الليل ظلام حالك في العاصمة الفنزويلية كراكاس، التي كانت طوال عقود أغنى عواصم أميركا اللاتينية، قبل أن يصبح ربع سكّانها يبحثون عن الطعام في أكوام النفايات. وفي المساء تفرغ شوارعها من حركة الناس الذين ينامون على قلق، ويستيقظون على خوف من المجهول كل صباح.
في الطريق من المطار إلى الفندق، رصد مراسل «الشرق الأوسط» شواهد تكفي لترسّخ اليقين بأن هذه المدينة لم تعد تشبه في شيء تلك التي زارها آخر مرة منذ 9 سنوات، عندما بدأت تظهر العلامات الأولى لفشل تجربة (الرئيس الراحل هوغو) تشافيز، التي أوصلت فنزويلا اليوم إلى أفظع كارثة اقتصادية في التاريخ الحديث، وجعلت سكانها في محنة عصيبة، بين عناد الرئيس المحاصر نيكولاس مادورو، ومغامرة منافسه رئيس البرلمان خوان غوايدو، الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً.
أحاديث الناس العاديين في كراكاس تدور حول البيض والأرز والحليب والدجاج، والعودة بسلامة إلى المنزل، أكثر من أي شيء آخر. الحد الأدنى للأجور لا يكفي لشراء أكثر من دزينة بيض و5 لترات من الحليب وكيلو أرز وكيلو من لحم الدجاج، ومنظمة الصحة العالمية تحذّر من أن نصف الفنزويليين فقدوا 10 كيلوغرامات من وزنهم، أي من لحمهم، منذ بداية الأزمة. وانخفض إجمالي الناتج القومي إلى النصف منذ عام 2014. فيما تراجع دخل الفرد إلى المستوى الذي كان عليه مطلع خمسينات القرن الماضي.
وفي زيارة إلى المستشفى الجامعي، الذي كان مفخرة النظام الصحي وقطباً إقليمياً لاختصاصات عدة، كانت حمّاماته معطّلة لعدم وجود المياه، والأروقة مظلمة لعدم وجود الكهرباء. القطن مفقود والأدوية نادرة، المصاعد معطّلة والسلالم مزدحمة، والمرضى يأتون ببطّانياتهم وضماداتهم... ومادورو مصرّ على توجيه أصابع الاتهام إلى الإمبريالية.
كراكاس الثرية تبحث عن خبزها في نفاياتها
كراكاس الثرية تبحث عن خبزها في نفاياتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة