- ما زالت أمامنا اثنتا عشرة سنة لنحمي كوكبنا، وما لم نقم بإجراءات جدية منذ الآن فإن درجة حرارة الأرض سترتفع بمقدار 3 درجات مئوية، أو ربما 5 درجات. وسيرتفع منسوب مياه البحار بما بين 0.3 و3 أمتار.
الحديث عن التغير المناخي يتطلب الاستعانة بالأرقام، ابتداءً بدرجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، التي يقول التقرير العلمي الأخير، الذي صدر بالإجماع عن الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ، إنها تمثل أقصى زيادة مسموحة لتفادي أسوأ العواقب التي يحملها التغير المناخي.
ويتمسك منكرو التغير المناخي بهذه التباينات الظاهرية، للبرهان على أن إعطاء العلم الأولوية هو تصرف خاطئ. وهذا غير صحيح بطبيعة الحال، فالأمور معقدة ومتداخلة، والتفاوت في هامش التوقعات طبيعي في حالات كهذه. وإذا كان من الخطأ التهويل بسيناريوهات مضخمة من طريق تفسير التقرير العلمي الشامل على نحو انتقائي، فمن الخطأ أيضاً أن يعتمد المشككون على الاستنتاجات التهويلية المتطرفة لنقض التقرير من أساسه. لكن رغم التفاوت في الأرقام، تعطي أكثر التوقعات المناخية العلمية تفاؤلاً سبباً كافياً لضرورة العمل السريع لوضع حدّ للتغيّر المناخي، بخفض الانبعاثات الكربونية. فالضرر من ارتفاع البحار، أكان متراً واحداً أو خمسة أمتار، كبير. ولا يقلّل من أهمية الضرر إذا حصل بعد ثمانين سنة بدلاً من ثلاثين.
- كم ارتفعت الحرارة حتى الآن؟
- كجزء من اتفاق باريس المناخي، وافقت شعوب الأرض على عدم تجاوز درجتين مئويتين، ومحاولة إبقاء زيادة درجة الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، مقارنة بحرارة الكوكب قبل بداية النهضة الصناعية. ولمعرفة ماذا يعني ذلك يجب أن نعرف وضعنا الراهن، ومن هنا يبدأ الجدل. هل لا يزال أمامنا 0.6 درجة مئوية لتجاوز عتبة باريس المناخية، أم أن المتبقي هو 0.3 درجة مئوية فقط؟
كيف يمكننا أن نقيس مقدار ارتفاع الحرارة العالمية؟ أبسط جواب عن هذا السؤال هو في قياس درجة حرارة كل ما يحيط بنا من يابسة وبحر وجو. لكن قياساتنا الفعلية تركز على تحديد الحرارة ضمن الفراغ الرقيق الذي نعيش فيه، أي أن المعدل العالمي للحرارة السطحية هو متوسط درجة الحرارة التي يجري تسجيلها على ارتفاع مترين من سطح الأرض.
توجد لدينا فكرة جيدة عن هذه الحرارة من خلال المحطات المناخية المنتشرة على اليابسة وفوق السفن وضمن العوامات على سطح البحر. ويجري تدقيق كل قراءة لدرجات الحرارة من أجل مقارنتها مع السجلات الحرارية في المكان والفترة الزمنية ذاتهما، ثم يتم تجميع هذه التقييمات للحصول على اتجاهات الحرارة العالمية السطحية، استناداً إلى قيم مرجعية طويلة الأمد.
ربما يكون الأمر بسيطاً بالنسبة إلى محطات الرصد المناخي الثابتة على الأرض؛ لكن الإشكالية الكبرى هي في تسجيل حالة الطقس في المحيطات؛ حيث يتعذر إبقاء العوامات والسفن في مكان واحد بفعل انزياح الجبال الجليدية. لذلك نجد مكتب الأرصاد المناخية البريطاني يضع القطب الشمالي خارج قياساته، أما وكالة «ناسا» فتعتمد تقديرات لدرجة حرارة القطب الشمالي استناداً إلى محطات الرصد المحيطة به.
ولأن حرارة القطب الشمالي تزداد بشكل متسارع، تقترح أرقام وكالة «ناسا» زيادة إضافية على الحرارة العالمية مقدارها 0.1 درجة مئوية، في حين لا يأخذ مكتب الأرصاد البريطاني هذه الزيادة بعين الاعتبار.
من المسائل المربكة التي تحيط بدرجة الحرارة المرجعية أن قياسات الحرارة العالمية بدأت نحو سنة 1850. في حين كانت بداية عصر النهضة الصناعية قبل ذلك بحدود 100 سنة. وتقترح النماذج الحاسوبية ارتفاع حرارة الكوكب بمقدار 0.2 درجة مئوية خلال هذه الفترة المجهولة. مع ذلك، أصبحت درجة الحرارة الوسطى بين 1850 و1900 بمثابة المرجع شبه الرسمي لـحرارة «ما قبل النهضة الصناعية»؛ لأن هذه الفترة شهدت أولى القياسات المباشرة لدرجات الحرارة. وإذا عدنا إلى قياسات مكتب الأرصاد المناخية البريطاني الذي يعتمد حقبة 1850 - 1900 ويتجاهل القطب الشمالي، ستكون الزيادة في حرارة كوكب الأرض منذ بدء النهضة الصناعية هي 0.9 درجة مئوية. أما إذا استندنا إلى تقديرات وكالة «ناسا» ونماذجها الحاسوبية، فالزيادة هي 1.2 درجة مئوية.
ربما يبدو هذا الفارق طفيفاً في عالم يتجه بسرعة ليتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية، لكن إذا كنا جديين فعلاً في إبقاء الزيادة دون 1.5 درجة مئوية، فالفارق على قدر كبير من الأهمية.
- ما عتبة الأمان المناخية؟
- قبل القفز إلى الاستنتاجات، فإن 1.5 درجة مئوية ليست العتبة الآمنة؛ بل هي العتبة الأقرب منالاً حالياً. في سنة 1990، صدر تقرير خلص إلى أن زيادة درجة مئوية واحدة أكثر أماناً من زيادة درجتين مئويتين؛ لكن في سنة 1996، جعل مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي عتبة درجتين مئويتين هدفاً مناخياً لبلدانه؛ لأن عتبة درجة مئوية واحدة أصبحت بعيدة المنال فعلياً.
خلال مفاوضات باريس المناخية سنة 2015، طالبت الدول الجزرية، التي تواجه مخاطر سريعة من ارتفاع منسوب البحر، بهدف أكثر طموحاً. وحيث إن زيادة الحرارة العالمية اقتربت من درجة مئوية واحدة في هذه الأثناء، جرى التوافق على اعتماد 1.5 درجة مئوية هدفاً طموحاً لاتفاقية باريس المناخية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تقريرها الخاص حول «الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية» لتؤكد أن سيناريو 1.5 درجة مئوية مخيف بما فيه الكفاية، ويجب عدم تجاوزه.
توجد أدلة متزايدة على أن التغير المناخي يزيد من حدة الظواهر المناخية المتطرفة. وتُظهر العواصف المدمرة والأمواج العاتية والحرائق الهائلة التي تجتاح العالم حالياً، أن مسألة الأمان المناخي مهددة حتى بزيادة درجة مئوية واحدة مقارنة بحرارة الأرض قبل النهضة الصناعية. وفيما ترتفع حرارة الكوكب، ستزداد الآثار السلبية لتغير المناخ شدة وتكراراً، ابتداءً بابيضاض الشعب المرجانية، وانتهاءً بالفيضانات العنيفة. ولتزداد الأمور تعقيداً، هناك «نقاط حرجة» تؤدي إلى انقلابات يصعب عكسها في النظم الطبيعية، مثل درجة الحرارة التي تؤدي إلى إيقاف التيار الأطلسي الذي يجلب الدفء إلى شمال أوروبا. وحيث إننا لا نعرف درجات الحرارة التي تتسبب بالنقاط الحرجة، تصبح مسألة تحديد «عتبة الأمان المناخية» صعبة للغاية.
من ناحية أخرى، تتعلق مخاطر تغير المناخ بالعامل البشري. فإذا توقفنا عن تشييد المباني على الشواطئ التي ستختفي تحت الأمواج، وقمنا بإنشاء مجمعات سكنية تواجه تحديات الأحوال الجوية المتطرفة، فسيكون بإمكاننا الحفاظ على كثير من الأرواح.
- متى نتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية؟
- وفق الاتجاهات الحالية، من المتوقع أن تكون السنة الأولى التي تتجاوز فيها حرارة الأرض عتبة 1.5 درجة مئوية فوق معدل حقبة 1850 - 1900 في غضون العقد القادم؛ لكن باعتبار المناخ «حالة الطقس مقاسة على مدى عدة سنوات»، فسيكون حسم الأمر سابقاً لأوانه.
لكن التعريف الذي يحظى بقبول علمي واسع يعتبر أن تجاوزنا لهذه العتبة سيكون عندما يتجاوز متوسط درجة الحرارة على المدى الطويل 1.5 درجة مئوية. واستناداً إلى المسارات الحالية، فمن المرجح أن يتحقق ذلك نحو سنة 2040، وهو موعد قريب نسبياً، ما يجعل بعض السياسيين والعلماء يبحثون عن تعريف آخر لفكرة تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية.
حالياً، يوجد كثير من الطرق التجريبية لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الجو؛ لكن لم تثبت جدوى أي منها بعد للتطبيق على نطاق واسع، بسبب تراكم كميات هائلة من الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري خلال عشرات السنين.
وحتى لو كان بمقدورنا خفض درجة الحرارة العالمية من جديد، فإن العواقب ستكون أخطر إذا تجاوزنا عتبة 1.5 درجة مئوية؛ حيث سيشهد العالم تسارعاً أكبر في الاحترار خلال العقود القليلة التالية. ومن ذلك – مثلاً - أن يتسبب تجاوز العتبة في الوصول إلى النقاط الحرجة التي يصعب التعافي منها بشكل سريع، كموت غابات الأمازون المطيرة.
ومن المقاييس الشائعة لحساسية المناخ، تقدير مدى الاحترار الذي سيحدث خلال العقود والقرون القادمة في حال مضاعفة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو. وتجمع الدراسات على أن الاحترار في هذه الحالة هو ثلاث درجات مئوية على الأرجح، ضمن نطاق ارتياب معقول يقع بين درجتين وخمس درجات مئوية. وإذا استمر انبعاث الغازات الدفيئة في الازدياد، فستتضاعف نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو؛ مقارنة بمعدلاته ما قبل النهضة الصناعية في غضون 50 سنة فقط.
وإذا استبعدنا الهامش الأدنى من ارتياب الاحترار العالمي، استناداً إلى ما تظهره الأدلة العلمية المتزايدة سنة بعد سنة، فإن ارتفاع حرارة الكوكب إلى ما فوق ثلاث درجات هو تقدير واقعي. ويحذر عدد من العلماء من الاستخفاف بمخاطر الاحترار العالمي، ويرون أن الوصول إلى عتبة درجتين مئويتين يجعل إيقاف ارتفاع الحرارة العالمية بضع درجات أخرى أمراً مستحيلاً.
- كم سيرتفع منسوب البحر؟
- خلال الفترة الدافئة بين العصور الجليدية، قبل 120 ألف سنة، كانت الحرارة العالمية أعلى بمقدار درجة مئوية واحدة، مقارنة بوضعها خلال سنوات 1850 إلى 1900، وفي المقابل كان سطح البحر أعلى بنحو 6 إلى 9 أمتار عما هو عليه الآن.
وإذا استمرت الانبعاثات المسببة لتغيّر المناخ من دون أي إجراء، فإننا نتجه إلى عالم تزداد فيه الحرارة فوق عتبة 3 أو 4 درجات مئوية، وذلك يكفي لزيادة منسوب البحر إلى أكثر من 20 متراً. ما نجهله حقاً هو الفترة التي يستغرقها حدوث هذا الأمر؛ لأن حرارة الكوكب ترتفع بتسارع يفوق ما حصل خلال الفترات الدافئة السابقة، ولذلك لا يعد الماضي مؤشراً صادقاً عما سيؤول إليه المستقبل.
الرأي السائد هو أن الأمر سيستغرق عدة قرون أو آلاف السنين. وتشير توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى ارتفاع مستوى البحر بما بين 0.3 و0.6 متر بحلول 2100، في عالم أدفأ بـ1.5 درجة مئوية، وسيرتفع مستوى البحر ما بين 0.5 و1 متر بنهاية القرن، إذا استمرت الانبعاثات في الازدياد من دون رادع. وإذا بقيت الأجواء دافئة ستحصل ارتفاعات أكبر في مستوى البحر خلال القرن الثاني والعشرين وما يليه.
وينظر بعض العلماء إلى هذه التوقعات باعتبارها تقديرات محافظة، إذ تفقد القارة القطبية الجنوبية الجليد فعلياً أسرع بكثير مما هو متوقع. وتقدّر دراسة أجريت في 2016، على أساس نمذجة الصفائح الجليدية حاسوبياً، أن مستوى البحر قد يرتفع بمقدار 3 أمتار بحلول 2100.
- كم تبقَّى من الوقت لإنقاذ العالم؟
- «العلماء يقولون بوجود 12 سنة لإنقاذ العالم». هذه الإجابة يستنتجها البعض من التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ؛ لكنها لا تمثل بدقة ما يتحدث عنه التقرير. حسب التقرير، ووفق المعدل الحالي للانبعاثات، سنتجاوز ميزانية الكربون المتبقية خلال 12 سنة على الأرجح. لكن، كما رأينا، ميزانيات الكربون المعتمدة في التقرير تمثل قيمة وسطية بين هوامش واسعة، كما أن الهدف المناخي 1.5 درجة مئوية هو بحد ذاته عتبة افتراضية.
إن التركيز على مواعيد نهائية مرتجلة لا يعد خياراً علمياً مفضلاً نلخِّص فيه كل معارفنا. يقول بيرز فورستر، من جامعة «ليدز» البريطانية، أحد واضعي التقرير الأخير للهيئة: «أنا لا أحبذ إيراد مهلة 12 سنة. في الواقع، يتعين علينا التصرف على الفور بجدية أكبر من أي وقت مضى».
في خضم هذه الحيرة بسبب الأرقام المربكة، هناك أمران لا خلاف عليهما: أولاً، يتعين علينا خفض الانبعاثات العالمية الصافية إلى الصفر، وكلما أسرعنا كان الحال أفضل. وثانياً، تصبح الأمور أكثر سوءاً في حال لم نكن مستعدين لها، ولذلك يجب أن نكون جديين في التكيف مع الحياة على كوكب أعلى حرارة.
- بالاتفاق مع مجلة البيئة والتنمية