طالب المسؤولون في المجالس المحلية لكبريات المدن الفرنسية، أمس، بـ«اجتماع طارئ» مع الحكومة للبحث في الإجراءات الكفيلة لدفع تعويضات للمتضررين من أعمال الشغب التي تخللت بعض مظاهرات «السترات الصفراء» خلال الأسابيع الـ13 الماضية.
وشدّد المسؤولون المحليون في بيان على «الخسائر التي تكبّدها السكان والتجار» نتيجة هذه المظاهرات كل سبت، وهو عادة يوم التسوق للفرنسيين، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وأفاد بيان المسؤولين المحليين لكبريات المدن والبلدات الفرنسية، بأن التجار والسكان «باتوا رهائن مثيري شغب»، والخسائر باتت تقدر بـ«بضعة ملايين يورو في عدد من المدن الكبرى» مثل بوردو وديجون ونانت وباريس ورين وروان وسانت إتيان وتولوز. كما طالب البيان بلقاء «مع رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد»، لتحديد آليات التعويض والمواكبة باسم التضامن الوطني.
وبين الخسائر والأضرار المسجلة بحسب البيان، «تخريب الطرق والأرصفة والمقاعد العامة ومواقف الحافلات وإشارات المرور»، إضافة إلى الخسائر التي تكبدها التجار. ودعت وزيرة الدولة للاقتصاد أنييس بانييه روناشيه، الجمعة، التجار وأصحاب المؤسسات الذين تضررت أعمالهم وأماكن عملهم نتيجة ممارسات «السترات الصفراء» إلى تقديم طلبات للحصول على تعويضات.
في المقابل، اتّهم 3 مصورين كانوا يغطون مظاهرة «السترات الصفراء» السبت، في تولوز الشرطة بأنها استهدفتهم «بشكل متعمد»، وقد أصيب أحدهم بجروح في فخذه. وكتب المصوّر المستقل فالنتان بيلفيل (26 عاماً): «إذا أظهرت هذه الإصابة، فلاستنكار هجوم قوات الأمن المتعمد على الصحافة».
من جهته، قال مصوّر صحيفة «ليبيراسيون» في المدينة نفسها، أولريش لوبوف، الذي كان مع بيلفيل ومصوّر ثالث هو إريك ليربير، لوكالة الصحافة الفرنسية: «اخترنا أن ننسحب من بين المتظاهرين لئلا نكون بينهم وبين قوات الأمن». وأضاف لوبوف: «كنا نعتمر خوذاً تحمل شعار صحافة (...) كان يمكن رؤيتنا والتعرف علينا بشكل واضح جداً». وقال بيلفيل للوكالة الفرنسية إن «قنبلة يدوية» انفجرت قرب قدميه، وقد أصيب في فخذه.
وبهدف إخماد احتجاجات حركة «السترات الصفراء» غير المسبوقة، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون احتمال إجراء استفتاء للمرة الأولى في البلاد منذ 14 عاماً، وهي مجازفة يعتبرها الخبراء محفوفة بالمخاطر. واستعاد الرئيس، الذي يندد به متظاهرون يعارضون سياسته الضريبية والاجتماعية منذ 3 أشهر تقريباً، بعض شعبيته المفقودة من خلال مشاركته شخصياً في «النقاش الوطني الكبير»، وهو سلسلة من الاجتماعات العامة في جميع أنحاء فرنسا للاستماع إلى شكاوى السكان. إلا أن البعض شكك في القدرة على استخلاص نتائج مئات الساعات من النقاشات وأكثر من 700 ألف مساهمة وردت على الإنترنت.
وكان ماكرون صرح في وقت سابق من الأسبوع الماضي: «في مرحلة ما، قد أطلب من مواطنينا أن يوافقوا على هذا أو ذاك»، مؤكداً بذلك أنه يفكر في إجراء استفتاء من المحتمل أن يكون متزامناً مع الانتخابات الأوروبية في 26 مايو (أيار).
وكان شارل ديغول، واضع دستور عام 1958 أدخل إمكانية إجراء مثل هذا الاقتراع نوعاً من التوازن في مقابل السلطات الكثيرة لدى رئيس الجمهورية. وأظهر ديغول التزامه القول بالفعل، ونظم 3 استفتاءات أكدت تأييد قراراته قبل أن يخسر في الرابع الذي انتهى برفض اقتراحه إصلاح مجلس الشيوخ عام 1969، ما أدّى إلى استقالته.
ويقول جان فيليب ديروزييه، الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام في جامعة ليل: «إنها مخاطرة (...) فهي طريقة لمحاولة الخروج من الأزمة، والمجازفة للغرق في أزمة أكثر خطورة». وبعد تجربة ديغول، يبدي الرؤساء تردداً حيال استشارة السكان بشكل مباشر، مع 5 استفتاءات فقط نظمت منذ عام 1969 كان آخرها عام 2005 وأدى إلى رفض مسودة الدستور الأوروبي، ما شكل هزيمة ساحقة للرئيس آنذاك جاك شيراك.
لكن الاستفتاء يبدو حالياً ورقة بيد ماكرون الذي يواجه صعوبات لإنهاء أكثر الأزمات خطورة منذ توليه الرئاسة قبل 20 شهراً. ومنذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، يتحدّى آلاف الفرنسيين سلطة الرئيس البالغ من العمر 41 عاماً عبر قطع الطرق والتظاهر كل سبت في باريس وغيرها من المدن الكبرى، ما أدّى إلى وقوع عدة حوادث.
وفشل الإعلان عن تقديم مبلغ 10 مليارات يورو لدعم القوة الشرائية للمتقاعدين والموظفين الأدنى دخلاً في تهدئة غضب المحتجين. وبعدها، وعد ماكرون بإجراء «نقاش وطني كبير»، مؤكداً أن ذلك سيتبعه تغييرات حقيقية.
من جهته، يقول جان غاريغ أستاذ التاريخ في كلية العلوم السياسية وجامعة أورليان، إن «أحد المؤشرات الرئيسية لحركة السترات الصفراء هو الانطباع بأن كثيراً من الفرنسيين لا يتم أخذهم بالحسبان بشكل كافٍ في الجدل العام، كما أنهم لا يؤخذون في الاعتبار من قبل النخب السياسية التي فقدت مصداقيتها».
وبالإمكان تنظيم استفتاء تلبية لرغبات كثير من الفرنسيين للاستماع إليهم بشكل أفضل. لكن هذا لن يكون دون مخاطر.
وقد أبدى وزراء ومسؤولون في حزب الرئاسة قلقهم علناً إزاء ارتباك محتمل إذا تم تنظيم استفتاء في الوقت نفسه مع الانتخابات الأوروبية. وكما أن ماكرون سيكون مضطراً إلى إيجاد توازن دقيق في الأسئلة المطروحة، متجنباً أكثر القضايا الشائكة التي يمكن أن تؤدي إلى هزيمة ساحقة.
وأضاف ديروزييه أن «الناس، في استشارة تحمل مثل هذا البعد الشخصي، ينسون عادة الإجابة عن السؤال المطروح، ويجيبون في المقابل عن سؤال: هل ندعم رئيس الجمهورية أم لا؟».
وبالتالي، فإن رئيس الدولة سيفكر في طرح أسئلة تلقى إجماعاً وتتعلق بدرجة كبيرة بمسائل مثل تخفيض عدد البرلمانيين أو الحد من ولاياتهم المتعاقبة.
بدورها، فإن المعارضة اليمينية بشخص زعيمها لوران فاكييه، تريد أن تذهب إلى أبعد من ذلك وتطالب ماكرون بإخضاع سياسته الاقتصادية لاختبار الاستفتاء. أما بالنسبة للمتظاهرين، فإنهم يطالبون باستفتاء حول مبادرة المواطنين، يبدي ماكرون حياله فتوراً واضحاً. وقد أعلن أمام مجموعة من الشباب الخميس: «لا أؤمن بإجراء استفتاء كل صباح حول كل المسائل».
وتابع: «انظروا إلى ما يحدث في بريطانيا»، مشيراً إلى الاستفتاء حول «بريكست» مثالاً على صعوبة الحسم إيجاباً أو سلباً لجدل «ديماغوجي» مبسط يتعلق بمسألة في غاية التعقيد.
مسؤولون فرنسيون يطالبون بتعويض أضرار مظاهرات «السترات الصفراء»
ماكرون يلمح إلى احتمال تنظيم استفتاء رغم تحذيرات من تداعياته
مسؤولون فرنسيون يطالبون بتعويض أضرار مظاهرات «السترات الصفراء»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة