«ضمانات روسية» جنوب سوريا تشجع منشقين على العودة إلى قوات النظام

تسويات جماعية تضمنت الابتعاد عن «الفيلق الخامس»

جنود روس يفرغون شاحنة مساعدات شمال سوريا (غيتي)
جنود روس يفرغون شاحنة مساعدات شمال سوريا (غيتي)
TT

«ضمانات روسية» جنوب سوريا تشجع منشقين على العودة إلى قوات النظام

جنود روس يفرغون شاحنة مساعدات شمال سوريا (غيتي)
جنود روس يفرغون شاحنة مساعدات شمال سوريا (غيتي)

أفادت مصادر محلية، جنوب سوريا، أن التسوية الجماعية للمنشقين عن الجيش السوري، وعودتهم بشكل جماعي إلى وحداتهم العسكرية للاستفادة من مرسوم العفو عن الفارين الذي صدر في سوريا في الشهر العاشر من عام 2018، جاءت بتدخل الجيش الروسي.
وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات التسوية الجماعية للمنشقين عن الجيش السوري التي شهدتها مناطق جنوب سوريا تتم بإشراف روسي. وقد كثرت هذه الظاهرة مؤخراً في جنوب سوريا، مع اقتراب انتهاء المدة المحددة للعفو عن الفارين، وبقاء موضوع عودتهم للخدمة العسكرية مفتوحاً، حيث لم يحدد مرسوم العفو مدة زمنية لالتحاقهم مجدداً بقطعهم العسكرية التي انشقوا عنها سابقاً، أو ما إذا كانوا سيعودون إليها أصلاً، دون أخذهم إلى التشكيلات المقاتلة على الجبهات، أو عرضهم على أفرع النظام الأمنية، كما حصل في بعض الحالات، مما دفع كثيراً من وجهاء المنطقة الجنوبية للتنسيق مع عدد من الضباط الروس، وقيادات عسكرية سورية في المنطقة، لتقديم ضمانات بعدم ملاحقة المنشقين من أبناء المنطقة الذين يرغبون بالعودة إلى صفوف الجيش السوري، والاستفادة من مرسوم العفو، دون تجاوزات من أفرع النظام السوري، أو الشرطة العسكرية في دمشق، حيث طالبت الشرطة الروسية والقيادات العسكرية التي يتم التنسيق معها في المنطقة الجنوبية بجمع أسماء المنشقين في كل منطقة، وتحديد أيام معينة لكل مجموعة من المنشقين لسوقهم إلى القضاء العسكري في دمشق.
وهذا ما يفسر التجمعات التي يقوم بها المنشقين، وسط حضور رسمي وشعبي في المناطق الجنوبية لتسوية أوضاعهم، وسوقهم بضمانات دون ملاحقتهم من الأفرع الأمنية، أو تأخيرهم في مراكز الشرطة العسكرية قبل عرضهم على القضاء العسكري للاستفادة من مرسوم العفو.
وأكدت المصادر أن «المنشقين الذين يقومون بعمليات التسوية الجماعية بضمانات الجانب الروسي لا يتم تأخير إجراءاتهم للعودة إلى الخدمة العسكرية التي كان بها سابقاً، وأن المنشقين الذين التحقوا بشكل جماعي، وبضمانات روسية، كما حصل في مدينة نوى بريف درعا الغربي قبل أيام، تمت تسوية أوضاعهم في القضاء العسكري، ومنهم من التحق بقطعته العسكرية، أو حصل على إجازة لثلاثة أيام قبل التحاقه بشكل مباشر».
وشملت الدفعة الأولى من المنشقين عن الجيش السوري 500 شخص من مدينة نوى، والقرى والبلدات المحيطة بها بريف درعا الشمالي، وتصل بقية الأسماء المسجلة للتسوية الجماعية إلى 3 آلاف شخص، يتم سوقهم وتسوية أوضاعهم على دفعات، وذلك بهدف تشجيع بقية المنشقين في المنطقة على تسليم أنفسهم، والعودة إلى الخدمة العسكرية في الجيش السوري، واحتواء الخزان البشري من شباب المنطقة ضمن تشكيلات الجيش السوري.
ويقول أحد المنشقين سابقاً عن الجيش السوري من ريف القنيطرة، وقد عاد إلى الخدمة العسكرية في قطعته مؤخراً، إنه بعد صدور مرسوم العفو عن الفارين في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقدم على تسليم نفسه بشكل فردي إلى شعبة التجنيد الخاصة بمنطقته، التي إحالته بدورها إلى الشرطة العسكرية في منطقة القابون بدمشق، ليتم توقيفه 10 أيام قبل عرضه على القضاء العسكري، وصدور حكم الإعفاء بحقه بموجب المرسوم.
وأوضح أنه خلال وجوده في الشرطة العسكرية بدمشق، كانت هناك أعداد كبيرة من الفارين الذين سلموا أنفسهم من جميع المناطق السورية، وحتى منهم من مناطق لم تخرج عن سيطرة النظام طيلة السنوات الماضية، ومنهم من كان منتسباً لتشكيلات محلية، كاللجان الشعبية والدفاع الوطني، التي شكلها وسلحها النظام السوري في بداية الأحداث في سوريا.
وتابع أن بعض الحالات كان يتم نقلها من الشرطة العسكرية إلى الأفرع الأمنية قبل عرضها على القضاء، إذا وجد بحق الشخص إذاعة بحث لصالح أحد الأفرع، وكان الشخص يقبع فيها لأكثر من 20 يوم أو شهر، ليتم إرجاعه إلى الشرطة العسكرية وعرضه على القضاء فيما بعد، وأن بعض الفارين تعرض للإساءات الكلامية في أثناء وجوده في الشرطة العسكرية أو الأفرع الأمنية، ومنهم من تعرض للضرب، بحسب التهمة الموجهة إليه، مما أثار الخوف لدى كثير من المنشقين، بعد سماع مثل هذه الأنباء من الذين خرجوا بعد صدور حكم القضاء بحقهم بالإعفاء من العقوبة.
ودفع هذا وجهاء محليين في جنوب سوريا إلى الشرطة العسكرية الروسية لتقديم ضمانات وتسهيلات التحاق شباب المنطقة المنشقين سابقاً بقطعهم العسكرية دون أن يتعرضوا للسوق إلى أفرع النظام الأمنية، أو تأخير بقائهم في الشرطة العسكرية لأشهر، أو تعرضهم للضرب والشتائم قبل عرضهم على القضاء العسكري لأخذ حكم العفو عن العقوبة، فطالبت الشرطة العسكرية الروسية من وجهاء المناطق في جنوب سوريا جمع كل المنشقين من البلدة أو المدينة والمناطق المجاورة لسوقهم بضماناتها إلى مركز الشرطة العسكرية في دمشق، وحصولهم على حكم قضائي يخولهم العودة إلى قطعهم العسكرية التي كانوا فيها سابقاً، دون تأخيرهم أو سوقهم إلى أفرع النظام الأمنية، وتسوية أوضاع هؤلاء العسكريين الفارين، في المنطقة، للاستفادة من مرسوم العفو، تمهيداً لإلحاقهم بقطعهم وتشكيلاتهم العسكرية، كما حصل في بلدة أبطع شمال درعا ومدينة نوى والحراك.
وقال الناشط مهند العبد الله أن المفاوضات والاتفاقيات التي حصلت قبيل تسليم المنطقة الجنوبية للنظام السوري وروسيا «تجاهلت مصير آلاف المنشقين الذين رفضوا التهجير إلى الشمال السوري، ولم تترك لهم خيارات.
وبعد أن صدر المرسوم رقم 18 في أكتوبر من العام الماضي 2018، القاضي بمنح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكرية السوري، لقي كثير من أبناء المنطقة تجاوزات تؤخر حصولهم على حكم قضائي بالعفو عن عقوبة الفرار. وتبعاً لعدم وجود خيارات أفضل لدى هؤلاء المنشقين، بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة، فرضت عليهم نظرية الأمر الواقع والتعايش مع المرحلة الجديدة، رغم يقين كثير منهم أنهم قد يتعرضون لتجاوزات قبل حصولهم على حكم العفو، وأن ما يحصل مؤخراً من عمليات تسليم جماعية للمنشقين في جنوب سوريا هي محاولة تحقيق أكبر قدر من المكاسب والضمانات لهؤلاء المنشقين بعدم تعرضهم لتجاوزات».
ووجد كثير من الشبان في جنوب سوريا، المنشقين عن الجيش السوري خلال السنوات الماضية، أنفسهم أمام خيارات صعبة، بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة الجنوبية، برعاية روسية، قبل 6 أشهر، حيث لم يبقَ أمام هؤلاء المنشقين إلا الالتحاق إما بكتائب الفيلق الخامس الذي تشرف عليه روسيا، وشكلت كتائبه جنوب سوريا من فصائل المعارضة سابقاً، أو العودة للالتحاق بالجيش السوري.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.