والتقاليد والثقافة المشتركة بين القوميات الإيرانية من بين الركائز الأساسية للوحدة بين هذه القوميات».
من جانب آخر، فإن التيارات الإصلاحية، رغم أنها أكثر ميولاً للقومية من المحافظين، تعرب عن اعتقادها بأن احترام حقوق المواطنة الطريق الأمثل لتعزيز التضامن الوطني. في سبتمبر (أيلول) الماضي، كتب رئيس كتلة الأمل الإصلاحية محمد رضا عارف في مقال بصحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة، تحت عنوان: «متطلبات التضامن الوطني»، عن القلق المتزايد بشأن احترام حقوق المواطنة، وخلص إن الأمر «لا يليق بالنظام بعد مرور 40 عاما من الثورة»، مشيرا إلى تقارير مثيرة للقلق في الأجهزة المسؤولة. وتابع أن «السلطات يجب أن تكون حساسة أكثر من ذي قبل حيال حقوق المواطنة لدى القوميات» واستطرد: «علينا أن ندرك أن أدنى إهمال على هذا الصعيد ستكون له عواقب وخيمة غير قابلة للتعويض».
تأكيد المسؤولين على قضايا القوميات ومطالبهم لم تتجاوز التوصيات والأمنيات خلال العقود الأربعة؛ وفقا للمراقبين. مساعد الرئيس الإيراني لشؤون القوميات والأقليات الدينية، علي يونسي، يقول في مقال نشرته وكالة «إيسنا» الحكومية: «من المستحسن أن يستفاد من النخب المحليين لانتخاب المسؤولين المحليين والمحافظين ورئاسات الدوائر»، ويتقرح في هذا الصدد «أخذ الظروف المحلية في كل من المناطق الإيرانية بعين الاعتبار، بوصفها سياسية استراتيجية تهدف إلى تقليل الفجوة بين الهوية الثقافية الوطنية والخصوصية الثقافية لكل من القوميات».
وفي المقال ذاته، عزا يونسي تنامي النزعات الداعية إلى «الانفصال» عن النظام السياسي، إلى الرد على سياسات النظام وتوزيع الموارد وفرض القيم وصعود التكتلات السياسية، ويقول: «بما أن القوميات تتمركز في المناطق الحدودية، فإن علاقاتها الودية مع الجيران، خصوصا العلاقات الودية التي تربط وجهاء القوميات بما وراء حدود إيران، من الممكن أن تضعف النزعات التباعدية».
ويفضل حكام إيران استخدام مفردة القبائل بدلا من القوميات، كما يوجهون أصابع الاتهام إلى النظام البهلوي السابق بالوقوف وراء نهج تضعيف القبائل. وفي هذا الصدد، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته إلى الأحواز إن «معاداة القبائل ظهرت خلال فترة البهلوي في إطار توحيد اللباس ونزع الأسلحة والإخلال بالتركيبة السكانية، لكن رضا شاه وابنه محمد رضا بهلوي لم يتمكنا من القضاء على القبائل». تصريحات روحاني حينذاك حملت اعترافا ضمنيا بوجود تمييز في تقسيم السلطة والثروة، وقال إن «مطلب الأمة والحكومة ألا يكون هناك تمييز في توظيف القوى وخبراء أبناء القوميات، والحكومة مصممة على توظيف الطاقات المحلية في جميع أنحاء البلاد».

ماذا يقول الخبراء؟
بدأ النظام عامه الأول في 1979 بقمع وحشي للبلوش في «عيد» زاهدان، واغتال القادة التركمان بمدينة غونبد كاووس شمال شرقي البلاد، وقمع العرب الأحوازيين بمختلف الأطياف السياسية، وواجه الأذريين الأتراك بقبضة حديدية، واستخدم القوة العسكرية لقمع الكرد في كرمانشاه وكردستان. مذّاك، سرعان ما فرضت خيبة الأمل نفسها على القوميات.
ويرى عالم الاجتماع والناشط في حقوق القوميات خالد توكلي في بمقارنة أجراها حول تأثير الثورة الإيرانية على أوضاع القوميات مقارنة بالفترة السابقة للثورة، أن العنف ازداد في مناطق القوميات، خصوصا في كردستان وبلوشستان، إضافة إلى ازدياد التمييز القائم على أساس طائفي، وهو ما كان أقل في نظام الشاه على صعيد ممارسة الطقوس، ويعود ذلك إلى تغيير طبيعة النظام بعد الثورة؛ وفق ما نقل عنه راديو «زمانه» الإيراني.
وعن تراجع وتقدم قضايا القوميات، يوضح توكلي أن تيار اليمين وفروعه (يعرف اليوم باسم المحافظين) تعاملوا مع قضايا القوميات من منظور أمني، فيما كان تعامل اليسار (الإصلاحيون) مع قضايا القوميات أكثر سياسةً وعلماً؛ وإلى حد ما استشراقياً. وبحسب الباحث، فإنه فيما بعد السنة الثالثة للثورة أصبحت الحكومة موحدة من جهة بموازاة فرض الميول الراديكالية على دوائر صنع القرار، ومن جانب آخر، فإن القادة المعتدلين استُبعدوا أو اختاروا طريق معارضة النظام. ولذلك، خلال هذه الحقبة، كان تعامل السلطات مع القوميات قائما على المواجهة والقمع وإقصاء القوميات، مما كلف الجانبين ثمنا بشريا واقتصاديا. نتيجة هذا التعامل، أجبرت المجموعات المسلحة المنتمية للقوميات على مغادرة إيران وأخذ مواقع جديدة في الدول المجاورة، أو الهجرة إلى الدول الغربية.

قوانين في مهب الريح
فضلاً عن المادتين «19» و«15» في الدستور الإيراني الخاصتين بحقوق القوميات، تنص المواد «7» و«12» و«13» و«64» ومن «100» إلى «106» بشكل مباشر وغير مباشر على حقوق القوميات والأقليات الدينية، لكن مصير المواد بعد استقرار النظام لم يتخطَّ التهميش أو تغيير الطبيعة والمحتوى، أو جرى التنفيذ بشكل منقوص. يبدو أن هذه القضايا تتسبب في أن يكون شعار «القوميات أوصال إيران» في مهب الريح.



تقرير: الأسد حوّل 250 مليون دولار إلى موسكو في خضم الأزمة الاقتصادية

بوتين والأسد في لقاء سابق بموسكو في يوليو 2024 (سبوتنيك - رويترز)
بوتين والأسد في لقاء سابق بموسكو في يوليو 2024 (سبوتنيك - رويترز)
TT

تقرير: الأسد حوّل 250 مليون دولار إلى موسكو في خضم الأزمة الاقتصادية

بوتين والأسد في لقاء سابق بموسكو في يوليو 2024 (سبوتنيك - رويترز)
بوتين والأسد في لقاء سابق بموسكو في يوليو 2024 (سبوتنيك - رويترز)

كشفت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن البنك المركزي السوري تحت إشراف الرئيس بشار الأسد قام بتحويل نحو 250 مليون دولار نقداً إلى موسكو بين عامي 2018 و2019، في خطوة استثنائية في وقت كانت سوريا تعاني من نقص حاد في العملة الأجنبية.

هذه التحويلات تمثل جزءاً من الدعم الذي تلقته سوريا من روسيا، الحليف العسكري الرئيس للأسد، والذي قدّمته لمساعدته في استمرار حكمه وسط الحرب المستعرة.

وبحسب السجلات التي نشرتها الصحيفة، قامت سوريا بشحن أوراق نقدية تزن نحو طنّين من فئة 100 دولار و500 يورو إلى مطار فنوكوفو في موسكو، حيث تم إيداعها في بنوك روسية خاضعة للعقوبات.

وهذه الأموال كانت تستخدم لتعزيز نفوذ النظام في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتفاقم العقوبات الغربية على البلاد؛ ما جعل موسكو الوجهة الرئيسة لتحويل الأموال السورية.

والتحويلات المالية كانت في وقت كان فيه الأسد مديناً للكرملين من أجل الدعم العسكري.

وكان أفراد عائلته، لا سيما زوجته أسماء الأسد، قد بدأوا في شراء العقارات الفاخرة في موسكو، حيث تمتلك العائلة عشرات الشقق الفاخرة التي تم شراؤها من خلال شركات ووساطات معقدة.

وأثارت هذه التحويلات انتقادات حادة من المعارضين وحكومات غربية؛ إذ يُتهم النظام السوري باللجوء إلى الفساد وتهريب الأموال لتمويل الحرب وتعزيز الثروات الخاصة.

وأشار ديفيد شينكر الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بين 2019 و2021، إلى أن هذه التحويلات لم تكن مفاجئة، بل كانت جزءاً من جهود النظام السوري لتأمين مكاسب غير مشروعة.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت التقارير إلى أن روسيا أصبحت ملاذاً رئيساً لنظام الأسد للتهرب من العقوبات الغربية المفروضة على سوريا منذ قمع الاحتجاجات في 2011.

وحسب الصحيفة، لعبت موسكو دوراً محورياً في دعم النظام السوري عسكرياً واقتصادياً؛ ما سمح للأسد بالاستمرار في حكمه رغم الضغوط الداخلية والخارجية.

وتُظهر هذه العمليات المالية كيف أصبحت روسيا مركزاً أساسياً لتمويل أنشطة النظام السوري، بما في ذلك شراء العقارات وتوفير ملاذات آمنة لأموال الأسد في ظل الانهيار الاقتصادي في سوريا.