الصرخة

الصرخة
TT

الصرخة

الصرخة

تطل علينا كثيراً هذه الأيام لوحة «الصرخة» الشهيرة. تجدها في كثير من الصحف البريطانية، مؤطرة مع تلك المقالات التي تتناول قضية العصر البريطانية «بريكست»، وكأن أصحابها يقولون لنا، مهما كتبنا من كلمات لا تعبر كفاية عن ورطتنا وقلقنا، ويأسنا واشمئزازنا من أنفسنا وعالمنا. كلماتنا تبقى كلمات... كلمات... كلمات. لم تعد ذات جدوى. نريد أن نصرخ. يطل عليك ذلك الفم المفتوح من لوحته، وتكاد أنفاسه تطيح بك من على كرسيك. كأنه يدينك لأنك لم تفعل شيئاً. لأنك لم تصرخ مثله.
كيف تمتد هذه الصرخة من القرن التاسع عشر لتصل إلى القرن الواحد والعشرين؟ في عام 1893 رسم النرويجي إدفارت مونش شخصاً نحيلاً تحت سماء حمراء، يقف في منتصف جسرٍ لا يُعرف إلى أين يؤدي، بعينين محدقتين في فراغ طويل بلا نهاية، ويدين مرفوعتين بقوة إلى جانبي الرأس الصغير، كأنما يستجمع كل أنفاسه، كأنما يستخرج كل ما تبقى في أحشائه من غضب، يضعه على فمه الصغير، الذي يكاد يغوص في وجهه، ليطلق تلك الصرخة الرهيبة، التي عبرت الأزمنة والأمكنة لتصل إلينا. كأننا نسمعها الآن ترن في آذاننا.
يقول مونش في مذكراته: «كنتُ أسيرُ في الطريق مع صديقين لي، ثم غربت الشمس، فشعرت بمسحة من الكآبة. ثم فجأة أصبحت السماء حمراء بلون الدم. فتوقَفت وانحنيتُ على سياجٍ بجانبِ الطريق وقد غلبني إرهاقٌ لا يوصف، ثم نظرتُ إلى السُحب الملتهبة المعلقة مثل دمٍ وسيفٍ فوق جُرفِ البَحرِ الأزرق المائل إلى السواد في المدينة. لقد استمر صديقاي في سيرهما، لكنَني توقَفت هناك أرتعشُ من الخوف، ثم سمعتُ صرخة عالية أخذ صداها يتردد في الطبيعة بلا نهاية!».
لا يزال الصدى يتردد.
كلما اهتز العالم، وتطوّح اتزانه، وارتعشت جوانبه، وفقد ما تبقى له من عقل، يطل علينا ذلك الفم وهو يطلق صرخة احتجاجه الرهيبة. في الحرب العالمية الثانية، لم يجد الناس من عزاء وتعبير بليغ عن البلوى التي يعانون سوى تلك «الصرخة»، فعرفت شعبية كاسحة، واحتلت جدران البيوت التي ثقبها رصاص الجنرالات القتلة، وهدمت سقوفها قنابل الموت. وها نحن نحتاجها مرة أخرى في زمن توقف العقل فيه عن العمل، وفقد العالم مركزه، وتفككت الأشياء، بينما «أفضل الناس تعوزهم القناعة، والأشرار ممتلئون بالحماسة الجياشة»، كما كتب الشاعر الآيرلندي دبليو. إتش. ييتس عن حال أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، وكأنه يصف عالمنا الآن.
ارتفع ضجيج الجهلاء، فصمت الحكماء. لم يعد أحد يسمعهم مهما فعلوا، حتى يكادوا يشكون بصواب ما يفعلون.
رسم مرة الروسي تشيخوف، المولود قبل ثلاث سنوات من مولد مونش 1863، شخصية كاريكاتيرية تركض في الشوارع وهي تصرخ: أريد دماً. كان قد «شبع» من تفاهة العالم الذي يحيطه، ولم يبق له شيء سوى الصراخ. وبالطبع، لا يعني تشيخوف هنا، وهو من أرق وأعذب الكتاب الذي عرفهم التاريخ، الدم الذي كتب عنه الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، الذي يسيحه القتلة يومياً في شوارعنا. كان بطل تشيخوف يريد أن يصرخ فقط، ذلك الصراخ الذي سيضيع أيضاً في الفضاء الفسيح الذي احتله سفهاء القوم. وما زالوا يفعلون!
ومع ذلك، يصل الصراخ يوماً ما، كما وصلت صرخة مونش من القرن التاسع عشر إلى القرن الواحد والعشرين.



«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
TT

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)
لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة»، ووصل الأمر إلى تقدم نائبة مصرية ببيان عاجل، طالبت خلاله بوقف عرض المسلسل.

وأثار العمل منذ بداية بثه على قنوات «ON» جدلاً واسعاً؛ بسبب تناوله قضايا اجتماعية عدّها مراقبون ومتابعون «شائكة»، مثل الخيانة الزوجية، والعلاقات العائلية المشوهة، وطالت التعليقات السلبية صناع العمل وأداء بطلاته.

وقالت النائبة مي رشدي، في البيان العاجل: «إن الدراما تعدّ إحدى أدوات القوة الناعمة في العصر الحديث، لما لها من دور كبير ومؤثر في رسم الصورة الذهنية للمجتمعات والشعوب سلباً أو إيجاباً لسرعة انتشارها، وهي انعكاس ومرآة للمجتمع».

وأضافت: «هناك عمل درامي (وتر حساس) يُعرَض هذه الأيام على شاشات القنوات التلفزيونية، يحتاج من المهمومين بالمجتمع المصري إلى تدخل عاجل بمنع عرض باقي حلقات هذا المسلسل؛ لما يتضمّنه من أحداث تسيء للمجتمع المصري بأسره؛ فهو حافل بالعلاقات غير المشروعة والأفكار غير السوية، ويخالف عاداتنا وتقاليدنا بوصفنا مجتمعاً شرقياً له قيمه الدينية».

وتدور أحداث المسلسل، المكون من 45 حلقة، حول 3 صديقات هن «كاميليا» إنجي المقدم، وابنة خالتها «سلمى» صبا مبارك، و«رغدة» هيدي كرم، وتقوم الأخيرة بإرسال صورة إلى كاميليا يظهر فيها زوجها «رشيد»، محمد علاء، وهو برفقة مجموعة فتيات في إحدى السهرات، في حين كانت «كاميليا» تشك في زوجها في ظل فتور العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة.

صبا مبارك ومحمد علاء في مشهد من المسلسل (قناة ON)

بينما تغضب «سلمى» من تصرف «رغدة» وتؤكد أنها ستكون سبباً في «خراب بيت صديقتهما»، وعند مواجهة كاميليا لزوجها بالصورة ينكر خيانته لها، ويؤكد لها أنها سهرة عادية بين الأصدقاء.

وتتصاعد الأحداث حين يعترف رشيد بحبه لسلمى، ابنة خالة زوجته وصديقتها، وتتوالى الأحداث، ويتبدل موقف سلمى إلى النقيض، فتبلغه بحبها، وتوافق على الزواج منه؛ وذلك بعد أن تكتشف أن كاميليا كانت سبباً في تدبير مؤامرة ضدها في الماضي تسببت في موت زوجها الأول، الذي تزوجت بعده شخصاً مدمناً يدعى «علي»، وأنجبت منه ابنتها «غالية».

وتعرف كاميليا بزواج سلمى ورشيد، وتخوض الصديقتان حرباً شرسة للفوز به، بينما يتضح أن الزوج الثاني لسلمى لا يزال على قيد الحياة، لكنه كان قد سافر للخارج للعلاج من الإدمان، ويعود للمطالبة بابنته وأمواله.

ويتعمّق المسلسل، الذي يشارك في بطولته لطيفة فهمي، ومحمد على رزق، وأحمد طارق نور، ولبنى ونس، وتميم عبده، وإخراج وائل فرج، في خبايا النفس الإنسانية، وينتقل بالمشاهدين إلى قضايا اجتماعية مثل فكرة الانتقام، والتفريط في الشرف، وتدهور العلاقات بين الأقارب، وصراع امرأتين على رجل واحد.

وتعليقاً على التحرك البرلماني ضد المسلسل، عدّ الناقد المصري محمد كمال أن «الأمر لا يستدعي هذه الدرجة من التصعيد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل بالفعل مليء بالعلاقات المشوهة، التي لا تقتصر على الخيانة الزوجية، وإنما تمتد إلى خيانة علاقة الأقارب والأصدقاء فيما بينهم؛ فيظهر معظم أبطال العمل غير أسوياء، فالشخصية الرئيسة الثالثة في العمل (رغدة) تخون أيضاً صديقتيها سلمى وكاميليا، وكل ما تسعى وراءه هو جني المال، والإساءة إليهما!».

ويتابع كمال: «فاجأتنا الأحداث كذلك بأن طليق سلمى، ووالد ابنتها كان ولا يزال مدمناً، وكان قد عقد اتفاقاً معها في الماضي بتزوير أوراق تفيد بوفاته؛ كي يثير شفقة والده، ويكتب ثروته بالكامل لابنته غالية، ويسافر هو للعلاج، مع وعدٍ بأنه لن يرجع، وهو جانب آخر من الأفعال المنحرفة».

كاميليا وسلمى... الخيانة داخل العائلة الواحدة (قناة ON)

ويتابع: «وهكذا كل شخوص المسلسل باستثناءات قليلة للغاية، فهناك مَن اغتصب، وسرق، وخان، وقتل، وانتحر، لكن على الرغم من ذلك فإني أرفض فكرة وقف عمل درامي؛ لأن المجتمعات كلها بها نماذج مشوهة، والمجتمع المصري أكبر مِن أن يمسه أي عمل فني، كما أن الجمهور بات على وعي بأن ما يراه عملٌ من خيال المؤلف».

ويرى مؤلف العمل أمين جمال أن «المسلسل انعكاس للواقع»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن قضية احتدام الصراع أصبحت سمة غالبة على علاقات البشر عموماً، وموجودة في العالم كله، ولا يمكن أن تنفصل الدراما عن الواقع».

وتابع: «المسلسل يأتي في إطار درامي اجتماعي مشوق، لذلك نجح في أن يجتذب الجمهور، الذي ينتظر بعد عرض كل حلقة، الحلقة الجديدة في شغف، ويظهر ذلك في تعليقات المشاهدين على (السوشيال ميديا)».

وأشار إلى أنه «بالإضافة لتقديم الدراما المشوقة، في الوقت نفسه أحرص على تقديم رسائل مهمة بين السطور، مثل عدم الانخداع بالمظهر الخارجي للعلاقات؛ فقد تكون في واقع الأمر علاقات زائفة، على الرغم من بريقها، مثل تلك العلاقات التي تجمع بين أفراد العائلة في المسلسل، أو العلاقة بين الصديقات».

من جهتها، هاجمت الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله المسلسل، وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا هذا الحشد لذلك الكم الكبير من الخيانات بين الأزواج والأصدقاء والأقارب؟»، وقالت: «لست ضد أن تعرض الدراما أي موضوع أو قضية من قضايا المجتمع، على أن تقدم معالجة فنية بها قدر من التوازن بين الأبعاد المختلفة، لا أن تقتصر على جانب واحد فقط».

وعن القول إن العمل يقدم الواقع، تساءلت ماجدة: «هل هذا هو الواقع بالفعل؟ أم أن الواقع مليء بأشياء كثيرة بخلاف الخيانات وانهيار العلاقات بين الناس، التي تستحق مناقشتها في أعمالنا الدرامية، فلماذا يختار العمل تقديم زاوية واحدة فقط من الواقع؟».

وعدّت «التركيز على التشوهات في هذا العمل مزعجاً للغاية، وجعل منه مسلسلاً مظلماً».