روسيا تخصص قافلة لمساعدة أوكرانيا.. وكييف ترفض استقبالها

حكومات غربية تحذر موسكو من محاولة تحويل العملية إلى تدخل عسكري

شاحنات روسية محملة بمواد غذائية وأدوية مخصصة لمساعدة سكان شرق أوكرانيا (أ.ب)
شاحنات روسية محملة بمواد غذائية وأدوية مخصصة لمساعدة سكان شرق أوكرانيا (أ.ب)
TT

روسيا تخصص قافلة لمساعدة أوكرانيا.. وكييف ترفض استقبالها

شاحنات روسية محملة بمواد غذائية وأدوية مخصصة لمساعدة سكان شرق أوكرانيا (أ.ب)
شاحنات روسية محملة بمواد غذائية وأدوية مخصصة لمساعدة سكان شرق أوكرانيا (أ.ب)

توجهت قافلة إنسانية روسية مؤلفة من 280 شاحنة، أمس، إلى أوكرانيا لتقديم دعم للسكان في شرق البلاد، رغم إعلان كييف أنها لن تسمح للقافلة بدخول أراضيها، في حين يواصل الغربيون إطلاق تحذيراتهم من أي تدخل روسي أحادي الجانب.
وانطلقت القافلة في وقت مبكر صباح أمس من قاعدة ألابينو العسكرية في ضاحية جنوب غربي موسكو، متجهة إلى الحدود الأوكرانية، حسبما أفادت وكالة «ريا نوفوستي». وقال مسؤول بإدارة منطقة موسكو إن «القافلة ستنقل لسكان شرق أوكرانيا نحو ألفي طن من المواد الإنسانية التي جمعها سكان موسكو وضواحيها».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال، أول من أمس، إن إرسال القافلة يعود إلى النتائج «الكارثية» للحملة العسكرية التي أطلقتها كييف ضد الانفصاليين في شرق البلاد، وخاصة ضد دونيتسك ولوغانسك، آخر معقلين للمتمردين الموالين لروسيا. وقال: إن بلاده «تستعد لإرسال قافلة إغاثة إلى أوكرانيا بالتعاون مع ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر».
ولكن الرئاسة الأوكرانية أعلنت، أمس، أنها لن تسمح للقافلة بدخول أراضيها، حيث قال مساعد رئيس مكتب الرئاسة فاليري تشالي: «نعد أنه من غير الممكن دخول مساعدة روسية إلى أراضي أوكرانيا. ولن نقبل أن ترافق (الوزارة الروسية للحالات الطارئة) أو عسكريون روس مساعدة إنسانية».
وتشتبه كييف في أن موسكو، تسعى تحت غطاء هذه المساعدة، لتقديم مساعدة للمتمردين الذين يتعرضون لهجوم أوكراني واسع النطاق منذ عدة أسابيع، وأرغموا على التحصن في آخر معقلين لهما في دونيتسك ولوغانسك.
من جهته، أعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مكالمة هاتفية مع بوتين عن «قلقه الشديد» بشأن «خطة إرسال قافلة بقرار روسي أحادي إلى الأراضي الأوكرانية»، وفق ما أعلن قصر الإليزيه. وأفادت الرئاسة الفرنسية، في بيان، بأن هولاند «شدد على أن العمليات الإنسانية لا يمكن أن تجرى في الأراضي الأوكرانية إلا بموافقة السلطات الوطنية الأوكرانية، سواء من حيث الشكل أو إجراءات التنفيذ». كما حذرت دول غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، من أي تدخل عسكري أحادي روسي «غير مشروع» على الأراضي الأوكرانية.
ولم تكن هناك أي آلية عسكرية ضمن القافلة الطويلة للشاحنات التي لا تحمل لوحات تسجيل، وبعضها رفع أعلام الصليب الأحمر، وفق صور نقلها التلفزيون الروسي. وكان ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، أكد أول من أمس لوكالة الصحافة الفرنسية أن القافلة ستكون «من دون مواكبة عسكرية».
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فأكدت أنها لم تعط الضوء الأخضر لأي بعثة مساعدة، وقالت: إناستازيا إيسيوك، المتحدثة باسمها من جنيف: «نحن بحاجة إلى المزيد من المعلومات» قبل الموافقة على المشاركة في بعثة المساعدة.
من جهته، قال الناطق باسم وزارة الأحوال الطارئة الروسية الكسندر دروبيشفسكي إن «مسألة مكان وصول القافلة وتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان أوكرانيا ستتقرر بالتعاون مع ممثلي الصليب الأحمر والجانب الأوكراني».
وحملت شاحنات القافلة 400 طن من الحبوب، و100 طن من السكر، و54 طنا من المعدات الطبية، فضلا عن 69 مولدا كهربائيا، وفق السلطات الروسية.
وكانت الحكومة الأوكرانية قد قالت، أول من أمس، إنه من الممكن أن تشارك روسيا في بعثة دولية إنسانية إلى لوغانسك بإشراف الصليب الأحمر الدولي. وقد حصلت هذه المبادرة، التي أطلقها الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، على دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحذرت كييف وحكومات غربية موسكو من محاولة تحويل العملية إلى تدخل عسكري، بالتسلل إلى منطقة تواجه أزمة إنسانية بسبب قتال يستمر منذ أربعة أشهر. وأبدى بعض أعضاء البرلمان استياءهم علنا، واتهموا روسيا بانتهاك القانون الدولي.
وقال عضو البرلمان أوليه تيانيبوك: «موسكو كانت دائما تخدع الجميع بسياستها الخارجية. وحقيقة أنها تعتزم مخالفة القانون الدولي، وأنها تزعم في الوقت نفسه أنها ملاك بأجنحة، رغم أنها في الواقع شيطان لا يحلم سوى بالتغلب على من يخالفونه. وبالتأكيد، سيكون رد أوكرانيا كافيا».
وأشار ساسة أوكرانيون إلى أن عرض الكرملين ما هو على الأرجح سوى ذريعة للغزو، إذ قال أوليه لياشكو عضو البرلمان: «أعتقد أن هذه مفارقة غريبة أن روسيا التي بدأت الحرب في دونباس، والتي قتل فيها مدنيونا وجنودنا والتي تفجر بنيتنا الأساسية بصواريخ غراد، ترسل الآن المساعدات الإنسانية لنا. المعكرونة والشعيرية وما إلى ذلك. يتصورون أنهم يمكن أن يطعمونا أكاذيبهم. أعتقد أنه يتعين على السلطات الأوكرانية رفض هذه المساعدات الإنسانية. فهي ليست مساعدات إنسانية، بل حصان طروادة».
وأضاف: «أفضل مساعدة من جانبهم هي أن يتوقفوا عن قتل الناس في دونباس، وأن يسحبوا الإرهابيين من هناك. أفضل مساعدة ستكون أن يعيدوا لنا القرم التي ضموها واحتلوها وسرقوها. أما معكرونتهم فلسنا بحاجة إليها. فهم بالفعل يطعمون العالم بأسره أكاذيبهم».
وتعتقد الدول الغربية أن بوتين يمكن أن يرسل الآن قواته إلى الشرق لمنع هزيمة مخزية للمتمردين.
من جهته، وجه رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باروسو، رسالة حادة مباشرة إلى بوتين في مكالمة هاتفية اليوم. وقالت المفوضية في بيان: «الرئيس باروسو حذر من أي تحركات عسكرية منفردة في أوكرانيا تحت أي ذريعة، بما في ذلك الذرائع الإنسانية».
ووسط هذا الجدل الدائر بين سلطات أوكرانيا ودول الغرب، قالت وزارة الخارجية الروسية، أمس، إن القافلة الإنسانية شرق أوكرانيا لن تعبر الحدود إلا تحت رعاية الصليب الأحمر.
وأضافت في بيان: «بعد عبور الحدود الروسية - الأوكرانية، ستتحرك القافلة تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر».
وعلى صعيد متصل بالأوضاع في أوكرانيا، أعلنت مسؤولة أوروبية بارزة، أمس، أن الاتحاد الأوروبي سوف يقدم 5.‏2 مليون يورو إضافية (35.‏3 مليون دولار) لمساعدة المتضررين من الصراع في شرق أوكرانيا، محذرة من أنه يجب ألا تتحكم في المساعدات «الأغراض السياسية أو أي أغراض أخرى».
وقالت كريستالينا جورجييفا، المفوضة الأوروبية للشؤون الإنسانية، في تحذير خفي لموسكو: «من المهم توصيل المساعدات الإنسانية في أي مكان، وبواسطة أي جهة، وفقا لمبادئ الحيادية والموضوعية والاستقلال».
وأضافت أن وصول قافلة المساعدات الروسية للحدود الأوكرانية سوف يستغرق «أياما»، مشيرة إلى أنه لم يجر التوصل بعد لاتفاق حول كيفية إيصال المساعدات للمحتاجين.
ميدانيا، يستعد الجيش الأوكراني لتطويق لوغانسك «بشكل نهائي»، كما أعلن المكتب الإعلامي للعملية الجارية في شرق أوكرانيا في بيان أمس، جاء فيه أن «العسكريين ينوون قطع الطرقات نحو روسيا أمام المقاتلين وتطويق لوغانسك بشكل نهائي».
وتقول السلطات إن الوضع في لوغانسك «حرج» منذ عشرة أيام في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وبدء نفاد مخزونات الأغذية والوقود. وفي دونيتسك، كبرى مدن شرق أوكرانيا، سمع دوي انفجارات ليلة أمس، لكنها لم تكن كثيفة مثلما كانت في الليالي السابقة.
من جهة ثانية، وافق البرلمان الأوكراني أمس على القراءة الأولى لحزمة من العقوبات الاقتصادية الأوكرانية على روسيا، حيث أقر البرلمان القائمة التي قدمها رئيس الحكومة أرسيني ياتسينيوك، والتي تشمل 65 شركة و172 شخصية في روسيا ودول أخرى.
ولم يعرف بعد ما إذا كانت هذه العقوبات تشمل أيضا شركة غازبروم وشركة جاز نفط العملاقتين للطاقة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إيقاف صادرات النفط والغاز الروسية إلى غرب أوروبا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد حذر أوكرانيا في وقت سابق من الإقدام على مثل هذه الخطوة، حيث تعد أوكرانيا أهم دولة عبور للنفط والغاز الروسي إلى الاتحاد. ومن الممكن أن يصدر البرلمان الأوكراني اليوم قراره بشأن قانون العقوبات على روسيا بعد القراءة الثانية له.



ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
TT

ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)

تقف خمس شابات في وسط العاصمة الأوكرانية، رغم البرد القارس، دقيقة صمت إحياء لذكرى ضحايا الغزو الروسي، في مبادرة أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مارس (آذار) 2022 على أن تكون جزءا من الحياة اليومية، لكن بعد حوالى ثلاث سنوات من الحرب أصبحت مشهدا نادر الحدوث.

حملت الفتيات لافتات تدعو المارة إلى التوقف للمشاركة في دقيقة صمت عند التاسعة صباحا، وهو جزء من هذه المبادرة الرسمية التي أطلقها زيلينسكي بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب. لكن معظم الحشود الخارجة من محطة مترو غولدن غايت المركزية في كييف، كانت تمر بمحاذاتهن من دون التوقف.

وبعد انتهاء الدقيقة، طوت طالبة الصحافة أوليا كوزيل (17 عاما) اللافتات المصنوعة من ورق الكرتون المقوى في حقيبة.

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «أشعر بالغضب من الأشخاص الذين لا يتوقفون، الذين ينظرون ويقرأون، وأستطيع أن أرى في عيونهم أنهم يقرأون لافتاتنا لكنهم يواصلون طريقهم».

كوزيل هي جزء من مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يحاولون إعادة الزخم لمبادرة زيلينسكي.

عندما لا يكون هناك تحذير من غارات جوية، يجتمع هؤلاء مرة في الأسبوع في مكان مزدحم لتشجيع سكان كييف على التوقف لمدة 60 ثانية.

وتقول كوزيل إن دقيقة الصمت هي وسيلة لمعالجة الحزن الجماعي والفردي الذي يخيم على الأوكرانيين أكانوا يعيشون قرب الجبهة أو بعيدا منها.

ويبدو أن حملة الشابات بدأت تثمر. فقد وافقت بلدية كييف هذا الأسبوع على القراءة الأولى لمشروع قانون يجعل دقيقة الصمت إلزامية في المدارس وبعض وسائل النقل العام. ويشمل المقترح أيضا عدا تنازليا يتردّد صداه عبر مكبرات الصوت في كل أنحاء المدينة من الساعة 9,00 حتى 9,01 صباح كل يوم.

وتعود الفكرة الأصلية لهذه المبادرة إلى إيرينا تسيبوخ، الصحافية التي أصبحت مقدمة رعاية على الجبهة والمعروفة في أوكرانيا باسمها الحركي «تشيكا». وأثار مقتلها قرب الجبهة في مايو (أيار)، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلادها السادس والعشرين، موجة من الحزن.

ناشطات من منظمة «الشرف» يحملن صور جنود أوكرانيين سقطوا في المعارك خلال وقفة «دقيقة صمت» في كييف (أ.ف.ب)

وقالت صديقتها كاترينا داتسينكو لوكالة الصحافة الفرنسية في أحد مقاهي كييف «عندما علمنا بمقتل إيرا (إيرينا) قلنا لأنفسنا أمرين: أولا، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أرادت إيرا أن تعيش كثيرا. وثانيا: يجب أن نكمل معركتها. لا يمكننا أن نستسلم».

وكانت تسيبوخ تريد من الأوكرانيين أن يخصّصوا دقيقة لأحبائهم أو الأشخاص الذين يمثلون لهم شيئا ما، على أساس أن التفكير الجماعي في ضحايا الحرب يمكن أن يوحّد الأمة في مواجهة الصدمة الفردية.

* الأكلاف البشرية

قال زيلينسكي أخيرا إن 43 ألف جندي أوكراني قتلوا في الحرب، رغم أن التقديرات المستقلة تشير إلى أن العدد أعلى من ذلك بكثير.

من جهتها، تفيد الأمم المتحدة بأن العدد المؤكد للقتلى المدنيين البالغ 11743 هو أقل من الواقع إلى حد كبير.

ومع ارتفاع هذه الحصيلة بشكل يومي، يحاول الناشطون غرس معنى جديد لطريقة تخليد ضحايا الحرب.

وقالت الناشطة داتسينكو (26 عاما) التي شاركت في تأسيس المنظمة غير الحكومية «فشانوي» أي «الشرف»، «لا أعرف كيف يمكن لدولة بهذا الحجم أن تخلّد ذكرى كل شخص، لكنّ ذلك ممكن على مستوى المجتمع».

من جهته، رأى أنتون دروبوفيتش، المدير السابق لمعهد الذاكرة الوطنية في أوكرانيا، أن دقيقة الصمت «لا تتعلق بالحرب، بل بالأشخاص. أولئك الذين كانوا معنا بالأمس، والذين شعرنا بدفئهم لكنهم لم يعودوا هنا... الأمر يتعلق بالحب والكلمات التي لم يكن لديك الوقت لتقولها للأشخاص الذين تحبهم».

لكن بعض معارضي الفكرة يقولون إن التذكير اليومي بالخسارة يجعل الناس عالقين في الماضي.