عبدالله الأنقر... لاعب كرة سلة لم تهزمه قدمه المبتورة

أصيب في إحدى مسيرات العودة في غزة

عبدالله الأنقر وكرة السلة («الشرق الأوسط»)
عبدالله الأنقر وكرة السلة («الشرق الأوسط»)
TT

عبدالله الأنقر... لاعب كرة سلة لم تهزمه قدمه المبتورة

عبدالله الأنقر وكرة السلة («الشرق الأوسط»)
عبدالله الأنقر وكرة السلة («الشرق الأوسط»)

بحماسة وعزيمة انطلق عبدالله الأنقر - 14 عاماً - على كرسيّه المتحرك بقدم واحدة متحفّزاً لالتقاط كرة السلة، تزامناً مع صوت صافرة مدربه في اشارة لبدء التدريب بنادي السلام الرياضي في قطاع غزة.
الفتى من ذوي الاعاقة الحركيّة، إلاّ أنه لم يستسلم، واستطاع تغيير المعادلة بقلب الموازين، فجعل من فقدانه قدمه اليسرى بعد بترها محركاً للاستمرار في السعي إلى تحقيق الهدف الذي طالما حلم به، ووجد في ممارسة كرة السلة طوق نجاة.
فقد عبدالله قدمه بعدما أصيب فيها بشكل مباشر برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال مشاركته في إحدى مسيرات العودة الكبرى في 13 مايو (أيار) من العام الماضي، برفقة أصدقائه الذين جمعهم حلم العودة الى أرض آبائهم وأجدادهم.
يومها، خرج ثلاثة أصدقاء مع عبدالله حاملين كرة للعب بها. وفور وصولهم إلى مخيمات العودة على طول الحدود في منطقة الشجاعية شرقاً، بدأ جنود إسرائيليون إطلاق نيران قناصتهم بشكل مباشر دون سابق إنذار، فأصيب عبدالله في قدمه وسقط أرضاً. وعندما حاول رفاقه إنقاذه أُطلقت عليه النار فأصابته رصاصة ثانية في القدم نفسها. ولم يسمح الجنود لسيارة إسعاف بنقله إلى المستشفى، بل فرّقوا الجميع وخطفوه.
رقد الفتى 18 يوماً في أحد أسرّة مستشفى سيروكا الاسرائيلي، ولم تعرف عائلته شيئاً عن مصيره إلا بعد أسبوع حين أخبرهم الصليب الأحمر بمكان وجود ابنهم وحالته الصحيّة، وتسنّى لوالده وحده زيارته.
تقول والدته رانية الأنقر لـ "الشرق الأوسط": "لم يكن وقع خبر اصابة ابني سهلاً بل شكّل لي صدمة كبيرة لم أستفق منها حتى رأيته عائدا إليّ، وانفطر قلبي عندما علمت ان قدمه بترت فهو ابني المدلل وكان سندي وعوني في المنزل مع أشقائه الأربعة".
وتضيف رانية أن عبدالله "خرج ليلعب مع أبناء الجيران في مخيمات العودة فقط ولم يتجه صوب السلك الفاصل أبداً، فما الخطر الذي شكله على الاحتلال حتى يطلقوا عليه النار بشكل مباشر؟ هذه جريمة يجب أن يحاسب عليها الاحتلال الاسرائيلي".
وبينما تعيش والدة عبدالله حسرتها على حال ابنها، يكافح هو رافضاً إثارة شفقة مَن حوله، على الرغم من أنه لم يتقبل بادئ الأمر وضعه الصحي. يقول: "بعدما أمضيت ١٢ يوما في العناية المركّزة في المستشفى الاسرائيلي استيقظت من الغيبوبة وبدأت أتحرك لكني لم أشعر بقدمي. وحين أخبرني الطبيب بأنهم بتروها، شعرت بأن الدنيا توقفت ورحت أصرخ بشكل مستمر، فراحوا يحقنونني بمهدّئات بين الفينة والأخرى".
يضيف عبدالله: "بعد فترة من تلقي صدمة البتر لجأت إلى العلاج النفسي، وتحسنت حالتي بعد خروجي من المستشفى وعودتي الى غزة حيث شعرت بالأمان بين أهلي... بدأت أتقبل وضعي وقررت تحدي البتر بالإصرار ومحاربة الاحتلال الاسرائيلي بإرادة لن تهزم".
لم يتردد عبدالله في شق طريق النجاح الذي رسمه لنفسه، فهو يواظب بشكل يومي على الالتزام بالتدريبات تمهيداً لمشاركته في بطولات كرة السلة على مستوى محافظات فلسطين التي ستقام بعد أقل من ثلاثة أشهر.
المدرب الرياضي لذوي الاعاقة حركيّا في نادي السلام رشاد الجماصي يؤكد أن عبدالله من الفتيان الذين يتميزون بسرعة البديهة والقدرة على اتقان التمارين الرياضيّة. ويوضح أن النادي "يضم بين أسواره أصحاب الهمم ممن فقدوا أعضاء بسبب الحروب المتكررة على القطاع وأخيراً مسيرات العودة، وتتنوع إعاقاتهم بين حركية، سمعية، بصرية. وجمعيهم يجدون ضالتهم بين جدران النادي وسط أقرانهم ويحملون أهدافاً يسعون لتحقيقها ويشجعون بعضهم بعضاً".
ويشير الجماصي الى أنّ التدريبات الرياضية لا تقتصر على كرة السلة وكرة القدم والكاراتيه، بل هناك جلسات دعم نفسي لدعم المنتسبين وتحفيزهم للاندماج في المجتمع.

*من «مبادرة المراسل العربي»



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».