مواجهة مفتوحة بين «بوتين الجزائر» والجنرال حليف بوتفليقة

توتر وتهديد طبعا التحضيرات لرئاسية 18 أبريل 2019

مواجهة مفتوحة بين «بوتين الجزائر» والجنرال حليف بوتفليقة
TT

مواجهة مفتوحة بين «بوتين الجزائر» والجنرال حليف بوتفليقة

مواجهة مفتوحة بين «بوتين الجزائر» والجنرال حليف بوتفليقة

يتوقع مراقبون لانتخابات الرئاسة التي ستجري بالجزائر في 18 أبريل (نيسان) المقبل، انحصار المواجهة بين مرشحين: الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي لم يعلن رغبته تمديد حكمه... مع أن الأمر بات شبه مؤكد. واللواء المتقاعد علي غديري الذي يلقى عداءً شديداً من طرف الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش و«الرجل القوي» في النظام... الذي يبدي ولاءً شديداً للرئيس بوتفليقة ويريده أن يبقى في الحكم.
آخر فصل في المواجهة بين الرجلين أن صالح، الضابط العسكري الكبير في الرتبة والسن (يقترب من الثمانين)، منع غديري الضابط المتقاعد منذ ثلاث سنوات، من حضور جنازة الوزير المنتدب للدفاع، اللواء عبد المالك قنايزية الذي ووري التراب الأربعاء الماضي. إذ أغلقت سيارات تابعة لجهاز الأمن الطرق التي تربط «الإقامة الانتخابية» لغديري بالمقبرة؛ حيث جرى تشييع العسكري الراحل. وأبلغ رجل أمن غديري صراحة أن «السلطات العسكرية العليا في البلاد لا ترغب في رؤيتك بالمقبرة». وكان رجل الأمن، في الحقيقة، حاملاً لرسالة من قايد صالح مفادها أنه لا يريد أن يجمع بينه وبين غديري مكان واحد، والسبب أن الأخير «تجرأ وأعلن أنه سيترشح للرئاسة، بينما النظام وقلبه النابض الجيش، لم يختاراه لهذا المنصب». هذه هي الرسالة التي فهمتها الطبقة السياسية ووسائل الإعلام، من خلال منع غديري من حضور جنازة قنايزية.
يتساءل المتسائلون حول مآل انتخابات الرئاسية في الجزائر عن ذلك الرجل الذي يثير كل هذا الخوف في رجال النظام...
هل يمكن أن ينافس اللواء المتقاعد علي غديري، حقاً، مرشح النظام في انتخابات يعلم الجميع أن نتائجها محسومة سلفا لمن ينال رضى المؤسسة العسكرية؟
وهل تدعم أي جهة في السلطة اللواء المتقاعد الذي كان مدير الموارد البشرية بوزارة الدفاع سابقاً؟
محمد أرزقي فرّاد كاتب وناشط سياسي، يقرأ هذه الشخصية المثيرة للجدل، فيقول: «بعد حصول علي غديري على التقاعد عام 2015م، شرع في الكتابة لإبراز أفكاره السياسية الجريئة الساعية إلى التغيير، وأشار فيها إلى معارضته للعهدة الخامسة للرئيس الحالي، كما نبّه قائد أركان الجيش بلباقة إلى مسؤوليته أمام التاريخ في حالة قبوله بتمديد العهدة الرئاسية الحالية أو تزكية عهدة خامسة. وأمام إصراره على الترشح، بدا للرأي العام وكأنه يزحف إلى الساحة السياسية عن طريق (المرور بالقوة)، كما يقال بلغة الرياضة».

بصمات المخابرات القديمة في الرئاسية
ويرى فرّاد، وهو برلماني سابق، أن «ما يثير الحيرة في تصريحات المترشح علي غديري وتصرفاته أنه، رغم ما سببه من قلق لمسؤول المؤسسة العسكرية، فإن هذا الأخير قد اكتفى بتنبيهه بما يحفظ له ماء الوجه فقط!! ولذا كثرت علامات الاستفهام حول الجهة التي تحميه؟ وهل يعتبر غديري واجهة للمخابرات السابقة (تحديداً، محمد مدين، مدير المخابرات المعزول عام 2015) التي لا تزال تتمتع بالقدرة على المناورة؟ وهل يستفيد من دعم قوى خارجية؟
هل يسير وفق خريطة طريق مرسومة في جهة ما؟ وما هي الجهة التي تموّل حملته الانتخابية؟ وهل يمكن حصرها في رجل أعمال معروف؟
هل يندرج ترشحه ضمن صراع العُصب النافذة في النظام السياسي الجزائري؟ وهل يترشح غديري للفوز بمنصب الرئيس... أم أن هدفه التموضع تأهباً للاستحقاقات القادمة؟ إنها أسئلة كثيرة ومهمة... لكن الإجابة عنها عصيّة حتى الآن».
وأضاف فرّاد: «بالنسبة للرأي العام، فقد انقسم بين معجب بهذه الشخصية التي يراها البعض هبة من الله لإنقاذ الجزائر، وبين رافض لها على أساس أن الحلّ لا يمكن أن يأتي من أحد أبناء المؤسسة العسكرية، التي كانت هي السّبب في إحداث أزمة سياسية حادة حول الحكم، غداة استرجاع الاستقلال. ذلك أن الرافضين لترشح غديري يعتبرون أن ترشّحه يندرج ضمن صراع العُصب على السلطة وليس إلاّ. أيضاً هؤلاء يستذكرون مسؤوليته في دعم نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره رقما بارزا في الفريق النافذ سابقاً، ويشكّون كذلك في قدرته على إحداث القطيعة التامة مع النظام الحالي المدعّم من الخارج». ثم تابع: «... أمّا المعجبون بترشح علي غديري، فهم لا يرون غضاضة في أن يترشح ضابط سابق لمنصب رئيس الدولة، فهو مواطن قبل كلّ شيء. أضف إلى ذلك أنه يتمتع بثقافة الدولة والوطنية الصادقة والكفاءة العالية والشخصية القويّة. ثم إنه ليس من الإنصاف تصنيف كل المنتمين إلى المؤسسة العسكرية في خانة المستبدين. بل وأكثر من ذلك فإن المعجبين المؤيدين يرون أن المؤسسة العسكرية تُعَدّ في طليعة المؤسسات العمومية التي تضمن تكويناً علمياً ومهنياً راقياً، مع تحصين المنتسبين إليها بالوطنية الصادقة. وفضلا عن ذلك فهناك بعض الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل، تؤمن بدور العسكر في صناعة الحل للأزمة السياسية الحادة، ما دامت الطبقة السياسية الحالية ضعيفة وعاجزة عن تحقيق ذلك بمفردها. هذا ولم يتوان بعض أنصاره عن إضفاء صفة (بوتين الجزائر) عليه، كناية عن قوة شخصيته».
ومن ثم، يعتقد فرّاد أن «ظهور غديري فتح نقاشاً سياسيا قد يطول. وفي الحقيقة فإن ما يُهِمّ المواطن، هو إحداث نقلة سياسية نوعية تعيد الاعتبار للسيادة الشعبية في اختيار المسيّرين للشؤون العامة، وفق القواعد الديمقراطية المعروفة، ولا تهم صفة الجهة التي يتحقق على يدها هذا المكسب، مدنيّة كانت أو عسكريّة. وصدق سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وكرّم وجهه) حين قال: لا تنظر إلى مَنْ قال، بل انظر إلى ما قال».

بين «كاريزما» الجنرال وحرية السياسي
في السياق نفسه، يقول الكاتب ذو التوجه الإسلامي، الأخضر رابحي، إنه تابع إطلالات غديري في الإعلام، وآخرها كان في مقابلة بالفيديو بثتها صحيفة إلكترونية، وقد انتهيت إلى الملاحظات التالية:
- الرجل متحفظ جداً حتى في أسئلة الشؤون الاجتماعية وقضايا الفساد، بل أكاد أجزم أنّ التحفظ غلب عليه وظهرت شخصيته العسكرية التي غطّت على الشخصية السياسية.
- لا يتحكّم جيداً في لغة الحوار والتواصل، ومرتبك جداً... يبدو عليه الخوف والاضطراب في لحن القول وفي ملامحه.
- لا يتحكّم في أي ملف لا اقتصادي ولا ثقافي ولا سياسي، وعباراته كلها تقليدية ذات صبغة عمومية مثل «نهيكل المؤسسات» و«نصلح المؤسسات».
- لا يتمتع بـ«كاريزما» الجنرال ولا حرية السياسي، بل هو ضائع بينهما... وتغلب عليه صفة الإداري التابع الذي يكثر من الإحالات على غرار «اسأله هو» و«اسألهم هم».
- لا يملك المصطلحات الكفيلة بالإجابة عن كل سؤال، بل هو كثير التأجيل يكثر من قول «سنرى» و«سننظر» و«سأجيبك أثناء الحملة».
- ظهر «رماديا»... حاول كسب الجميع وتحاشى استعداء أي أحد بما فيها بوتفليقة وعائلته.
وأضاف رابحي، وهو متتبع حذق للأحداث السياسية: «سجّلت ملاحظات... وعليه يمكن أن أقول ومن خلال متابعتي له، إنه لم يظهر بشخصية السياسي ولا بشخصية العسكري وضاع بينهما، ولم يظهر بمظهر الرئيس الواثق من نفسه ويما يقوله. ربما هي الحمولة الآيديولوجية التي سوّق بها وهي ما أعطته الزخم. وفي تقديري سينطفئ وهجه سريعاً، لأنه شخصية مأمورة أو قل متضخمة فقط، تفتقر لـ(كاريزما) السياسي المتحرر، مع احترامي له».

ماذا عن بوتفليقة؟
وفي الجهة المقابلة، يظهر الترقب كبيرا حيال موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فهل «سيفعلها» ويعلن رغبته في تمديد حكمه، وهو الذي أمضى 5 سنوات كاملة هي طول مدة الولاية الرابعة، عاجزاً عن الكلام وعن الحركة؟ هذا السؤال يتداوله قطاع واسع من الجزائريين، كما يتساءلون عمّا إذا كان هو مَن سيختار خليفته في حال عزف عن الترشح للرئاسة.
المعروف أن أربعة أحزاب، تسمى «أحزاب التحالف الرئاسي»، ناشدت الرئيس تمديد حكمه، على رأسها «جبهة التحرير الوطني»، التي هي بيته السياسي منذ أيام ثورة التحرير (1954 - 1962). ولقد استعدت آلاف الجمعيات والتنظيمات، التي تعيش من المال العام، لحملة إشهار كبيرة لصالحه، بمجرد أن يعلن ترشحه. والشائع حالياً أن ذلك سيكون «في غضون أيام»، بمناسبة تدشين «الجامع الكبير»، والمطار الدولي الجديد، وهما مشروعان كبيران مُصنّفان ضمن «إنجازات الولاية الرابعة».

«بذور ثورية»
وليد عبد الحي (فلسطيني)، متخصّص في القضايا الدولية، وأستاذ درّس العلوم السياسية بجامعة الجزائر في تسعينات القرن الماضي، كتب عن الظروف التي تحيط بالانتخابات، من موقع الخبير في شؤون الجزائر. ومما يقوله: «تشكل إعادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية لترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مماحكة لتاريخ وثقافة المجتمع الجزائري، فهذا المجتمع كنت قد عايشته، بل وأنجزت بحثاً مرهقاً عنه وتحاورت مع نخبته السياسية (من رؤساء أو رؤساء حكومات) ونخبته العسكرية (في أكاديمية شرشال وقادة مختلف الأسلحة) ونخبته الفكرية (لا سيما في المؤسسات العلمية) ونخبته الدينية (بخاصة من «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي كتبتُ الكثير من المقالات لصحيفتها «العقيدة») ولحركة حماس (زمن المرحوم محفوظ نحناح)، ناهيك من قيادات في جبهة التحرير وفي الصحف الرسمية وغير الرسمية والصحف المختلفة. هذه الخلفية، تجعلني أؤكد على الملامح التالية في المجتمع والثقافة الجزائرية والتي يبدو أن جبهة التحرير تماحكها».
ويشرح عبد الحي ما رمى إليه بالقول إنه في المجتمع الجزائري «بذور ثورية يمكن تلمّسها في ثقافة كراهية ما يسميه المجتمع الجزائري بلهجته (الحُقْرة)، والمتمثلة في التعالي على الآخرين. وتشبّث جبهة التحرير برجل مقعد ومريض - مع كل الاحترام لتاريخه السياسي - هو شكل من (الحقرة) للنخب الجديدة التي أفرزتها مرحلة ما بعد الاستقلال الذي مضى عليه نحو ستة عقود. وهو ما يعني أن الفارق بين معدل جمهور ما بعد الاستقلال وعمر الرئيس المُعاد ترشيحه وهو 82 سنة كبير للغاية، فهل يعقل أن 60 سنة من جيل ما بعد الاستقلال بكل ما يعنيه من تحوّلات اجتماعية وسياسية واقتصادية وتكنولوجية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لم يفرز من هو مؤهّل لشغل المنصب؟ وأجزم، استناداً لمعرفتي بأن في الجزائر عقولاً وقدراتٍ علمية ذات مستوى عالمي... قادرة على إدارة الدولة بما يتناسب مع التطور العالمي، لكنها نخب (محقورة) بفعل منظومة القيود التي صنعها جيل الثورة».
وأردف عبد الحي: «موقع الجزائر في التصنيفات الدولية، خلال السنوات العشر الماضية، لا يشير إلى أنها تسير نحو الأفضل لكي يجري تبرير تشبث نخبة جبهة التحرير بالسلطة. ودعوني ألق نظرة على هذا الترتيب للجزائر عالمياً (استنادا لمقاييس دولية متعددة وحساب المعدل العام لتقييماتها):
- مؤشر الديمقراطية: ترتيب الجزائر هو 126 بين 167 دولة، وحصيلتها هي 3.5 من عشرة وتقع ضمن الدول السلطوية.
- مؤشر الفساد: تحتل الجزائر المرتبة 105 من بين 180 دولة وبمعدل نزاهة هو 35 من مائة.
- مؤشر الاستقرار السياسي: تحتل المرتبة 104 في معدل الاستقرار الحكومي بين 178 دولة وبمعدل 63.16 من مائة (وتشمل المؤشرات الفرعية لهذا المقياس 12 مؤشرا هي تدخل الأجهزة الأمنية، وحراك النخب الفئوية، وتظلمات الفئات الاجتماعية، والتراجع الاقتصادي، واللاتساوي في توزيع الثروة بين الأقاليم الجغرافية للدولة، ونقص مراعاة حقوق الإنسان وهجرة الأدمغة، ومدى شرعية السلطة، ومستوى الخدمات العامة، ومدى العدالة في تطبيق القانون، والضغوط السكانية، والهجرات الأجنبية نحو الدولة والضغط السكاني، وحجم التدخل الخارجي في سلوك الدولة).
- مؤشر العسكرة (militarization) ونفقات التسلح: تحتل الجزائر في مستوى العسكرة (وهو معدل الأنفاق العسكري قياساً لإجمالي الناتج المحلي وعدد الجيش قياساً لعدد السكان ومقارنة النفقات الصحية بالنفقات العسكرية) المرتبة 14 في العالم بمعدل 74.3 من مائة، وفي الإنفاق العسكري قياسا لمعدل الناتج المحلي تحتل الجزائر المرتبة الخامسة عالمياً بمعدل 5.7 من مائة، وهو ما يشكل 16.1 من مائة من إجمالي نفقات الحكومة ما يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً في نسبة الأنفاق العسكري من مختلف نفقات الحكومة الأخرى (الصحة والتعليم والبنية التحتية...الخ).
- في مؤشر مستوى التعليم تحتل الجزائر المرتبة 102 بين 149 دولة (ويجري قياسه من خلال نوعية التعليم، والقدرة على الالتحاق المدرسي، وحجم رأس المال البشري)
ثم استدرك موضحاً: «ما سبق لا ينفي بعض المؤشرات الإيجابية، مثل الفروق في الدخل وحجم الطبقة الوسطى، والذي تحقق فيه الجزائر موقعاً لا باس به، طبقا لمؤشرات البنك الدولي وتقارير الأمم المتحدة دون المبالغة في دلالاته وتداعياته السياسية والاقتصادية. وأغلب ما اطلعت عليه من دراسات غربية وعربية وآسيوية، يشير إلى أن إعادة ترشيح بوتفليقة في ظروفه الصحية الحالية، وفي ظل عمره (يزيد على معدل عمر الرجال في الجزائر بنحو 9 سنوات) قد ترك انطباعا سيئا عن بنية السلطة، وعن حيوية النخب السياسية الجزائرية».
وخلص عبد الحي إلى القول: «يبدو أن الثورات تفقد خصوبتها بعد المولود الأول لها، وعليه تبقى مصرة على رعايته دون غيره... الجزائر دولة لها بريقها في الوعي الجمعي العربي والأفريقي بل والعالم الثالث كله، فلماذا تصرّ بعض نخبها التاريخية على حرمانها من تجديد دورها التاريخي عبر نخب جديدة؟ هل هي ثقافة مماحكة التاريخ؟ أم بريق الكرسي؟ أم مصالح الدولة العميقة؟ أم المساندة الخارجية الكاملة؟.. أم كلها معا.. ربما».

عبد الرزاق مقري.. يطرح نفسه مرشحاً لـ«التوافق الوطني»
- في سياق المواجهة الجارية، بين اللواء المتقاعد علي غديري وأنصاره والفريق الذي يدعم الرئيس بوتفليقة، يتنقل عبد الرزاق مقري رئيس «حركة مجتمع السلم» («حمس» حالياً، وحماس سابقا) الإسلامية، بين الولايات ليشرح رؤيته لحل أزمات البلاد.
ولقد بدأ بالفعل في جمع التواقيع (60 ألفا) الخاصة بالترشح مبديا عزما على الفوز. وقال بهذا مقري الخصوص: «إن أمر الوطن جد وليس بالهزل. إنه وديعة الشهداء والمجاهدين. إنه وطن واحد ليس لنا غيره.. صلاحه صلاحنا وسلامته سلامتنا. هو أمانة بين أيدينا. قد يُعذر في التفريط فيه بسطاء أهله ممن لا يعرفون الأمور على حقيقتها، ولكن لا يعذر أبدا خلّصه ونخبه وقادته الذين يعرفون الحقائق ومآلات الأوضاع».
ويقول مقري إن الجزائر «تملك من الخيرات ما يجعلها بلداً مزدهراً ومتطوراً قوياً بين الأمم ومع ذلك لم تتطور. السبب ليس بالبرامج والأفكار التي هي متوافرة وموجودة بكثرة، أو تجارب نجاحات الدول التي كانت في مستوانا قبل سنوات مكتوبة ومرصودة وموثقة في متناول الجميع، إنما الأمر يتعلق بعدم الرشد في الحكم، وقلة كفاءة المسؤولين، وغياب إرادة الإصلاح وسيطرة الفساد وهيمنة المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية».
ويصف مقري نفسه بـ«مرشح التوافق الوطني... فإذا انتخبني الشعب لرئاسة الجمهورية، فسيكون أول مشروع لي التوافق الوطني وجمع الجزائريين، والطبقة السياسية حول رؤية سياسية واقتصادية تخرج البلد من الأزمة».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.