موسكو تمهد لـ«عملية فعالة» في إدلب... وأنقرة ترفض المشاركة

TT

موسكو تمهد لـ«عملية فعالة» في إدلب... وأنقرة ترفض المشاركة

بحث مجلس الأمن القومي الروسي أمس، الوضع في سوريا والخطوات التي سيتم اتخاذها هناك، على خلفية التحضيرات الجارية لعقد قمة روسية - تركية - إيرانية، الأسبوع المقبل، فيما تحدثت موسكو للمرة الأولى رسمياً عن إعداد لعملية عسكرية «منظمة وفعالة» في إدلب، وقالت إنه «لا يمكن السماح ببقاء محميات إرهابية في هذه المنطقة».
وأعلن الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث مع أعضاء مجلس الأمن الروسي الوضع في سوريا، في إطار التحضيرات الجارية لقمة ضامني مسار آستانة التي تنعقد الخميس في سوتشي.
وقال بيسكوف إن الاجتماع شارك فيه رئيس الوزراء دميتري مدفيديف، ورئيسة المجلس الفيدرالي (الشيوخ) فالانتينا ماتفيينكا، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الداخلية فلاديمير كولوكوتسيف، ورئيس إدارة الديوان الرئاسي أنطون فاينو. ودلّ الإعلان عن حضور الطاقم الموسع للمجلس، إلى أهمية الملف المطروح. ورغم أن بيسكوف لم يتطرق بشكل مفصل إلى أجندة القمة المقبلة، لكنه أشار إلى أن مستجدات الوضع في سوريا ستكون مطروحة على الطاولة، فيما أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، الذي عاد قبل أيام من جولة شملت بالإضافة إلى دمشق الأطراف المنخرطة في الملف السوري إيران وتركيا وإسرائيل، أن انسحاب القوات الأميركية من سوريا والوضع في إدلب، سوف يكونان على رأس الموضوعات المطروحة للبحث خلال القمة.
وفي أول إشارة رسمية روسية إلى الإعداد لعملية عسكرية في إدلب، قال فيرشينين إن «التحرك العسكري المحتمل في إدلب سيكون منظماً بشكل فعال إذا تم».
وكانت موسكو أعلنت أكثر من مرة سابقاً أنه «لا يمكن القبول ببقاء التهديدات الإرهابية من إدلب إلى الأبد». وتحدثت أوساط عسكرية عن ضرورة القيام بتحرك مشترك مع تركيا، وأشارت تسريبات إلى أن الوفود العسكرية الأمنية والعسكرية من البلدين ناقشت تفاصيل تحرك مشترك خلال الأسابيع الماضية، لكن موسكو تجنبت حتى الآن التعليق رسمياً على هذه المعطيات.
وقال فيرشينين لصحيفة «كوميرسانت» إن «إدلب هي آخر منطقة عاملة بين مناطق خفض التصعيد الأربع التي تم إنشاؤها في عام 2017. ومنذ البداية تم التأكيد في جميع اتفاقياتنا حول مناطق التصعيد، أن هذا تدبير مؤقت، وهذا يعني أنه لا يمكن الاعتراف من جانب أي طرف باستمرار الوضع في هذه المنطقة على هذا النحو إلى الأبد».
وزاد الدبلوماسي الروسي أن إدلب «جزء لا يتجزأ من الدولة السورية والأراضي السورية، ولن نسمح بوجود محميات للإرهاب في سوريا. وهذا يعني أيضاً أننا بما في ذلك الرئيس الروسي، قلنا بكل صراحة، إنه يجب القضاء على الإرهاب، إن آجلاً أم عاجلاً».
تزامن ذلك مع إعلان الخارجية الروسية، في وقت سابق أمس، أن موسكو «تنتظر من أنقرة تفعيل جهودها بتنفيذ الاتفاقات الروسية - التركية، بشأن تحرير محافظة إدلب السورية من الإرهابيين». وتطرق فيرشينين إلى ملف الانسحاب الأميركي من سوريا، وأكد أن موسكو «مستعدة للحوار مع واشنطن حول تفاصيل الانسحاب المحتمل».
وأوضح: «اتصالاتنا مستمرة، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، بخصوص الوضع في سوريا» وزاد أن موسكو تتابع عن كثب «كيفية قراءة» إعلان رئيس الولايات المتحدة عن انسحابها العسكري من سوريا وطريقة تطبيق هذه المبادرة، مضيفاً أن موسكو مستعدة «لمناقشة كل هذه القضايا في إطار اتصالات مباشرة مع الأميركيين».
وأعلنت أنقرة رفضها عملية عسكرية مشتركة مع روسيا في محافظة إدلب السورية، معتبرة أن وجود مجموعات متشددة لا يبرر مثل هذه العملية التي ستخلف ملايين اللاجئين، ورأت أن هناك استفزازات تهدف إلى تقويض اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، عبر هذه الجماعات المتشددة.
ووفقاً للدبلوماسي الروسي فقد «غيّر إعلان واشنطن عن قرار الانسحاب من سوريا الوضع والأجواء في المنطقة إلى حد كبير»، لكنه أشار إلى أن هذا الإعلان لم تعقبه «خطوات ملموسة»، موضحاً أن موسكو «لا ترى تغييرات كبيرة على الأرض، لكننا في أي حال نقول دوما إننا ضد كل وجود غير شرعي لعسكريين أجانب على أراضي دولة ذات سيادة، كما هو حال سوريا».
وقال فيرشينين إن موسكو تسعى إلى زيادة فعالية قنوات التنسيق والتنبيه المبكر بين روسيا وإسرائيل، مشيراً إلى أن عسكريين من الطرفين «يواصلون مناقشة تعديل الخط الساخن، وخاصة من خلال زيادة فترة التنبيه»، وأضاف أنه «لا يود الخوض في التفاصيل. والهدف الذي نسعى إليه أن تصبح آلية منع وقوع الحوادث أكثر فعالية، بهدف تجنب وقوع حوادث، مثل ذلك الذي حصل سابقاً».
إلى ذلك، قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن لدى موسكو معلومات تدل على تحضير تنظيم «جبهة النصرة» لشن هجوم كبير في إدلب، في سعيه إلى توسيع سيطرته في المنطقة. وزادت: «بحسب المعلومات الواردة، فإن (النصرة) دعت أواخر الشهر الماضي حلفاءها المزعومين من المجموعات العاملة في إدلب، للتعاون في التحضير لشن عملية عسكرية كبيرة محتملة... ومن البديهي أن هدف الإرهابيين النهائي هو بسط السيطرة على منطقة خفض التوتر في إدلب بأسرها».
كما ذكرت زاخاروفا أن «بين نشاطات الإرهابيين في إدلب تكديس مخزونهم من المواد السامة على طول حدود التماس مع القوات الحكومية السورية»، مضيفة أن الخارجية الروسية لفتت الانتباه إلى تقارير إعلامية تشير إلى قيام المسلحين بنقل حاويات عدة من غاز الكلور إلى إدلب.
وجددت زاخاروفا دعوة موسكو إلى تعزيز الحوار بين الأكراد السوريين والحكومة، مؤكدة أن «الحل المستدام للأزمة في سوريا يمر عبر مراعاة مصالح الأكراد كجزء لا يتجزأ من الشعب السوري». وأعربت المتحدثة عن قناعة روسيا بأن هذا الحوار يخدم «ضمان سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».