شاشة الناقد

حتى الموت

كيانو ريفز وهيرويوكي سانادا في «47 رونين»
كيانو ريفز وهيرويوكي سانادا في «47 رونين»
TT

شاشة الناقد

كيانو ريفز وهيرويوكي سانادا في «47 رونين»
كيانو ريفز وهيرويوكي سانادا في «47 رونين»

الفيلم: «47Ronin»
إخراج: كارل رينش
تقييم الناقد:(3*)(من خمسة).

بعد 10 سنوات على قيام توم كروز بتمثيل «آخر الساموراي»، انتقل كيانو ريفز إلى اليابان لفيلم جديد هو «47 رونين». فيلم كروز نص على شخصية من القرن الثامن عشر تعيد اكتشاف معنى الحياة والمبادئ عندما تترك الغرب الأميركي صوب إمبراطورية الشمس. لكن ريفز يؤدي شخصية هجينية: والده، كما يقول الفيلم سريعا، بريطاني وأمه يابانية التقيا وأنجبا هذا الولد الذي يبدو بلا أصل. الولد شب منبوذا وكاد يموت كذلك لولا أن الرونين بقيادة أويشي (هيرويوكي سانادا) عدّوه واحدا منهم بعدما أبلى بلاءا حسنا في أكثر من واقعة.
كيانو ريفز، الخارج من شخصية نصف صينية في «رجل تاي تشي» قبل عام، ممثل من مستوى تعبيري واحد، لكنه المستوى المطلوب هنا، وهو لا يستطيع أن يحيد عنه حتى عندما يكون من المفترض به التعبير عن الحب الهائل الذي يشعر به حيال بطلة الفيلم كو شيباساكي. بما أن الفيلم لا يطلب بالضرورة قدرات أنطوني هوبكنز أو آل باتشينو التعبيرية، فإن مراقبة صولات وجولات ريفز تنسجم مع عمل مليء بالمواقع الخالطة بين التراث الياباني والفانتازيا الغرائبية ومعارك السيوف والذود عن المبادئ ضد الأشرار والأرواح الداكنة في نفوس الأعداء.
التراث الياباني مليء بمفاهيم الحياة والموت، والحياة بعد الموت. وفيلم كارل رينش يتعامل معها باحترام كما مع ثقافة الأساطير الشعبية. لا يحاول أن يقتنص منها أو يسخر؛ بل يعززها بحكاية مكتوبة لإبراز المبادئ التي يكتنزها المحاربون اليابانيون. وعلى القدر ذاته من الأهمية، هناك حقيقة أن ريفز لا يؤدي دور الأميركي الذي لولاه لما استطاع الخيرون في الفيلم تحقيق النصر، بل هو واحد من المحاربين يكاد عدد لقطاته يتساوى مع عدد لقطات سواه من الممثلين. في هذا الصدد من المنعش والمختلف أن ريفز ليس النجم الرئيس بالنسبة للجمهور الغربي (كما هي الحال كلما جرى اختيار ممثل أميركي في حكاية تقع خارج البلاد) بل واحد من عوامل الجذب العامة. والمثير هنا هو أن هذا العامل لم يحقق المرجو منه جماهيريا لا في أميركا ولا في سواها. إيرادات الأسبوع الأول لم تزد على خمسين مليون دولار بعدما ارتفعت التكلفة، حسب مصادر لا تنفيها «يونيفرسال»، إلى 200 مليون دولار.
لكن الأكثر إثارة للاستغراب موقف النقاد الأميركيين من الفيلم: واحد فقط أبدى إعجابه وتحبيذه مقابل 20 ناقد تحفظ عليه أو هاجمه. «47 رونين» بعيد عن أن يكون تحفة، لكنه ليس الفيلم الذي تستطيع أن تجد فيه الكثير من العيوب.. ليس عملا رديئا في مطلق الأحوال. كارل رينش لديه عين رائعة حين يأتي الأمر لاستخدام عناصر صورة طبيعية أو مفبركة بواسطة الدجيتال. دائما ما يصنع صورة مثيرة.
ما يخفق به الفيلم عاملان: المشهد المفصلي الذي يدور حول ما أدى لانتحار اللورد أسانو (مين تاناكا) ليس مقنعا، وزكذلك إلقاء بعض الممثلين اليابانيين جملهم المنطوقة إنجليزيا مما يجعلهم غير قادرين على منح الحوار بعض الروح غير المفتعلة وغير الباردة حينا آخر. النهاية، التي لا ضرورة للكشف عنها هنا، تدخل أيضا في نطاق التجاذب: من ناحية تعكس الالتزام بواقع ما حدث، ومن ناحية أخرى تطرح تساؤلات. تنفيذ المعارك من صنف أول. ينتقل المخرج ما بين إدارة ممثليه جيدا إلى دمجهم بالمؤثرات الخاصة بالإجادة ذاتها خالقا ساعتين مثيرتين دراميا وترفيهيا. المثير هنا هو أنه رغم الاعتماد كليا على مؤثرات الدجيتال والـ«كومبيوتر غرافيكس»، فإن هناك حبا واضحا لسينما قديمة تتعاطى مفاهيم البطولة والحب والتضحية.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.