«لور ومازن بيني وبينك»... شريط حياة أم وابنها في صور

لور غريب مع مازن كرباج  تواصلا في مراسلات مرسومة عبر المحيطات
لور غريب مع مازن كرباج تواصلا في مراسلات مرسومة عبر المحيطات
TT

«لور ومازن بيني وبينك»... شريط حياة أم وابنها في صور

لور غريب مع مازن كرباج  تواصلا في مراسلات مرسومة عبر المحيطات
لور غريب مع مازن كرباج تواصلا في مراسلات مرسومة عبر المحيطات

العلاقة الوطيدة بين الأم وابنها والخصوصية التي تحيط بها هي عادة ما تكون العنوان الكبير الذي يربط ما بين الصبي ووالدته. وفي علم النفس تعتبر هذه العلاقة أساسية في تكوين شخصية الرجل وتؤسس للتوازن في علاقاته مع النساء عامة. وعادة ما يقال: «ابحث عن الأم» في حال فشل الصبي أو العكس في تواصله مع الجنس اللطيف. وفي معرض «لور ومازن بيني وبينك» في متحف سرسق تحضر هذه العلاقة المميزة بين لور غريب الشاعرة والرسامة والناقدة الفنية وابنها مازن كرباج الفنان المتخصص في الرسوم المصورة والموسيقى. فلفائف الورق والدفاتر والرسوم والتعليقات المعروضة تظهر عمق العلاقة بينهما، التي ترجماها بالحبر الصيني والأقلام الملونة وعبارات محببة وأخرى غاضبة تنصهر مع بعضها لتؤلّف بانسيابتها شريط حياة كاملا بينهما.
من الصعب أن تفرّق في معرض «لور ومازن بيني وبينك» بين رسومات الأم وتلك الخاصة بابنها. فذوبانها ببعضها عن طريق استخدامهما أسلوب الـ«4 أياد» تماما كما يحصل عندما يقدّم ثنائيا عازفا عرضا موسيقيا على آلة البيانو، تصلك في نغمات غنية بنوتات المشاعر والأحاسيس التي تجتاحهما في خضم تلك العلاقة.
فقد قام الفنانان عبر السنوات بتطوير ممارسة ذات أربع أياد (يرسم كلّ منهما بكلتا يديه) وأسلوب فريد من نوعه، حيث تندمج التفاصيل الدقيقة لأعمال لور مع صور ظلّية كبيرة لمازن. ليست هناك حاجة إلى معرفة من المسؤول عن الفوضى والتشابك في رسوماتهما ومراسلاتهما إذ يحتاج المرء ببساطة إلى مواكبة جنونهما وطموحهما.
ويتألف المعرض من لوحات فردية لكل منهما، معلقة على الشق العلوي للجدران وتنضم إليها في القسم السفلي لفائف ورق عملاقة تنتشر على نحو 100 متر في القاعة المخصصة لهذ الحدث، أنجزاها لور ومازن معا.
بعض أعمال المعرض بدأ العمل عليها عام 2006، التي كانت منطلقاً لاشتراك الاثنين في الفن، فقد كانت لور تتابع أحداث حرب تموز جالسة على مقعدها متسمّرة أمام الشاشة، حين اقترح عليها مازن أن يوثّق الاثنان ما يحدث بطريقتهما ومن منظوريهما المختلف في العمر والطريقة والتقنية والخطوط والجيل.
وبين عناوين رسمات «أنت وأنا» و«شبح» و«أنطوان» و«حرب» اختارتها لور غريّب من معارض سابقة لها تطالعك لفائف ورق امتدت على أمتار طويلة من أرجاء المعرض، لتخبرك قصصا تتراوح موضوعاتها بين الرومانسية والإنسانية والحرب والسلم. وتلتقي فيها برموز حكايات الحب أمثال عنتر وعبلة وروميو وجولييت ومارك أنطوني وكليوبترا وجان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وغيرهم من أبطال حكايات العشق والغرام. وتمّ تقديمها في قالب ساخر حينا وملامح وجوه نافرة بالأبيض والأسود ترافقها رسوم منمنمة ملونة حينا آخر.
تعزّز لديك هذه الصور ارتسام الابتسامة على شفتيك بصورة تلقائية، فحضور عبارات وتعليقات مكتوبة باليد ومطبوعة ببراءة أنامل الأطفال، تزوّدك بمشهدية نادرة تكمن جماليتها بعفويتها وجنونها معا. ويطلّ مازن كرباج بخياله الواسع بين صور أبطال الحب ليلونها برسمين لوالده الممثل أنطوان كرباج ووالدته لور غريّب، لكونه يعتبرهما من رموز قصص الحب أيضا. فهما يعيشان قصتهما منذ أكثر من 50 عاما. ومع وجوه منتفخة وأخرى تنفر منها أنوف ضخمة وعيون مبحلقة وأفواه بشفاه عريضة مرة وملونة بالأحمر مرات أخرى، سيطول تدقيقك في هذه الرسوم ذات الإيقاع السريع بحيث تشعر أن ساعات طويلة لن تكفيك لتلحق بأفكارها موضوعاتها.
وفي وسط المعرض يطالعك صندوق مستطيل ذو واجهة زجاجية يذكرك بـ«صندوق الفرجة» للرسوم والعناوين التي تكتنف معروضاته. وهي كناية عن مراسلات بالرسومات تبادلها الفنانان بين عامي 2015 و2017 استخدما فيها الحبر الصيني وأقلام تلوين. مجموعة من الذكريات بين أم عمرها 88 عاما وابنها ذي الـ44 سنة، يحتويها معرض «لور ومازن بيني وبينك» الموثّق بلوحات حديثة ساهم الابن الشاب بولادتها مباشرة. فهو ظلّ يراسل والدته حتى بعيد انتقاله إلى العيش في برلين. وقبلها أحضر ورقا بطول 100 متر وقسمه بينهما ليتراسلا من وراء المحيطات بواسطة رسومهما التشكيلية.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.