أسوأ أداء أسبوعي لعملات أميركا اللاتينية في شهرين ونصف

استثمارات قياسية في أسهم وسندات الأسواق الناشئة

أحد محلات الصرافة في بوينس آيرس (رويترز)
أحد محلات الصرافة في بوينس آيرس (رويترز)
TT

أسوأ أداء أسبوعي لعملات أميركا اللاتينية في شهرين ونصف

أحد محلات الصرافة في بوينس آيرس (رويترز)
أحد محلات الصرافة في بوينس آيرس (رويترز)

سجلت عملات أميركا اللاتينية، أول من أمس، أسوأ أداء أسبوعي في مواجهة الدولار في أكثر من شهرين ونصف الشهر، في ظل المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وقام المستثمرون بتعديلات ملموسة في محافظهم الاستثمارية الأسبوع الماضي، للخروج جزئياً من عملات الأسواق الناشئة، في ظل المخاوف من بطء النمو العالمي في سياق التوتر التجاري بين أميركا والصين، وهو ما حثهم على التوجه للاستثمار في الدولار الذي سجل خلال الأسبوع الماضي أكبر مكاسبه الأسبوعية منذ أغسطس (آب).
وقال بنك «مورجان ستانلي» إنه يخفف من تعرضه للأسواق الناشئة، ويشتري عملات الين التي تعد ملاذاً آمناً، وقد تكون مفيدة في حال ما تراجعت الرغبة في أخذ المخاطر.
وتأثر أداء الأسواق الناشئة في ظل رؤية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن الحاجة للمزيد من زيادة أسعار الفائدة. وانخفض مؤشر «إم إس سي آي» لعملات أميركا اللاتينية بـ0.2 في المائة خلال تعاملات الجمعة، ليتراجع المؤشر في مجمل الأسبوع بـ1.3 في المائة.
بينما ارتفع مؤشر «إم إس يب آي» للأسهم في أميركا اللاتينية بـ0.2 في المائة في اليوم نفسه، مدعوماً بصعود نسبته 1 في المائة في الأسهم البرازيلية، وإن كان المؤشر تراجع في مجمل الأسبوع الماضي بـ3.4 في المائة.
وارتفع سهم شركة التعدين «فال»، الجمعة، بنسبة 3.8 في المائة، بعد أن سجل أقل مستوى له في 10 أشهر خلال تعاملات الخميس، بعد أن تأثرت الشركة بحادث انهيار أحد السدود التابعة لها، الذي أودى بحياة المئات. وتراجع الريال البرازيلي بنسبة 0.3 في المائة مقابل الدولار، وتغير سعر البيزو المكسيكي بشكل طفيف، بينما تراجعت الأسهم المكسيكية مع انخفاض قوي لسهم عملاق صناعة الإسمنت «سيمكس»، بعد يوم من إعلان خسائر مفاجئة في الربع الرابع من العام الماضي.
وتراجع البيزو الأرجنتيني بنسبة 0.2 في المائة مقابل الدولار، بينما ارتفعت الأسهم بنسبة 2 في المائة متعافية من انخفاض سجلته الخميس بـ2.2 في المائة. يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه بنك «أوف أميركا ميريل لينش» إن المستثمرين ضخوا المال بأحجام قياسية في أسهم وسندات الأسواق الناشئة في الأسبوع المنقضي، في ظل توقعات باحتمال أن تؤدي التوقعات للسياسة النقدية الأميركية إلى تراجع الدولار الأميركي. وحسب ما أعلنه البنك أول من أمس، فإن تدفقات الأموال الداخلة إلى السندات بلغت 11.1 مليار دولار، وهي الأكبر منذ مايو (أيار) 2018، في حين ضخ المستثمرون 4.3 مليار دولار في الأسهم، وسحبوا 400 مليون دولار من المعادن النفيسة، حسب بيانات «إي ي إف آر»، وتتبع تدفقات الأموال في الأسبوع المنتهي يوم الأربعاء.
كما شهد الأسبوع أكبر قدر من التدفقات الداخلة إلى السندات مرتفعة العائد في 3 سنوات بقيمة 4.8 مليار دولار، وتلقت ديون الأسواق الناشئة 4.4 مليار دولار.
وأشار بنك «أوف أميركا» إلى أنه منذ الثاني من يناير (كانون الثاني)، اشترى المستثمرون سندات بقيمة 36 مليار دولار، وباعوا أسهماً بقيمة 10 مليارات دولار. ومن بين فئات الأصول عالية المخاطر، اشترى المستثمرون أسهماً في الأسواق الناشئة بقيمة 16 مليار دولار وباعوا أسهماً أميركية وأوروبية بقيمة 26 مليار دولار و7 مليارات دولار على الترتيب.
وتقول وكالة «رويترز» الإخبارية إن المستثمرين أقبلوا على أسهم وسندات الأسواق الناشئة في الأشهر القليلة الماضية، في ظل توقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) لن يرفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة، كما كان متوقعاً في السابق، أو قد يتوقف عن تشديد سياسته النقدية.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.