مع اقترابه من إتمام برنامج «الإصلاح»... كيف يبدو اقتصاد مصر في بيانات الصندوق؟

قطاع صناعة المنسوجات بمصر (رويترز)
قطاع صناعة المنسوجات بمصر (رويترز)
TT

مع اقترابه من إتمام برنامج «الإصلاح»... كيف يبدو اقتصاد مصر في بيانات الصندوق؟

قطاع صناعة المنسوجات بمصر (رويترز)
قطاع صناعة المنسوجات بمصر (رويترز)

تلقى البنك المركزي المصري أول من أمس (الأربعاء)، الشريحة قبل الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي، الذي أُبرم الاتفاق الخاص به في 2016 وسط ضغوط مالية قوية عانت منها القاهرة خلال السنوات السابقة، ومنحت المؤسسة الدولية مصر أقساطاً هذا القرض مع متابعة تطبيق برنامج «إصلاحي» اتفق الجانبان على بنوده.
ورغم التزام مصر بشكل كبير بشروط البرنامج، فإن العديد من التحديات لا تزال تواجه الاقتصاد المصري، حسب ما تظهره بيانات الصندوق عن مصر.
قبل أسابيع من إبرام الاتفاق بين مصر والصندوق كانت الفجوة بين السعر الرسمي للدولار في سوق الصرف المصرية والسعر الموازي تتسع بشكل متسارع، في ظاهرة عكست شح العملة الصعبة في الأسواق وتداولها بشكل واسع خارج القطاع المصرفي.
واستهلت مصر إجراءاتها «الإصلاحية» في نوفمبر (تشرين الثاني) بخفض عنيف في سعر صرف العملة الوطنية، حيث فقدت أكثر من نصف قيمتها، لكنها اتجهت إلى الاستقرار بعد هذا الإجراء.
وحسب البيان الصادر هذا الشهر عن المراجعة الأخيرة لصندوق النقد للاقتصاد المصري، ارتفعت احتياطيات النقد الأجنبي كنسبة من الناتج المحلي من 17.1% في 2015 - 2016 إلى 30.7% ثم إلى 43.5% خلال العامين اللذين شهدا بدء تطبيق برنامج «الإصلاح الاقتصادي» حتى 2017 - 2018.
وانعكس ذلك على عدد الأشهر التي يستطيع «المركزي» أن يغطيها من الواردات، والتي كانت تقتصر على 3 أشهر وتضاعفت إلى 6.6 شهر في نفس الفترة.
وأسهم هذا التحسن في توافر النقد الأجنبي في تحفيز النمو الاقتصادي الذي يقول الصندوق إنه ارتفع خلال هذه الفترة من 4.3% إلى 5.3%.
لكن لا يبدو أن هذا التحسن يستند إلى أسس مستدامة، فالديون لا تزال أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، ووفقاً لبيان صندوق النقد الأخير، فقد زادت نسبة الدين الخارجي الإجمالي، والتي تشمل ديون القطاع الخاص، للناتج الإجمالي في الفترة نفسها من 18.3% إلى 37.4%.
وساعد اتفاق الصندوق، البلاد على التوسع في إصدار السندات الدولارية في الأسواق الخارجية، كما استعادت مصر التدفقات القوية للاستثمار الأجنبي في سوق الدين المحلية، وإن كانت قد شهدت خلال الأشهر الأخيرة خروجاً قوياً للأجانب من ديونها في سياق أزمة الأسواق الناشئة.
وفي مقابل زيادة الديون لم تستطع البلاد تنمية تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل واضح، حيث زادت نسبة صافي هذه الاستثمارات من الناتج في الفترة نفسها من 6.8% إلى 7.4% فقط، ويضع الصندوق توقعات متفائلة لارتفاعها خلال العام المالي الجاري، الذي ينتهي في يونيو (حزيران)، إلى 9.5% ثم إلى 11.2% في العام التالي.
وخلال فترة تطبيق «الإصلاح الاقتصادي» زاد عجز الميزان التجاري، من 11.6% في 2015 - 2016 إلى 14.9% في 2017 – 2018، حسب بيان الصندوق، مما يزيد من الضغوط الخارجية على البلاد، وإن كان الصندوق يرجح تراجع العجز إلى 12.4% ثم إلى 11.3 في العامين التاليين.
ورغم الإجراءات التقشفية التي تبنتها مصر في سياق برنامج الإصلاح، والتي اشتملت تشريعاً لكبح النمو في ميزانية الأجور الحكومية مع تحرير أسعار الطاقة والتوسع في ضرائب الاستهلاك، فإن نسبة الدين العام إلى الناتج لم تتحسن كثيراً في فترة الإصلاح، حيث انخفضت من 96.6% في 2015 - 2016 إلى 92.6% في 2017 - 2018.
وأسهم التوسع في الديون الخارجية في زيادة أعباء المديونية، حيث زادت نسبة الدين الخارجي الحكومي إلى الناتج في نفس الفترة من 7.8% إلى 19.2%، وفقاً لبيانات الصندوق.
ويأمل الصندوق في أن تنخفض نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج إلى 86% في 2018 - 2019 ثم إلى 83.3% في 2019 - 2020.
ويقول عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إن البرنامج «الإصلاحي» ساعد مصر على تخفيف ضغوط المديونية الخارجية عبر استبدال الديون العامة قصيرة الأجل بديون طويلة الأجل.
لكنه أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما أراه أنه في السنوات القادمة اعتماد مصر على الاقتراض من أجل خدمة ديونها القائمة سيستمر، ما يعني ترشيح الدين العام الخارجي للزيادة وإن جرى خلاف حول مقدار هذه الزيادة، وهو أمر مرتبط بأداء القطاعات المولّدة للعملة الصعبة اللازمة للوفاء بالتزامات الخدمة».
وبعيداً عن أداء مصر مع الديون، فإن الصندوق يضع مؤشراً لعجز الموازنة يرصد الفرق بين النفقات والإيرادات العامة بعد استبعاد نفقات الديون تحت اسم الميزان الأوّلي للموازنة، وقد حقق هذا المؤشر تقدماً خلال فترة القرض، حيث تحول من عجز بـ3.5% في 2015 - 2016 إلى فائض متوقَّع في العام المالي الحالي بـ2%.
وإحدى آليات الوصول إلى هذا الفائض هي عملية تحرير الطاقة التي دعمها الصندوق خلال السنوات الأخيرة، والتي تسببت في ضغوط تضخمية متوالية.
ويتطلع الصندوق إلى أن تخفض مصر نفقاتها على دعم الطاقة لأقل من النصف خلال فترة الإصلاح، من 4.1% من الناتج في 2016 - 2017 إلى 1.2% في 2019 - 2020.
وقال في بيانه الأخير عن البلاد إن السلطات المصرية ملتزمة بالوصول بأسعار معظم بنود الوقود لسعر التكلفة بحلول منتصف العام الجاري، وتطبيق عملية تسعير أوتوماتيكية للوقود، وهو ما يدعم كفاءة استهلاك الطاقة ويساعد الحكومة على توفير التمويل لبنود أكثر أولوية مثل التعليم والصحة، على حد قول الصندوق.
لكن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة حقوقية)، تقول إن العبء السنوي لسداد الديون ارتفع إلى 441 مليار جنيه (24.5 مليار دولار)، وهو ما يعادل أربعة أضعاف ميزانية التعليم في السنة المالية الحالية و8 أضعاف ميزانية الصحة.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
TT

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني» لأنها تمنع الإنفاق الضروري على الدفاع وغيرها من الأولويات.

وأضاف المرشح عن حزب «الخضر» لمنصب المستشار في مؤتمر صناعي في برلين يوم الثلاثاء: «هذه القواعد لا تتناسب مع متطلبات العصر»، وفق «رويترز».

وأشار هابيك إلى أن الحكومة الائتلافية تفاوضت بشكل غير صحيح على إصلاحات القواعد الأوروبية، دون أن يذكر كريستيان ليندنر، وزير المالية السابق المسؤول عن تلك المفاوضات.

وأدى نزاع حول الإنفاق إلى انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما قام المستشار أولاف شولتز بإقالة ليندنر، المعروف بتوجهاته المتشددة في مجال المالية العامة، ما فتح الباب لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وفي إشارة إلى مطالبات بإعفاء الإنفاق الدفاعي من القيود المفروضة على الاقتراض بموجب الدستور، قال هابيك: «لا يمكننا التوقف عند مكابح الديون الألمانية». وأضاف أن ألمانيا قد تضطر إلى تحقيق مزيد من المدخرات في موازنتها لعام 2025 للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي المالية، حتى إذا التزمت بالحد الأقصى للاقتراض بنسبة 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كما ينص دستور البلاد.

وبعد أشهر من النقاشات، وافق الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2023 على مراجعة قواعده المالية. وتمنح القواعد الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) الدول أربع سنوات لترتيب شؤونها المالية قبل أن تواجه عقوبات قد تشمل غرامات أو فقدان التمويل الأوروبي. وإذا اقترن مسار خفض الديون بإصلاحات هيكلية، يمكن تمديد المهلة إلى سبع سنوات.

وأشار هابيك إلى أن القواعد الجديدة قد تسمح بزيادة الاقتراض إذا أسهم ذلك في زيادة النمو المحتمل.

وردّاً على انتقادات هابيك، قال ليندنر إن الدول الأوروبية بحاجة إلى الالتزام بحدود إنفاقها، مشيراً إلى «قلقه الشديد» بشأن مستويات الديون المرتفعة في فرنسا وإيطاليا. وأضاف ليندنر لـ«رويترز»: «الوزير هابيك يلعب باستقرار عملتنا». وأكد قائلاً: «إذا شككت ألمانيا في قواعد الاتحاد الأوروبي المالية التي تفاوضت عليها بشق الأنفس أو خالفتها، فإن هناك خطراً في انفجار السد».