«جلجامش» أمام الكاميرا!

«جلجامش» أمام الكاميرا!
TT

«جلجامش» أمام الكاميرا!

«جلجامش» أمام الكاميرا!

في العدد الأخير من مجلة «الفيصل» ورد الحديث عن ملحمة «جلجامش» أو ما يسميها العلامة الراحل طه باقر، بـ«أوديسة العراق القديم»، في أربعة مقالات متنوعة، كل واحد منها رسم صورة مختلفة للفتى السومري جلجامش، وللعلاقة مع صديقه «أنكيدو».
تُعد الملحمة السومرية الخالدة: «جلجامش» أهم وأقدم ملحمة شعرية وأسطورية وأطول نصّ أدبي قديم، وعلى رأي الباحث العراقي الراحل طه باقر، فإن ملحمة جلجامش، هي «أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في جميع الحضارات، وأنها أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هناك ما يقارن بها من آداب الحضارات القديمة، قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني، اللتين ظهرتا بعدها بثمانية قرون».
وقد تركت الملحمة عميق الأثر في التراث الأدبي والشعري خصوصاً في بلاد الرافدين، وأصبحت أحداثها جزءا من الوعي الجمعي، ظهر في أعمال الشعراء، وخاصة أولئك الذين سكن الحزن قصائدهم، فكتبوا المراثي والمواويل الحزينة في بطون الأهوار وعلى ضفاف النهرين. وفي كتابه «الصراع في ملحمة جلجامش... قراءة في جدلية الملحمة» يؤكد الدكتور حسين علوان حسين أن ملحمة جلجامش تركت «انعكاساتها القابلة للتشخيص للذاكرة الشعبية والوعي الجمعي العراقي القديم».
لكن كيف لأربعة كتاب بارزين في عدد واحد أن يقرأوا حدثاً طاغياً في الوجدان كملحمة جلجامش: في المقال الأول، نجد البطل جلجامش في الملحمة البابليّة يكتسي حلة مقدسة حيث «يتألّف ثلثاه من مادّة الآلهة الخالدة وثلثه الباقي من مادّة البشر الفانية»، أما صديقه «أنكيدو» فقد كان الحلم الموعود للبطل الأسطوري «إنه صاحبٌ لكَ قوي يعين الصديق عند الضيق (…) وسيُلازِمك ولن يتخلّى عنك»... وفي مكان آخر نقرأ مقالاً يمتدح نموذج الصداقة الذي يمثله «جلجامش وأنكيدو». لكنّ الصورة تتغير في مقال ثالث بعنوان (نار جلجامش في مصباح زرقاء اليمامة)، حيث نقرأ هذا الوصف لجلجامش: «هو الملك الطاغية الذي لم يترك ابنا طليقا لأبيه ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار، ولم يترك عذراء لأمها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل». أما الصديق «أنكيدو» فصوره على أنه الخصم المدافع عن الضعفاء حيث «يعزم أمره على صد جلجامش ومنعه بالقوة من افتراع فتيات المدينة».
وفي المقال الأخير، نجد أن الحروب المشتركة، وليست البينية كونت بين جلجامش وأنكيدو «أخوة الدم» حيث «يصبح موت الصديق حافزاً إلى البحث عن الخلاص من أرض الموت وحديقة عزرائيل الأثيرة».
تعدد الروايات لملحمة كتبت قبل 26 قرناً قبل الميلاد، ليس أمراً غريباً، الغريب هو اعتبار أي واحدة من تلك السرديات نصاً مقدساً. فالأسطورة بطبيعتها تقوم على الخيال، وتعتمد الخرافة واجتراح أحداث خارقة لتلهم خيال المتلقي، ثم تأتي المعتقدات الدينية لتمنحها عمراً أطول وتعبر بها الأزمان. هذا ما نفهمه عموماً عن تعدد القراءات واختلاف التفسيرات وتنوع الصورة التي يشكلها الرواة وأهل السرد والإعلام، فهي ربما تُعد مصدراً إثراء، لكنها في الحقيقة تكشف عن ضعف الحصانة والقداسة عن كل نصّ أو سرد تاريخي، كان الرواة وسيلته الوحيدة للانتقال.
هذا يمنح الإنسان الحرية في الوقوف حراً أمام أي نصّ أو سرد يأتي إليه، كما يمنحه الحرية في الانفتاح على القراءات المتعددة أو أن تكون له قراءته الخاصة، وعدم الارتهان لأقوال المفسرين مهما كانت سطوة أصحابها. وهذه الحرية هي مفتاح العبور للتخلص من الأفكار الأحادية، أو الانحباس في القوالب الفكرية القديمة.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.