القهوة اليابانية تغزو العالم

لها تقاليد تمتد لقرنين وتباع معلبة في اليابان

قهوة جديدة من نوعها آخذة في الانتشار في لندن
قهوة جديدة من نوعها آخذة في الانتشار في لندن
TT

القهوة اليابانية تغزو العالم

قهوة جديدة من نوعها آخذة في الانتشار في لندن
قهوة جديدة من نوعها آخذة في الانتشار في لندن

قبل أسابيع، جرى الافتتاح لثاني سلسلة مقاهي يابانية في لندن، في منطقة فيتزروفيا، اسمها «أوموتيساندو كوفي»، وذلك بعد افتتاح السلسلة اليابانية الأولى، واسمها «لو كافيه دوكاس»، بعدة شهور. ويبدو أن أحدث موجات المقاهي تأتي من اليابان إلى بلدان العالم، بعد أن كانت الموجة الأولى أميركية، ممثلة في «ستاربكس» و«ألتيرا»، ثم الموجة التالية من إيطاليا، ممثلة في «كوستا كوفي» و«لافازا».
وتعمل في لندن، كمدينة عالمية، نحو 80 شركة قهوة دولية من أنحاء العالم، انضمت إليها أخيراً منافذ القهوة اليابانية التي توفر مقاهي تعتمد الحد الأدنى من الديكور، وتركز على تقاليد تقديم القهوة اليابانية. وفي اليابان نفسها، تعمل عشرات الشركات في تقديم القهوة اليابانية لزبائنها يومياً، منها شركات مثل «دوتور» و«موريفا» و«جينزا رينوار» و«برونتو» و«يوشيما».
وللقهوة تراث عريق في اليابان، حيث تعرف عليها اليابانيون للمرة الأولى في القرن التاسع عشر، عندما أحضرها التجار الهولنديون معهم. وظلت القهوة سلعة نادرة في اليابان حتى رفعت الحكومة القيود على التصدير والاستيراد في عام 1858. وبعد ذلك بثلاثين عاماً، تم افتتاح أول مقهى مخصص لتناول القهوة في اليابان في عام 1888.
وكان ذلك بعد أكثر من 4 قرون من أول توثيق تاريخي للتعرف على أشجار البن، واستخدام القهوة كمشروب في اليمن أولاً، ثم في الجزيرة العربية ومصر، ومنها إلى شمال أفريقيا، ثم أوروبا. ومع حلول القرن السادس عشر، كانت القهوة قد انتشرت إلى جنوب الهند وأميركا. وما زال العالم يعرف القهوة باسمها العربي المحرف إلى «كوفي». وتتنافس إثيوبيا واليمن حول أول منشأ لأشجار البن، ولكن شراب القهوة نشأ في اليمن للمرة الأولى. وكانت أفضل الأصناف التي تصدر إلى أوروبا تعرف باسم «كوفي أرابيكا».
وفي اليابان، استغرق انتشار القهوة فيها نحو نصف قرن، بعد افتتاح أول مقهى فيها. وبلغ عدد المقاهي التي تقدم القهوة في اليابان نحو 30 ألفاً. ولكن اليابان قضت سنوات الحرب العالمية الثانية بلا قهوة، لصعوبة التصدير والاستيراد، ثم عادت القهوة إلى شهرتها الأولى بعد سنوات الحرب واستئناف الاستيراد. وتعد اليابان الآن من بين أعلى دول العالم استهلاكاً للقهوة التي تباع من شركات عالمية مثل «ستاربكس»، ويابانية مثل «دوتور»، وتستهلك في صيغة نسكافيه أو معلبة تباع من ماكينات المشروبات.
وساهمت شركة «يوشيما» اليابانية في تقديم أول مشروب قهوة معلب في اليابان، وانتشر المشروب خلال انعقاد معرض أوساكا الدولي في عام 1970. وتباع قهوة «يوشيما» المعلبة حالياً من 5 ملايين ماكينة مشروبات في أنحاء اليابان، ولكن الشركة تقع الآن في المركز العاشر بين الشركات اليابانية التي تقوم بتعليب القهوة. وتدخل شركات أجنبية في المنافسة داخل أسواق اليابان، مثل «ستاربكس» و«سفن اليفين» و«كوكاكولا اليابان». وتقع شركة «سانتوري» في المركز الأول حالياً في تعليب القهوة في اليابان، بعلامة تجارية اسمها «بوس»، بفضل إعلانات فكاهية يقدمها الممثل العالمي تومي لي جونز، يمثل فيها شخصية فضائية تطلب قهوة «بوس».
وتعتبر اليابان حالياً ثالث أكبر مستورد للبن في العالم، بعد الولايات المتحدة وألمانيا. وتستهلك اليابان سنوياً 9 مليارات عبوة قهوة معلبة.
ولكن سيطرة القهوة المعلبة في اليابان وجدت منافساً عنيداً في سلسلة المقاهي الحديثة بداية من عام 2000. وتسيطر «ستاربكس» على ثاني أكبر عدد من المقاهي في اليابان بنحو ألف مقهي، وتأتي شركة «دوتور» في المركز الأول، وهي تتبع شركة تدير أيضاً مقاهي «أكسلسيور»، بعدد إجمالي للعلامتين يبلغ 1490 مقهى في أنحاء اليابان.
وتتفوق شعبية مقاهي «دوتور» بين الرجال وكبار السن لأنها تقدم القهوة اليابانية الاصيلة بنكهة قوية، مع السماح بالتدخين في أركان خاصة. أما «ستاربكس»، فهي تجذب الشباب بخلطات عالمية، وتتبع سياسة منع التدخين في جميع المقاهي التابعة لها. وتفضل النساء في اليابان تناول القهوة في مقاهٍ تمنع التدخين فيها.
ومن مظاهر انتشار القهوة في اليابان أيضاً بيعها في منافذ السوبر ماركت، مثل «سفن اليفين» الياباني الذي يقدم أكواب القهوة الطازجة من ماكينات حديثة بسعر 100 ين (أقل من دولار واحد). وباعت الشركة في العام الماضي 4.5 مليار كوب، بربح بلغ حجمه 50 مليار ين. وبعد هذا النجاح، قدمت جميع منافذ السوبر ماركت الأخرى في اليابان ماكينات تقديم القهوة الطازجة.
وعلى رغم حجم الاستهلاك الهائل من معلبات القهوة ومنافذ السوبر ماركت، فإن الاستهلاك المنزلي للقهوة في اليابان يتفوق في حجمه على المبيعات خارج المنازل. وهناك كثير من أنواع البن المتاح للاستهلاك في المنازل. وتباع أنواع البن الياباني خارج اليابان أيضاً نظراً للنوعية الجيدة، خصوصاً من أكياس «دريبون» التي تقدمها شركة «كي كوفي».
ولا تكتفي شركات تقديم أكياس البن الياباني للاستهلاك المنزلي بهذه العبوات وحدها، وإنما تقدم أيضاً أدوات تحضير القهوة المنزلية، وهي تتكون من تشكيلة واسعة من فناجين القهوة بتصميم ياباني ومواقد تحضيرها ومرشحات البن وأباريق صبها. ومع انتشار جمهور المعجبين بالقهوة اليابانية خارج اليابان أيضاً، تعتمد جميع المقاهي اليابانية في الخارج على استيراد القهوة من اليابان، وعلى استخدام الأدوات الأصلية لتحضيرها أيضاً. وتنتشر الآن على مواقع إلكترونية مثل «أمازون» جميع أدوات تحضير القهوة اليابانية المستوردة من اليابان التي تباع بأسعار في متناول متوسطي الدخل.
-- حقائق عن القهوة ومستهلكيها اليابانيين
يتم استهلاك 2.5 مليار فنجان من القهوة يومياً حول العالم، وهو رقم يعادل 40 في المائة من التعداد العالمي، على افتراض تناول كل شخص منهم فنجاناً واحداً يومياً. وتعتبر القهوة ثاني أكبر سلعة يتم تداولها عالمياً، بعد النفط، وبحجم يتخطى 70 مليار دولار.
وهذه بعض الحقائق عن القهوة في اليابان:
> تسمى المقاهي اليابانية «كيساتين»، وترجمتها «محل التذوق»، وهي توفر مواقع للاسترخاء وتناول القهوة وأطعمة أخرى. ومنها سجل بعض كبار الفنانين والشعراء والكتاب اليابانيين أعمالهم.
> تطورت مقاهي القهوة اليابانية بعد مقاهي الشاي التاريخية التي تسمى «شايا»، وكانت تتوفر فيها الصحف والمجلات، ويسمح للزبائن بالتدخين فيها.
> أول محاولة لافتتاح مقهى للقهوة في اليابان كان من شخص اسمه تاي أيكي في عام 1888، ولكنه أفلس بعد 5 سنوات، وكان المشروب السائد حينذاك هو الشاي.
> تبلغ واردات اليابان من البن سنوياً نحو 450 ألف طن، ويماثل هذا الرقم نحو 7 في المائة من الإنتاج العالمي من البن، وتأتي معظم الواردات من البرازيل.
> في عام 1965، أنتجت اليابان أول مشروب قهوة معلب اسمه «كانكو هاي» من شركة مغمورة، ولم تنجح التجربة، ولكن شركة «يوشيما» أطلقت التجربة على نطاق واسع بعد ذلك بعدة سنوات، ونجحت في تعميم شراب القهوة المثلج.
> في عام 1973، بدأ تسويق شراب القهوة الساخن من ماكينات تحضيرها طازجة.
> تعتبر شركة «دوتور» أكبر شركة مقاهي في اليابان، وهي تعمل في السوق منذ عام 1980، وتدير علامتي مقاهي «دوتور» و«أكسلسيور»، وهي أكبر حجماً من «ستاربكس» في اليابان.
> يعتبر بعض اليابانيين أن القهوة نوع من الدواء، وأنها مفيدة للكبد، وتوفر حماية من سرطان الجلد، وتنشط المخ.


مقالات ذات صلة

شرب القهوة قد يضيف عامين إلى عمرك

صحتك فنجان قهوة (أ.ب)

شرب القهوة قد يضيف عامين إلى عمرك

كشفت دراسة علمية جديدة، عن أن شرب القهوة قد يطيل العمر، حيث يضيف عامين تقريباً إلى العمر.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
صحتك شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء (إ.ب.أ)

كيف تؤثر القهوة في أمعائك؟

كشفت دراسة جديدة عن أن شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء ويعزز نمو البكتيريا المفيد بها، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب في صحتنا ككل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك القهوة غنية بمضادات الأكسدة (أ.ف.ب)

فوائد تناول البروتين مع القهوة في الصباح

يمكن للقهوة والبروتين تعزيز صحتك بطرق متنوعة، فالقهوة غنية بمضادات الأكسدة ويمكن أن تساعد في مقاومة الإجهاد التأكسدي، الذي يرتبط بالإصابة بالأمراض المزمنة.

صحتك لا يقتصر حب القهوة على تناول فنجان أو اثنين في اليوم... فمنهم مَن يشرب 50 منها (رويترز)

ماذا يحدث لجسمك عند تناول رشفة من الكافيين؟

يرصد التقرير كيف يؤثر الكافيين علينا ويسبب تغيراً بيولوجياً في أجسامنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد نائب أمير منطقة جازان يدشن المركز وإلى جانبه نائب الرئيس للشؤون العامة في «أرامكو» خالد الزامل (أرامكو)

«أرامكو» تدشّن مركز تطوير البن السعودي في منطقة جازان

دشّنت «أرامكو السعودية» مركز تطوير البن السعودي في جازان ضمن مبادرات المواطنة التي تقدمها لدعم زراعة وإنتاج البن في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الظهران)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.