1.8 مليون شخص ما زالوا نازحين في العراق

بعد عامين على نهاية الحرب ضد «داعش»

TT

1.8 مليون شخص ما زالوا نازحين في العراق

كشف رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير، أمس، عن وجود مليون و800 ألف شخص ما زالوا نازحين داخل العراق، بعد أكثر من عام على انتهاء العمليات القتالية الرئيسية ضد تنظيم داعش.
وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أعلن في ديسمبر (كانون الأول) 2017، الانتصار العسكري على «داعش» الذي كان قد سيطر على نحو ثلث الأراضي العراقية بعد يونيو (حزيران) 2014.
وزار ماورير العراق مطلع الشهر الجاري لمدة أربعة أيام التقى خلالها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي. وذكر ماورير في بيان صدر أمس، أن اللجنة الدولية طالبت السلطات العراقية خلال عام 2018، بـ«إيضاح مصير أكثر من 1050 مفقوداً وفتح 5250 طلباً جديداً للبحث عن المفقودين»، معتبراً أن «إعادة بناء النسيج الاجتماعي في العراق يعد أمراً أساسيا لكي يستطيع البلد أن يطوي صفحة الماضي المليء بالعنف»، مشيراً إلى «التحديات الاستثنائية التي لا تزال تواجه المجتمعات المحلية في عموم محافظات العراق، بضمنها وجود 1.8 مليون شخص ما زالوا نازحين داخل العراق، وأن واحدا من أصل ثلاثة نازحين تقريباً يعيشون في المخيمات».
وبيّن ماورير أن «حجم الدمار الذي شهده العراق مفزع للغاية، لكن المسألة الأقل وضوحاً للعيان هي الجروح التي خلفها هذا الدمار في المجتمع العراقي، وإذا أراد العراق الوقوف على قدميه مجدداً، فعلى المجتمع أن يعمل لتحقيق المصالحة مع ضمان العودة الآمنة والطوعية دون تمييز لجميع النازحين العراقيين الذين يرغبون بالعودة إلى منازلهم».
وتطرق المسؤول الأممي إلى «الحاجة الماسة للكشف عن مصير أعداد كبيرة من الأشخاص لا يزالون مفقودين نتيجة لعقود من النزاعات المسلحة المختلفة وتقدر أعدادهم بمئات الآلاف».
من جانبه، اعترف عضو المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان العراقية علي البياتي بأعداد النازحين الكبيرة التي أعلن عن المسؤول الدولي، معتبرا أن «السلطات العراقية ومؤسسات الإغاثة الدولية لم تقم بما يجب لإعادة نحو مليوني نازح في البلاد، نعم... تحدثت السلطات العراقية خلال فترة الانتخابات كثيرا عن إعادة النازحين ثم نست الموضوع بعد ذلك». وقال البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ما ذكره مسؤول الصليب الأحمر صحيح، وهناك ما يسمى بالهجرة العكسية، بمعنى أن كثيرين عادوا إلى مناطقهم لكنهم رجعوا مرة أخرى إلى إقليم كردستان أو لمخيمات النزوح نتيجة عدم استطاعتهم العيش بكرامة في مناطقهم الأصلية».
ويعدد البياتي مجموعة أسباب أبقت على ملف النزوح مفتوحا، منها «ضعف البنى التحتية وانعدامها في بعض الأحيان، بجانب بقاء المخاطر والتوترات الأمنية في بعض المناطق وتواجد خلايا الإرهاب». ويرى أن ثمة أسبابا أخرى تتمثل في «عدم بذل الجهود اللازمة لرفع مخلفات «داعش» من الألغام والمتفجرات، وخاصة في المناطق الزراعية التي تشكل المصدر الأساس للدخل بالنسبة للمواطنين، وبالتالي هم غير قادرين على العودة وزراعة أراضيهم».
واتهم البياتي ضمناً ما سماها «بعض التوجهات الدولية التي تسعى إلى إبقاء قسم من المواطنين في مخيمات النزوح لأسباب مادية وغيرها، وكان الأجدر بهذه المنظمات أن تدعم عودة النازحين عبر المساهمة في إعادة إعمار المناطق المتضررة وإصلاح بناها التحتية».
ويتفق المتحدث باسم مجلس شيوخ محافظة صلاح الدين مروان جبارة على بقاء ملف النازحين الكبير مفتوحاً على مصراعيه برغم انتهاء الحرب ضد «داعش» ويرى أن تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولية «قريب جدا من الواقع». ويقول جبارة لـ«الشرق الأوسط» إن «العدد الأكبر من النازحين الذي لم يعودا إلى مناطقهم يتحدرون من محافظة نينوى، نظرا لوجود أكثر من 40 ألف منزل مهدم فيها، وما زال نحو مليون مواطن هناك يعيشون في المخيمات أو في إقليم كردستان».
ويرى جبارة أن «وزارة الهجرة والمهجرين تقوم بما وسعها، لكن هناك أعدادا كبيرة من المواطنين غير مسجلين ضمن لوائح النازحين في دوائر الهجرة، وهذا يعقّد مسألة الإحصاء الكلي للنازحين بشكل دقيق». وعن أهم المناطق التي لم يعد إليها سكانها في صلاح الدين، ذكر جبارة أنها «مناطق العوجة (مسقط رأس صدام حسين) ومناطق غرب سامراء وتكريت وبيجي، وأكثر هذه المناطق وخاصة بيجي ما زالت مدمرة بالكامل ولا يستطيع أهلها العودة».
وطالب جبارة السلطات العراقية بـ«إعادة النازحين وتأهيلهم نفسياً عبر دورات مهنية، وبخاصة أولئك الذين لديهم أبناء انخرطوا مع (داعش) الإرهابي»، محذرا من أنه «مع عدم وجود برامج لإعادة التأهيل، فإن خطر بروز جيل جديد من (داعش) قائم، وأكثر خطورة من نسخته الماضية ربما».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.