«مخلفات الإرهاب»... وسيلة لتدفئة أهالي سيناء بعد طرد «داعش»

أبناء الشيخ زويد أعادوا استخدام أشجار مزارع خرّبها المتطرفون

أحد مزارعي محافظة شمال سيناء يجمع حطب الأشجار التي تعرضت للتخريب على يد العناصر الإرهابية (الشرق الأوسط)
أحد مزارعي محافظة شمال سيناء يجمع حطب الأشجار التي تعرضت للتخريب على يد العناصر الإرهابية (الشرق الأوسط)
TT

«مخلفات الإرهاب»... وسيلة لتدفئة أهالي سيناء بعد طرد «داعش»

أحد مزارعي محافظة شمال سيناء يجمع حطب الأشجار التي تعرضت للتخريب على يد العناصر الإرهابية (الشرق الأوسط)
أحد مزارعي محافظة شمال سيناء يجمع حطب الأشجار التي تعرضت للتخريب على يد العناصر الإرهابية (الشرق الأوسط)

مبكراً يسلك الفتى عبد الرحمن سواركة، طريقه لجمع الحطب من مزارع جفت أشجارها، وتحولت إلى أراضٍ بور في مناطق جنوب الشيخ زويد بشمال شبه جزيرة سيناء المصرية. بعض من هذه المزارع ملك لأسرته وأخرى لجيرانه، وفيها يلتقي بآخرين من أقرانه الشباب، جميعهم يحضر للتزود بالحطب كوقود مهم في كل منزل ليلاً للتدفئة وطبخ الطعام.
الأشجار في مزارع عائلة الفتى سواركة وجيرانه، جفت وفقدت بريقها بعد أن توقف عنها الحرث وسقي الماء، نتيجة ظروف وقوعها في مناطق تشهد عمليات ملاحقات قوات الأمن المصرية لعناصر إرهابية تنتمي لتنظيم داعش، وبعد طردهم وإلحاق هزائم كبيرة في صفوفهم في تلك المناطق تمكن الأهالي من دخول أراضيهم، والاستفادة من «مخلفات الإرهاب» كوقود يعين السكان على مواجهة الطقس البارد.
وتشنّ قوات الجيش والشرطة عملية كبيرة في شمال سيناء ووسطها، منذ 9 فبراير (شباط) من العام الماضي، لتطهير المنطقة من متشددين موالين لتنظيم داعش الإرهابي، وتُعرف العملية باسم «عملية المجابهة الشاملة» وتسبب التنظيم المتطرف في مقتل مئات الجنود والشرطيين والمدنيين؛ خصوصاً في شمال سيناء.
يقول عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن «الإرهاب خلّف في مناطقهم خراباً»، واستكمل بلهجته البدوية، بينما كان يشير بيديه نحو مساحة أشجار مزروعة بالزيتون والخوخ: «بلادنا جنة، ومن يوم جاها (جاءها) المِغَضّبين (الإرهابيين) وإحنا ما شُفنا غير الخراب».
وأفاد أن مزرعة عائلته، الكائنة على مساحة 20 فداناً، أصبحت أشجارها هشيماً، بعد أن توقف الحرث على إثر تلقي الأسرة تهديدات من إرهابيين بمنع تحرك المعدات الزراعية فيها، «فهم يريدونها دروباً لهم يزرعون فيها العبوات الناسفة» بحسب قوله.
وزاد أن العناصر الإرهابية المسلحة «عطلت بئر مياه كان يروي أشجار الزيتون، بعد أن خرّبت مصدر التيار الكهربائي والأعمدة الناقلة للتيار».
وعدّ محمود حسن، وهو مزارع ممن يقومون بجمع الحطب، أن «نشاطهم يرتبط ببقائهم في أرضهم، وتحديهم للإرهاب»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم نستسلم ونرحل عن أرضنا، وعدنا لحياة آبائنا وأجدادنا البدوية القديمة، وحوّلنا ما يمكن تسميتها نقمة إلى نعمة بجمع هذا الحصاد من أغصان الحطب والأشجار اليابسة، وجعلها وقوداً لاستمرار الحياة الصعبة والتدفئة وصنع الطعام».
وأضاف، أنهم يعيشون حياة التكافل فيما بينهم، وأوضح أن «من يملك مزرعة أصبحت أشجارها هشيماً، يزود من لا يملك أرضاً ولا زرعاً بالحطب منها ليستخدمه بدوره في حياته اليومية، كما أن الأراضي أصبحت بعد موجة أمطار موسم الشتاء الراهن، منبتاً جيداً لأعشاب المراعى، ودفعت كثيراً من الأهالي لشراء أغنام وتربيتها بعد أن أصبح مصدر تغذيتها متاحاً مجاناً».
وفى إشارة لما كانت عليه مزارعهم في السابق، قال حسن إن «موجة التحول لدى الأهالي لنشاط الزراعة بدأت في ثمانينات القرن الماضي، وأصبحوا من مزارعين تقليديين للقمح والشعير سنوياً على مياه الأمطار، مزارعين لكروم الخوخ والعنب والتين في مناطق جنوب الشيخ زويد، وبعد اكتشاف المياه وإمكانية سحبها من أعماق تتراوح ما بين 100 إلى 150 متراً تحت سطح الأرض نهاية التسعينات، توسعنا في زراعات الزيتون ومحاصيل خضراوات منوعة، وهذه الأنشطة الزراعية توقفت خلال السنوات الخمس الأخيرة، بفعل التهديدات الإرهابية، وهو ما ألحق بالتبعية بهذه المزارع أضراراً واسعة».
ورسمياً أقرت الحكومة المصرية بتضرر مزارع الأهالي في شمال سيناء نتيجة ظروف الحرب على الإرهاب، وبين الحين والآخر تعلن محافظة شمال سيناء، أسماء مزارعين تقرر صرف تعويضات لهم عن هذه الأضرار، دون إعلان حصر كامل لحجم الأضرار، ويتم احتساب التعويضات وفق جدول مُعلن مُسبقاً لكل نوع من الأشجار المثمرة وعمرها الزمني، ويتقدم المزارع طالب التعويض ببيان بحالة مزرعته، وتتولى لجنة من مهندسي وزارة الزراعة تقدير الخسائر على الطبيعة.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.