حقد وعداء ومعارك أدبية والأسباب الحقيقية: الغيرة... أو المرأة

من هوغو وسانت بوف مروراً بسارتر وكامو إلى ماركيز ويوسا

فيكتور هوغو  -  سانت بوف  -  ماركيز  -  كامو  -  سارتر  -  يوسا
فيكتور هوغو - سانت بوف - ماركيز - كامو - سارتر - يوسا
TT

حقد وعداء ومعارك أدبية والأسباب الحقيقية: الغيرة... أو المرأة

فيكتور هوغو  -  سانت بوف  -  ماركيز  -  كامو  -  سارتر  -  يوسا
فيكتور هوغو - سانت بوف - ماركيز - كامو - سارتر - يوسا

كامو وسارتر، غارسيا ماركيز وفرغاس لوزا، هوغو وسانت بوف... كلهم اختلفوا لأسباب آيديولوجية وشخصية ليتحولوا من أعزّ الأصدقاء إلى ألد الأعداء. قصّص خلافاتهم أخذت أبعاداً كبيرة ورسائل الهجوم والنقد اللاذع التي تبادلوها عبر السنين أثارت اهتمام الصحافة المختّصة وأسالت لعاب الناشرين.
في مؤلّفهما «قصّة أحقاد الكتُاب من شاتوبريان إلى بروست» (دار نشر فلماريون) يصف إتيان كارنو وآن بوكل مشاعر الحقد والغيرة التي ميزت العلاقات المضطربة بين بعض الكتاب بأنها جزء لا يتجزأ من وضعهم كرجال أدب وكأنها قانون سماوي. المبدعون يبنون ذاتهم في مواجهة مبدعين آخرين: بلزاك استلّهم روايته الرائعة «زنبقة في الوادي» من «اللّذة» لكاتبها شارل أغوستان سانت بوف بعد أن هاجمه بشّدة واعداً بتلقينه درساً ومعلناً بأنه «سيجعل ريشته تخترق جسّده...» ستندال مضى حياته ينتقد كل ما يفعله شاتوبريان على أمل تجاوزه، كما تشرح فرناند بسان في دراسة بعنوان «شاتوبريان في محكمة ستندال»: «هاجم أسلوبه الأدبي الذي كان يصفه» بالمتّورم، توجهاته السياسية ووضعه الاجتماعي وحتى مظهره الخارجي. كان يحلم بوظيفة «الدبلوماسي» التي نجح فيها شاتوبريان بينما فشل هو وكان يقارن نفسه به كنوع من الإقرار الضمني بأنهما ند لند.
وسواء كان الأمر من باب الغيرة أو المنافسة، فإن الحقد، ويا للغرابة! شكّل عند بعضهم أساس الإبداع الأدبي، ولذا نرى العديد منهم يمجدّ هذا الشعور. يكتب بودلير بلّهجة احترام: «الحقد شراب ثمين... أثمن من سّم البورجيا، لأنه مصنوع من دمنا وصحّتنا ونومنا وثلثي عواطفنا، علينا الاقتصاد فيه...»، أما إيميل زولا فيكتب في مجموعته «أحقادي»: «الضغينة مقدسّة... هي سخط القلوب القوية القادرة... إذا كانت لدي قيمة اليوم، فهذا لأني وحيد وأحقد...».
عندما وصف فيكتور هوغو خصّمه سانت بوف «بالأفعى المجلجّلة» أجابه هذا الأخير بإعلان القطيعة النهائية: «بنفسي يأس وسخط... ورغبة عارمة في قتلك... (...) من الآن فصاعداً نحن أعداء..... أعداء إلى الموت...»، فرغم الصداقة التي ربطت كاتب «البؤساء» بكاتب «اللّذة» لسنوات إلا أن اقتراب هذا الأخير من زوجة صديقه «أديل» وإشاعات العلاقة التي جمعتهما حوّلت الصداقة لخصّومة أدبية وشخصية شرّسة استمرت حتى النهاية. لكن تبقى أشهر قصّص العداوة تلك التي جمعت سارتر وألبير كامو، البداية كانت صداقة جميلة بدأت عام 1943 لدى افتتاح مسرحية «الذباب» لسارتر حين قدم كامو نفسه لسارتر ببساطة قائلاً: «أهلاً..... أنا كامو» وقتها لا شيء كان يجمع الاثنين، الأول كان من أصول شعبية عاش سنوات شبابه في الجزائر وكان يشّق خطواته الأولى في عالم الأدب، أما الثاني فكان مثقفاً وفيلسوفاً من أصول برجوازية ذائع الصيت منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي بعد صدور «الغثيان». الشغف بالمسرح والقراءة والالتزام السياسي الصرّيح قرّب الإثنين فكانا يتبادلان الثنّاء ويمدحان أعمال بعضهما بعضاً، إلى غاية الاختلاف الأول الذي جاء بعد صدور كتاب كامو «الرجل المتّمرد» عام 1951 والذي هاجم فيه الأنظمة الشمولية بما فيها النظام الشيوعي مما آثار حفيظة سارتر الذي نظم عبر مجلته «الأزمنة الحديثة» هجوماً شديداً على كامو. في أعقاب ذلك كتب كامو الذي جُرح في كبريائه رسالة من عشرين صفحة استهلّها بقوله: «سيدي المدير... أعتذر على الإطالة لكني سأكون أكثر وضوحاً منك (...) لقد تعبت من التعرض للانتقاد من قبل أناس يسعون إلى النجاح بسهولة عن طريق التلاعب بالحسّ التاريخي» رّد عليه سارتر بلهجة ساخرة: «عزيزي كامو، تدعوني بـ(المدير) رغم أن الكل يعلم أن علاقاتنا قد مضى عليها عشر سنوات (...) عندما التقيتك كانت شخصيتك تمثل الأمل... اليوم أصبحت تمثل اليأس (...) ماذا لو أن كتابك يدل ببساطة على انعدام كفاءتك الفلسفية؟». القطيعة دامت لغاية موت كامو عام 1960. كتب سارتر على إثرها رسالة تأبين وصفها الفيلسوف الفرنسي برنار ليفي بأنها أصدق ما كتب سارتر في حق شخص، وجاء فيها ما يلي: «كنت أنا وهو مختلفين إلا أن هذا الخلاف لم يكن غير طريقة أخرى للعيش مع بعض (...) هذا لم يكن ليمنعني من التفكير فيه، عبر استشعار نظراته من خلال صفحات الكتب أو الجرائد التي يطالعها، كأني به يقول: «ماذا تقول عن كل هذا؟ ماذا تقول عنه في هذه اللحظة؟
بعدها بسنوات استيقظ العالم على أخبار حرب أخرى نشبت بين علمين من أعلام الأدب اللاتيني: الكولومبي غبريال غارسيا ماركيز والبيروفي ماريو فارغاس يوسا. كلاهما كان في القمّة. غارسيا ماركيز أذهل العالم برائعته «مائة عام من الوحدة» 1967 أما يوسا فقد حصّد الإعجاب بروايته الأولى «المدينة والكلاب» عام 1963. الخلاف بينهما فاجأ الكل لأن الاثنين كان من أعز الأصدقاء لأكثر من عقدين: أقاما معاً في باريس، كاراكاس، بوغوتا وبرشلونة. وكا يوسا خصّص رسالة دكتوراه من 600 صفحة لأعمال غارسيا ماركيز وجعله عرّاب ابنه الأصغر. اللّقاء الأخير الذي جمع الاثنين كان في العرض الأول لفيلم «ملحمة أنداز»، في فبراير (شباط) عام 1976 في مكسيكو في يوم «عيد الحب». وانتهى بضرب يوسا لماركيز متسبباً في إصابته بكدمة في عينه اليمنى. الأسباب الرسمية اختلاف آيديولوجي: غارسيا ماركيز بمساندته لنظام فيديل كاسترو ضّد يوسا وميّوله الجديد للأنظمة الليبرالية. السبب الحقيقي كما كشف عنه مقربو الكاتبين لاحقاً: «امرأة»، هي باتريسيا زوجة يوسا التي عاشت علاقة مع ماركيز حين كانت منفصلة عن زوجها لفترة. هذا الفصل سبب القطيعة التي دامت ثلاثين سنة، تفادى فيها الاثنان بعضهما بعضاً في المحافل الأدبية والخوض في أسباب حادثة «عيد الحب». بعد موت غارسيا ماركيز بسنوات سُئل يوسا عن سبب الخصّومة فأجاب: «أنا وغارسيا ماركيز أبرمنا اتفاقاً بألا نغذي الإشاعات حول علاقتنا، مات وهو متمسك بوعده وسأموت وأنا متمسك بوعدي أيضاً».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.