تفاهمات بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان

بغداد وأربيل شكلتا لجاناً مشتركة لأمن المناطق المتنازع عليها

TT

تفاهمات بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان

شهدت معضلة تشكيل حكومة إقليم كردستان العراق، المتعثر منذ نحو 5 أشهر، انفراجاً جزئياً خلال الاجتماع المشترك الذي عقد، في أربيل أمس، بين قيادتي الحزبين الحاكمين؛ «الديمقراطي» و«الاتحاد الوطني»، بعد تأجيل متكرر لأسابيع عدة بسبب تفاقم الخلافات السياسية بين الحزبين على خلفية قضايا جانبية.
وتوصل الحزبان خلال الاجتماع الذي ترأسه نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي، وكوسرت رسول علي النائب الأول للأمين العام لحزب الاتحاد الوطني، إلى جملة تفاهمات مشتركة من شأنها تنقية الأجواء المتوترة بين الجانبين، وتمهيد الأرضية لتذليل العقبات التي كانت تعترض انبثاق حكومة الإقليم المنتخبة منذ 30 سبتمبر (أيلول) 2018، لا سيما مسألة انتخاب محافظ كردي جديد لكركوك، طبعاً بعد انعقاد (اجتماع) أعضاء الحكومة المحلية في كركوك عن «الديمقراطي»، وكذلك آلية تقاسم الحقائب الوزارية والمناصب التي من حصة المكون الكردي، في الحكومة الاتحادية.
إلى ذلك، أكد سعدي أحمد بيرة، القيادي والمتحدث الرسمي باسم «الاتحاد الوطني» عضو الوفد المفاوض، أن قيادتي الحزبين اتفقتا خلال الاجتماع الذي استغرق أكثر من 4 ساعات، على تفعيل اللجنة الثنائية المشتركة المكلفة صياغة برنامج عمل الحكومة المقبلة، بدءا من مطلع الأسبوع المقبل، بغية بلورة برنامج عمل متكامل يحال لاحقاً إلى قيادتي الحزبين للاتفاق بشأنه. وقال بيرة في مؤتمر صحافي مقتضب: «لقد تقرر تحديد 18 من الشهر الحالي، موعداً لاجتماع برلمان الإقليم، بالتزامن مع انعقاد (اجتماع) الحكومة المحلية في كركوك في اليوم ذاته، وبحضور أعضاء الحزب الديمقراطي، بغية انتخاب محافظ جديد لكركوك، وتطبيع الأوضاع وتصحيح الإجراءات اللاقانونية واللادستورية المتخذة هناك، لأن كركوك هي المحافظة الأولى في العراق من حيث الأوضاع اللاطبيعية، وذلك بموازاة حل المشكلات العالقة مع السلطات الاتحادية بهذا الخصوص».
وأوضح بيرة أن الورقة السياسية التي اتفق عليها الجانبان في ذلك الاجتماع، ستكون بمثابة الإطار الذي يحدد طبيعة وآلية العمل المشترك بين الحزبين، ضمن نطاق الحكومة المرتقبة، وستكون تعريفاً واضحاً لمعنى الشراكة الحقيقية بينهما في إدارة شؤون الإقليم، وستلقي بظلالها على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعلاقات مع المحيط الخارجي، والمجالات الأمنية والاجتماعية والطاقة... وغيرها في الإقليم.
ورغم أن بيرة لم يشر بوضوح إلى طبيعة الاجتماع المرتقب لبرلمان الإقليم، فإن المعلومات المسربة تفيد بأنه سيكرس لانتخاب أعضاء الهيئة الرئاسية للبرلمان، وعلى رأسها رئيس السلطة التشريعية الذي سيكون، بحسب تلك المعلومات، من حصة «الاتحاد الوطني»، فيما تكون رئاسة الحكومة من حصة «الديمقراطي» بطبيعة الحال، أما رئاسة الإقليم، فهي خارج نطاق التفاوض، وهي محسومة لـ«الديمقراطي» أيضا، بحسب ما أكد فاضل ميراني، سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي.
من جانب آخر، أكد الفريق جبار ياور، أمين عام وزارة البيشمركة في حكومة الإقليم، أن اجتماعاً مشركاً على مستوى رفيع عقد أول من أمس بين وزارة البيشمركة ووزارة الدفاع العراقية في أربيل، وأن الجانبين اتفقا على تشكيل 5 لجان مشتركة للتعاون والتنسيق العسكري في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى، إضافة إلى منطقة مخمور، مشيراً إلى أن تلك اللجان ستبدأ اجتماعاتها؛ كل في منطقتها، مع بداية الأسبوع المقبل لاتخاذ القرارات المتعلقة بكيفية تعزيز الأوضاع الأمنية هناك، منوهاً بأن الخطط التي اتفق بشأنها الجانبان على قدر كبير من السرية والأهمية وأنه لا يمكن الإفصاح عن تفاصيلها.
وكانت مصادر مطلعة قد أشارت إلى أن قوات البيشمركة والجيش ستتولى تأمين المحيط الخارجي للمدن والبلدات في المناطق المسماة دستورياً «المتنازع عليها»، بما في ذلك مدينة كركوك، على أن تتولى الشرطة وقوى الأمن الداخلي، زمام الجانب الأمني في الداخل.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.