مشار لـ «الشرق الأوسط»: سلفا كير يقودنا إلى حرب قبلية

نائب رئيس جنوب السودان السابق أكد في حوار مع «الشرق الأوسط» ترحيبه بأي دعم لمواجهة التدخل الخارجي

رياك مشار
رياك مشار
TT

مشار لـ «الشرق الأوسط»: سلفا كير يقودنا إلى حرب قبلية

رياك مشار
رياك مشار

حذر النائب السابق في جنوب السودان الدكتور رياك مشار، الذي يقود تمردا الآن، رئيس الدولة سلفا كير ميارديت من إعدام المعتقلين السياسيين من قيادات الحركة الشعبية، وقال، إن «كير وعد واشنطن وأديس أبابا بالإفراج عن المعتقلين، لكنه يعمل الآن على إعداد محاكم صورية لإعدامهم». وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، عبر الهاتف الذي يعمل بالأقمار الصناعية، من مكانه غير المعلوم على وجه الدقة، اتهم مشار كير بأنه وراء إشعال الحرب في البلاد، التي لم يمض على استقلالها إلا أقل من عامين، وذلك عبر اصطناع حدوث «انقلاب عسكري»، مشددا أن رئيس الدولة هو من يقود الحرب الآن على أساس إثني وقبلي، وليس المتمردون الذين يقودهم هو.
وقال مشار، إن «هناك تدخلا أجنبيا من قبل أوغندا منذ بداية الحرب»، وأضاف أن الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني يريد أن يجد ذريعة لتدخله في الشأن الداخلي بزعم أن ذلك قرار من دول الإيقاد (شرق أفريقيا). لكن مشار أوضح أن مجموعة دول الإيقاد لم توافق على مثل هذا التدخل، مؤكدا أن «قادتها على اتصال معنا».
وإلى نص الحوار:
* لماذا قدتم هذه الحرب ضد بلادكم التي لم يمض على استقلالها أكثر من عامين؟
- ليس صحيحا أننا قدنا الحرب، من جرنا إلى الحرب هو سلفا كير ميارديت رئيس الدولة حاليا، هو من فبرك (اصطنع) فرية الانقلاب التي لم يصدقها أحد، فهو المسؤول الأول عما يحدث الآن.
* وهل وجهتكم للدخول في حرب طويلة في بلادكم؟
- الأميركيون والإثيوبيون اتصلوا بي وقالوا لنا إنهم اتفقوا مع سلفا كير على أن يفرج عن المعتقلين من قيادات الحركة الشعبية، وأبلغهم سلفا أنه سيطلق سراح ثمانية من المعتقلين الـ11، بينما ستجرى إجراءات قانونية ضد ثلاثة منهم، هم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان أموم، وعضو المكتب السياسي دينق ألور، وكوستي مانيبي القيادي في الحزب، وبعد الإجراءات سيفرج عنهم لاحقا. وبالطبع لم يطلق سراحهم، لذلك أخل سلفا كير بوعده، وهو من يريد الاستمرار في الحرب لأن هؤلاء الثلاثة هم قيادات وفدنا (للتفاوض في أديس أبابا).
* ولكن الرئيس سلفا كير أطلق سراح اثنين من المعتقلين، منهم بيتر أدوك؟
- سلفا كير يتجه إلى تقديم البقية من المعتقلين إلى المحاكمة، بمعنى آخر سلفا يريد أن يقدم هذه القيادات إلى الإعدام عبر تقديمهم إلى محاكمة صورية. ولذلك على المجتمع الدولي الذي يضغط علينا أن يوقف هذا الرجل عند حده، لأن ما يسعى إليه هو مجزرة جديدة على قيادات اعتقلوا من منازلهم.
* هل تريد أن تصل إلى السلطة بالقوة من خلال الزحف على المدن؟
- يا أخي هناك مجازر ارتكبت في جوبا لعلكم سمعتم بها وتابعتموها.. إذا كانت لدينا نيات للإطاحة بالنظام، الذي هو تحت ظل الحركة الشعبية والجيش الشعبي، فإننا سنكون ضد الحركة. على العكس، سلفا كير هو من انقلب على الحركة الشعبية ودستورها، وعلى دستور البلاد، بالقبضة الأمنية التي يقوم بها.
نحن نريد أن يعيش شعبنا في سلام ونحترم رأي المجتمع الدولي برفض الوصول إلى السلطة بالقوة؛ لكن شعبنا لن يتحمل سلفا كير عاما آخر، والآن لعلك ترى أن القتال أصبح في كل أجزاء البلاد، وكل ذلك لأن الشعب أصبح ضد سلفا كير.
* الآن هناك اتهام لكم بقيادة حرب قبلية في جنوب السودان، خصوصا أنك تتحدر من ثاني أكبر قبائل الجنوب، وهي النوير، ما ردك؟
- ليس صحيحا على الإطلاق أنني أقود حربا قبلية، بل إن سلفا كير هو من يقود حربا على أساس قبلي. ونحن عندما سيطرنا على مدينة بور في ولاية جونقلي كانت تعليماتنا واضحة بتجنب المساس بأي شخص أعزل على أساس قبلي. أنا ومجموعتي التي تنتمي إلى قبائل الجنوب كلها ضد القبلية، لكن سلفا كير هو من يريد إشعال حرب قبلية، وقام بهذه المجازر في جوبا في الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والأيام التي تلتها وما زال، ولكن نحن نرفض ذلك.
* أنت ومجموعتك تحدثتم عن الفساد في الحكم، وأنت كنت الرجل الثاني في الحكومة.. أليس هذا تناقضا؟
- نحن لم نكن من الفاسدين، وكنت أنا ومجموعة كبيرة من قيادات الحركة الشعبية نرفع صوتنا عاليا لمحاربة الفساد، غير أن سلفا كير هو من يتستر على الفساد ولا يريد محاربته. وإذا كنا فاسدين لاشتعلت النار ضدنا، لذلك نحن نرفع صوتنا عاليا لمحاربة الفساد، وما نقوم به الآن هو حرب ضد الفساد والمفسدين.
* ما القضايا التي ستناقشونها في المفاوضات المفترض أن تبدأ بينكم؟ وهل وصل وفدكم إلى أديس أبابا؟
- أولا على سلفا كير أن يطلق سراح المعتقلين من قيادات الحركة الشعبية، لقد قام المجتمع الدولي والإقليمي بممارسة ضغوط كبيرة علينا، وقالوا لنا إن علينا أن نبدأ التفاوض أولا، وأن يطرح بند إطلاق سراح المعتقلين، ثم مناقشة قضية إن كان هناك انقلاب عسكري أم هي كذبة من سلفا وأعوانه. ثم مناقشة مجزرة جوبا ومن المسؤول فيها، ثم قضايا الديمقراطية في حزب الحركة الشعبية الحاكم، ومسألة الحكم في البلاد، والفساد والمحسوبية، والإخلال بالأمن في كل أجزاء البلاد، وقضايا التنمية، وبعدها نتفق على وقف إطلاق النار وتفاصيل هذه العملية.
* لكن الرئيس سلفا كير قال في تصريحات له إنه لن يتقاسم معكم السلطة ولن يناقش هذا البند؟
- ولماذا يرفض سلفا كير مناقشة تقاسم السلطة؟ هناك عيوب كبيرة في السلطة ظللنا نتحدث عنها لسنوات سرا وعلنا، وهذه العيوب هي التي قادت إلى تدهور الحكم في البلاد، وهي التي قادت إلى تدهور حزب الحركة الشعبية.. لذلك لا يمكن تجاوز هذه القضية لأنها أساس المشكلات في البلاد في كيفية أن يكون لدينا حكم راشد. وموقفنا هذا يعلمه أصدقاء سلفا كير في المجتمع الدولي حيث تحدثنا إليهم في فترات كثيرة، لذلك سنناقش قضايا الحكم؛ ليس على مستوى الحزب الحاكم، بل على مستوى القوى السياسية الأخرى التي تشاركنا في البلاد.
* هناك تهديد لكم من قبل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بمطاردتكم في حال رفضكم الحوار ووقف إطلاق النار، ما ردكم؟
- التدخل الأجنبي جرى بالفعل من قبل أوغندا بطيرانها منذ بداية الحرب. وتصريحات موسيفيني هي لتغطية جريمته بالتدخل في شأن داخلي. وليس هناك أي اتفاق من قبل دول الإيقاد، وقادتها على اتصال معنا.. هذه مزاعم أطلقها موسيفيني قائلا إن «دول الإيقاد ستتدخل»، لأنه تدخل بالفعل وجنوده يجولون في جوبا وطائراته تقلع من هناك، وهذا مخطط من موسيفيني وسلفا كير.
* هل ستتجه إلى دولة السودان لطلب الدعم منها في مواجهة ما تسميه بالتدخل الأجنبي؟
- (ضاحكا) بل الخرطوم هي الآن أقرب إلى سلفا كير. حكومة الخرطوم بأي حال ليست قريبة منا، وأنا أرى أن أي شخص يريد أن يدعمنا في قضيتنا العادلة سنرحب به لأن هناك تدخلا أجنبيا، ولعله من المعلوم أن مقررات الإيقاد الأخيرة أشادت بتعاون الخرطوم وجوبا، وعلاقة «شهر العسل» هذه بينهما.
* الخرطوم لديها تخوفات من إيقاف النفط، وقواتكم تسيطر على حقول النفط على الأقل في ولاية الوحدة؟
- نحن طلبنا من شركات النفط والعاملين بمواصلة العمل، و(أوضحنا) أننا سنؤمن للشركات منشآتها. وأكدنا أن النفط سيستمر في التدفق والتصدير، وأن يجري دفع مبالغ الخرطوم من استحقاقاتها وفق اتفاق التعاون الموقع بين الدولتين، وأن تودع عائدات جنوب السودان في حساب خاص حتى انتهاء الحرب. لكن نظام الخرطوم ليس لديه رغبة في ذلك.
* الآن ممن يتكون وفدك المفاوض، خصوصا أن رئيس الوفد باقان آموم والآخرين لم يفرج عنهم؟
- وفدنا مكون برئاسة تعبان دينق الحاكم السابق لولاية الوحدة، وين ماثيو المتحدث باسم الحركة الشعبية، وبيتر أدوك نابا عضو المكتب السياسي الذي منع من السفر أول من أمس وأنزل من الطائرة، وربيكا قرنق (أرملة الزعيم الراحل جون قرنق)، وهي ستلحق بالوفد لأنها الآن بعيدة، وحسين ميار نائب حاكم جونقلي، وإستيفن إطار. وننتظر أن يفرج عن باقان آموم رئيس الوفد، ودينق الور وجون لوك وكوستي مانيبي.
* وهل أنتم متمسكون بالبقاء في حزب الحركة الشعبية الحاكم أم ستؤسسون حزبا آخر؟
- نحن متمسكون بالحزب وبرؤيته وخططه التي جرى إقرارها في المؤتمر عام 2008، ولأننا مع هذا الخط، أراد سلفا كير ومجموعته إبعادنا وإقصاءنا.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.