إسرائيل تدرس مع أميركا بدائل لتمويل الأجهزة الفلسطينية

إسرائيل تدرس مع أميركا  بدائل لتمويل الأجهزة الفلسطينية
TT

إسرائيل تدرس مع أميركا بدائل لتمويل الأجهزة الفلسطينية

إسرائيل تدرس مع أميركا  بدائل لتمويل الأجهزة الفلسطينية

في أعقاب القرار الأميركي بوقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، الذي يشل الكثير من نشاطات التعمير والتعاون، ويجهض عمل جمعيات وحركات سلمية، أعلن وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية يوفال شتاينتس، أن حكومته تسعى مع الولايات المتحدة لإيجاد بديل يضمن تمويل عمل أجهزة الأمن الفلسطينية.
وعلق أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، على ذلك بالقول إن الحكومة الفلسطينية هي التي كانت طلبت وقف المساعدات الأميركية لأجهزة الأمن الفلسطينية، وذلك لتتجنب استغلال القانون الأميركي الجديد في هذا الشأن الذي يتيح رفع دعاوى قضائية بدعم الإرهاب. وكان الكونغرس الأميركي سن قانون «إتكا»، نهاية العام الماضي، بعدما حضت عليه قوى اليمين المتطرف بذريعة مكافحة الإرهاب، وهو يقضي بمحاكمة كل دولة أو حكومة أو منظمة تحصل على دعم أميركي إذا قامت بتمويل الإرهاب. ويعتبر اليمين الأميركي، وكذلك الإسرائيلي، تحويل رواتب للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أو عائلاتهم أو عائلات الشهداء بمثابة تشجيع ودعم للإرهاب. وهناك نصوص أخرى في القانون توقف دعم مؤسسات المجتمع المدني التي يثور حول نشاطها السياسي نقاش بشأن موضوع الإرهاب، وبينها عدة منظمات تعمل على تقريب الإسرائيليين والفلسطينيين، مثل «حركة السلام للعائلات الثكلى»، التي تضم عائلات فلسطينية ويهودية كانت قد فقدت أبناءها في الصراع، وحركة «أطفال السلام» (Kids4Peace)، التي تضم أطفالاً تيتموا بسبب الحرب، وحركة «تعايش» التي تعمل على تقريب القلوب بين العرب واليهود في إسرائيل. ودخل هذا القانون حيز التنفيذ أمس الجمعة. وبموجبه تم إغلاق جميع مكاتب ومؤسسات ومشروعات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد) المفتوحة منذ عام 1967، وسيتم ترحيل مئات من العاملين والموظفين الفلسطينيين، كما تم وقف جميع المنح الدراسية التي حصل عليها طلاب فلسطينيون. وتقدر الخسارة السنوية لهذه المنظمات بنحو 100 مليون دولار، في ميزانياتها لسنة 2019، بينما المساعدات لأجهزة الأمن الفلسطينية تتوقف من سنة 2020.
وأشار عريقات إلى أن رئيس حكومة تسيير الأعمال رامي الحمد الله، كان قد بعث برسالة إلى الخارجية الأميركية طلب فيها إنهاء تمويل أجهزة الأمن الفلسطينية في الشهر الماضي، خشية التعرض للدعاوى القضائية بموجب القانون الجديد. وقال: «نحن كنا وما زلنا نكافح الإرهاب من منطلق مبدئي، ومن دون علاقة مع المساعدات الأميركية. ووقف هذه المساعدات لن يؤثر على عمل هذه الأجهزة خلال العام الحالي». لكن السلطات الإسرائيلية أبدت تخوفاً من هذه التطورات، وكشفت أنها سعت لدى واشنطن لإجهاض القانون. وقال مسؤول رفيع إن «إدارة الرئيس ترمب كانت قد دعمت اقتراح القانون في البداية. وفقط بعد الموافقة عليه، وخلال الحوارات مع إسرائيل التي لم تخف قلقها، أدرك كبار المسؤولين الأميركيين أبعاده الإشكالية على المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية. لا بل إن الرئيس الأميركي، ترمب، حاول إيجاد معادلة تتيح مواصلة دعم أجهزة الأمن الفلسطينية، التي تقيم علاقات تنسيق أمني وثيقة مع إسرائيل، ولكن دون جدوى. فقد جاء تراجعها متأخراً. ولم تؤد المفاوضات بين الإدارة الأميركية والكونغرس إلى وقف أو تعديل القانون».
وتطرق الوزير الإسرائيلي، شتاينتس، عضو «الكابنيت» (المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية)، إلى المخاوف الإسرائيلية جراء وقف المساعدات الأميركية لأجهزة الأمن الفلسطينية، وتأثير ذلك على التنسيق الأمني. وقال إنه «في هذا الوضع، نحن بين المطرقة والسندان، للأسف. من جهة، توجد سلطة فلسطينية تحرض وتدعو إلى قتل الإسرائيليين وتدعم مالياً المخربين وعائلاتهم. ومن جهة أخرى، يوجد تعاون جيد جيداً مع أجهزة الأمن الفلسطينية. وسنطالب بإيجاد حل خلاق في هذه القضية كي نمنع إضعاف أجهزة الأمن الفلسطينية».
وأكد مصدر فلسطيني رفيع، أمس، أنه «توجد اتصالات مع الإسرائيليين من أجل إيجاد حل لتمويل المساعدات الأميركية التي جرى تقليصها، وأنا مقتنع أن الأمور ستسوى. فإذا كان هناك شيء يعمل جيداً فهو التعاون الأمني، وفي إسرائيل ليسوا معنيين بجهاز أمن وشرطة فلسطينية ضعيف».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟