الصحافة الكردية... تاريخ حافل من اجتهادات شخصية ومبادرات حزبية

بعضها أصدرته أنظمة حكمت أرض الأكراد لاستقطابهم

عدد أرشيفي لصحيفة «فهم الحقيقة» التي أصدرها الإنجليز عام 1918 لاستقطاب الأكراد
عدد أرشيفي لصحيفة «فهم الحقيقة» التي أصدرها الإنجليز عام 1918 لاستقطاب الأكراد
TT

الصحافة الكردية... تاريخ حافل من اجتهادات شخصية ومبادرات حزبية

عدد أرشيفي لصحيفة «فهم الحقيقة» التي أصدرها الإنجليز عام 1918 لاستقطاب الأكراد
عدد أرشيفي لصحيفة «فهم الحقيقة» التي أصدرها الإنجليز عام 1918 لاستقطاب الأكراد

تاريخ الصحافة الكردية حافل، ويمتد لأكثر من مائة وعشرين عاماً، بيد أن مسيرتها الطويلة التي دشنها مؤسس الصحافة الكردية مقداد مدحت بدرخان، بإصدار العدد الأول من صحيفة «كردستان» في القاهرة في 22 أبريل (نيسان) عام 1898، شهدت موجات كثيرة ومتقلبة من المد والجزر، ازدهرت فيها الصحافة الكردية بعض الأحيان، وغابت أو تلاشت تماماً في أحايين كثيرة، بفعل الظروف السياسية تارة، وتارة أخرى بفعل قيود وقساوة الأنظمة التي حكمت المنطقة، وتحديداً الدول التي يقطنها الكرد.
الصحف الكردية التي صدرت في مراحل مختلفة وعلى امتداد ذلك المشوار الشاق الطويل، يمكن تصنيفها ضمن ثلاث مجموعات: الأولى تمثل نتاجاً لاجتهادات شخصية لمثقفين أو أدباء أو سياسيين أكراد، والثانية - وهي الأكثر عدداً - تمثل جزءاً من أدبيات الأحزاب والمنظمات والتيارات السياسية الكردية، التي انبثقت في مراحل متفاوتة من تلك الحقبة، وفي بقاع متفرقة من كردستان المجزأة، والثالثة تمثل الصحف المملوكة للأنظمة التي حكمت أرض الأكراد، في سعيها لاستقطابهم لصالحها وترويضهم سياسياً.

صحف إنجليزية للأكراد
مصادر تاريخية كثيرة، تذكر أن الصحافة الكردية الحرة، مرت بحقبة مظلمة جداً من تاريخها، مع بداية الحرب العالمية الأولى، نتيجة لتحول المناطق الكردية إلى ساحات صراع عنيف بين دول الحلفاء والمحور، وتحديداً بين البريطانيين والعثمانيين، إذ اختفت الصحف الكردية حد التلاشي، بفعل أهوال الحرب التي تمكنت خلالها القوات البريطانية من بسط سيطرتها على أجزاء واسعة من العراق، بدءاً من البصرة في أقصى الجنوب، وصولاً إلى مدينة كركوك في الشمال، التي دخلتها القوات البريطانية في 7 من مايو (أيار) عام 1918، وفقاً للمؤرخ الكردي كمال مظهر، الذي يسلط الضوء على جانب واسع من أوضاع الصحافة الكردية حينئذٍ في العراق، ضمن كتابه المعنون «كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى»، مؤكداً أن الإنجليز بعد سيطرتهم على بلدة كفري جنوب شرقي كركوك، في 28 أبريل 1918، أبدوا اهتماماً واسعاً بالشأن الكردي، عبر إيفاد كثير من ضباطهم الأكفاء، سيما الذين عاشوا في كردستان قبل الحرب، لإقامة علاقات وثيقة مع الشخصيات والوجهاء وزعماء القبائل الكردية في كركوك والسليمانية، كما أوفدوا الجنرال نوئيل خصيصاً إلى السليمانية لمقابلة الشيخ محمود الحفيد، الذي كان يمسك بزمام الأمور في تلك المناطق.
من هنا دعت حاجة الإنجليز إلى إصدار صحيفة باللغة الكردية، لتكون وسيلة تضمن استقطاب الأكراد وقبائلهم إلى جانب الإنجليز؛ بل وتأليبهم ضد العثمانيين، من خلال بث الدعايات والإشاعات المناوئة للأتراك العثمانيين، كجزء من متطلبات الحرب النفسية ضدهم، فصدرت صحيفة «تيكه يشتني راستي» (فهم الحقيقة)، التي انطلقت من بغداد في 1 يناير (كانون الثاني) 1918، واستمرت حتى 27 يناير 1919، وقد حررت بالأحرف العربية والخط الفارسي وبمساحة 24 في 36 سنتيمتراً. وقد كتب تحت اسمها: «صحيفة سياسية واجتماعية تخدم وحدة وحرية الكرد»، وصدر منها 67 عدداً فقط، بواقع عددين في الأسبوع، ثم صارت أسبوعية الصدور، وقد أشرف عليها شخصياً القائد العسكري البريطاني الميجر سون، الذي كان ملماً بقواعد اللغة الكردية وأصول الصحافة، وأصدرها بالتعاون مع الصحافي شكري الفضلي.
توقفت الصحيفة عن الصدور بمجرد أن وضعت الحرب أوزارها. ونُشر في أعدادها كثير من الموضوعات الأدبية والسياسية والتاريخية، إضافة إلى قصائد لشعراء كرد.
ويؤكد المؤرخ مظهر أيضاً، أن البريطانيين أصدروا جريدة مماثلة، وللغرض ذاته، باللغة العربية، سموها صحيفة «العرب»، وطرزوا صدر صفحتها الأولى بعبارة تؤكد أن الصحيفة عربية الأصل والمبدأ، لذلك تصدر من «بغداد العروبة»، في محاولة لاستقطاب واجتذاب العراقيين.
ويضيف المؤرخ أن الإنجليز أولوا اهتماماً بالغاً بصحيفة «فهم الحقيقة» الكردية، ما جعلها تصدر بأسلوب صحافي رفيع وتصميم جذاب، افتقر إليهما كثير من الصحف الكردية التي صدرت بعدها بسنوات طويلة.
وبحسب مصادر تاريخية كثيرة، فإن «فهم الحقيقة» كانت ذات تأثير كبير، في تغيير وجهات نظر قطاع واسع من الأكراد لصالح الإنجليز، وسياساتهم في المنطقة، سيما وأنها ركزت في مقالاتها على المسائل التي تلامس الحس القومي للكرد، وسعيهم للانعتاق من الاحتلال، وتقربهم من تحقيق حلمهم الأزلي في امتلاك دولتهم المستقلة.

أقلام حزبية
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وتوقيعها على اتفاق الاستسلام في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 1918، بسط البريطانيون سيطرتهم على إسطنبول التي كانت تأوي نخباً سياسية وثقافية كردية كثيرة، من بينهم عشرات من الشخصيات السياسية، والعسكرية، والقانونية، والدينية، والاجتماعية، وخصوصاً من أبناء الأسر المعروفة، مثل الشمزينان، والبدرخان، والبابان.
وكان الرئيس الأميركي وودرو ويلسون، قد أعلن إبان الحرب عن مبادئه التي حظيت بموافقة الحلفاء، والتي ينص أحدها على ضمان حق تقرير المصير للشعوب غير التركية ضمن الدولة العثمانية. وفي ضوء ذلك كان الكرد في إسطنبول قد بنوا آمالاً عريضة على الحلفاء لجهة إقرار الحقوق القومية للشعب الكردي بعد انتهاء الحرب، فشرعوا في تأسيس منظمات وأحزاب وفعاليات سياسية، طامحين في تحقيق تلك الغاية. واقترنت أنشطتهم السياسية تلك بإصدار كثير من الصحف، في مقدمتها صحيفة «زين» (الحياة) التي صدر العدد الأول منها في أكتوبر عام 1918، أي بعد 17 يوماً فقط، من انتهاء الحرب، واستمرت عاماً واحداً، وصدر منها 25 عدداً، كان آخرها في 2 أكتوبر 1919. وكانت تنشر موضوعاتها باللغتين الكردية والتركية العثمانية، المكتوبة بالحروف العربية، وكان صاحب امتيازها ممدوح سليم.
تلتها صحيفة «كردستان» التي صدر العدد الأول منها في إسطنبول بتاريخ 31 يناير 1919، وباللغتين الكردية والتركية العثمانية أيضاً، كما نشرت بعض المقالات والقصائد بالعربية والفارسية، وكُتب في أعلى الصحيفة: «أسبوعية سياسية، اجتماعية، أدبية، علمية». وتعتبر هذه الصحيفة الرابعة التي تصدر باسم «كردستان»؛ إذ صدرت صحيفة بهذا الاسم للمرة الأولى في القاهرة، خلال الفترة من (1898 - 1902م)، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً. ثم أصدرها للمرة الثانية في إسطنبول، ثريا بدرخان عام 1908، بعد نجاح الانقلاب العثماني. كما أصدرها هو نفسه للمرة الثالثة في 1917.
ومع تنامي دور مصطفى كمال أتاتورك، وبسط نفوذه على بقايا الدولة العثمانية، تلاشت رويداً رويداً الأنشطة الثقافية والسياسية الكردية في إسطنبول، حتى اختفت من الوجود تماماً.

ازدهار الورق في كردستان العراق
في كردستان العراق، التي سيطرت عليها القوات البريطانية أثناء الحرب وبعدها، اعتبر القائد البريطاني، الميجر سون، أول من جلب مطبعة للصحف إلى مدينة السليمانية، بعد توليه منصب الحاكم السياسي فيها. ومع مرور الوقت، نجحت النخب المثقفة الكردية في تحويل تلك المطبعة إلى نواة لأول مدرسة للصحافة الكردية في السليمانية، والتي كان لها الأثر الفاعل في إبقاء اللغة الكردية حية دون اندثار، بحسب ما يشير إلى ذلك السياسي والكاتب الكردي الراحل نوشيروان مصطفى، في كتابه «تاريخ الصحافة الكردية» المطبوع في تسعينات القرن الماضي، والذي يشير إلى أن الميجر سون أصدر في السليمانية صحيفة كردية باسم «بيشکهوتن»‌ (التقدم)، التي تبعتها صحف كردية أخرى، أصدرها مثقفو السليمانية، رغم أجواء الحرب والنزوح القاسية والمريرة، مثل صحيفة «بانكي کردستان» (نداء كردستان)، و«روزي کردستان» (شمس كردستان)، و«بانكي حهق» (نداء الحق)، و«أوميدي إیستیقلال» (أمل الاستقلال)، وهي صحف صدرت بمجملها في عشرينات القرن المنصرم، أي مع بدايات تشكيل الدولة العراقية عام 1920.
وكل تلك الصحف أصدرها نشطاء سياسيون أو مثقفون أو أدباء وشعراء أكراد، وبمصادر تمويل ذاتية، اعتمدت في الغالب على المردود المالي المتأتي من نشر الإعلانات التجارية، وشكاوى المواطنين، واشتراكات القراء. وكانت الغاية الأساسية منها - بحسب الأعداد المتوفرة منها في المكتب الوطنية بإقليم كردستان - هي الحفاظ على سلامة اللغة الكردية من التأثيرات الخارجية، وإذكاء المشاعر القومية، وصون جوهر القضية الكردية من صيرورة التقلبات السياسية والعسكرية في المنطقة. وكان بعضها يعارض بشدة مشروع إلحاق كردستان بالعراق، ويحث الجماهير على مناهضة ذلك المشروع، فيما البعض الآخر كان يجسد توجهات وسياسات قوى وأحزاب وتنظيمات كردية ظهرت في كردستان وقتذاك.
أما صحيفة «روناكي» (النور)، فهي أول نشرة صدرت في مدينة أربيل، في 24 أكتوبر 1935. وكانت صحيفة أسبوعية تتضمن موضوعات علمية، وأدبية، واجتماعية. وصدر منها 11 عدداً فقط، واستمرت عاماً فقط.
ومع بداية الأربعينات من القرن المنصرم، دخلت الصحافة الكردية مرحلة مختلفة تماماً، إذ اصطبغت بطابع حزبي بحت؛ إذ إن معظم الصحف التي صدرت في السر غالباً حتى مطلع السبعينات، مثلت لسان حال الأحزاب والتيارات الكردية التي برزت على الساحة السياسية، فيما بات يعرف بـ«كردستان العراق»، مثل: «الشرارة»، و«إلى أمام»، و«القاعدة»، و«وحدة النضال»، و«تحرر كردستان»، و«التحرر»، و«أنين الفلاح»، و«نضال كردستان»، وغيرها.
لا تزال الصحافة الكردية حتى يومنا، ورغم ذلك التاريخ الحافل والمشوار الطويل، صحافة تهيمن عليها التوجهات السياسية والحزبية، وتحاصرها من كل الجوانب، وتحد قدرتها على أداء رسالتها، ولا تزال الساحة الإعلامية في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي أشبه بالاستقلال منذ عام 1991، تخلو - وفق آراء كثير من النقاد والصحافيين - من صحف أو وسائل إعلام حرة ومستقلة، أما أسباب ذلك فكثيرة، لا مجال لذكرها هنا بالتفصيل.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.