وفد عسكري تركي في موسكو لمناقشة الانسحاب الأميركي من سوريا
غداة اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان
أنقرة: سعيد عبد الرازق
توجّه وفد من وزارة الدفاع التركية إلى العاصمة الروسية موسكو، أمس (الخميس)، لبحث آخر تطورات الملف السوري.
وقالت مصادر في وزارة الدفاع التركية إن الوزارة أرسلت وفداً إلى موسكو لبحث آخر التطورات التي تشهدها سوريا. وذكرت تقارير إعلامية أن وفداً برئاسة وزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، توجه إلى العاصمة موسكو، لبحث المنطقة الآمنة، والانسحاب الأميركي من سوريا.
وقام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بزيارة لموسكو الأسبوع الماضي أجرى خلالها مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبحث معه الانسحاب الأميركي من سوريا، والمنطقة الآمنة في شمال سوريا، والتطورات في إدلب. وأبدت موسكو انزعاجها من التطورات في إدلب وعودة هيئة تحرير الشام، التي تشكل («جبهة النصرة» سابقاً) غالبية قوامها، للسيطرة على منطقة خفض التصعيد المتفق عليها في إدلب، وأشارت إلى أن «اتفاق سوتشي» بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب الموقّع بين إردوغان وبوتين في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، لم يُنفذ بالكامل، وأن المنطقة باتت خاضعة لسيطرة شبه كاملة من جانب «النصرة».
وتأتي زيارة الوفد التركي لموسكو غداة اجتماع لمجلس الأمن التركي برئاسة إردوغان، أول من أمس، أكد مواصلة أنقرة موقفها الحازم فيما يتعلق بالحفاظ على الوضع الحالي في إدلب، وتطبيق خريطة الطريق في منبج بشكل عاجل، وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها حول شرق الفرات (في إشارة إلى المقترح الأميركي بشأن المنطقة الآمنة)
وجدد مجلس الأمن القومي التركي، في بيان، عقب الاجتماع، دعوته إلى «وقف الدعم الأجنبي المقدم إلى الإرهاب»، والتأكيد، بشدة، على مواصلة مكافحة جميع المنظمات الإرهابية دون انقطاع. ولفت البيان إلى أن الاجتماع بحث تحقيق أمن الحدود الجنوبية في إطار العملية ضد الإرهاب، والتدابير المكملة المتخذة ضد أساليب التنظيمات الإرهابية الرامية إلى إقلاق راحة المواطنين. وأكد المجلس أن تهرُّب بعض البلدان (لم يسمِّها) من تسليم أعضاء التنظيمات الإرهابية الفارين إليها «غير مقبول»، مطالباً إياها بتسليمهم بموجب القوانين والاتفاقات الدولية.
في السياق ذاته، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بعض أعضاء التحالف الدولي للحرب على «داعش» (لم يسمهم)، بـ«دعم الإرهابيين في إدلب في محاولة لإحباط الاتفاق التركي الروسي في سوتشي حول وقف التصعيد في إدلب». وقال في مقابلة مع صحيفة «حرييت» التركية، أمس، إن «بعض الشركاء في التحالف يدعمون (هيئة تحرير الشام) أولاً من أجل إلحاق الضرر بـ(اتفاقية سوتشي)، وثانياً لأن هذه الدول تبذل جهوداً كبيرة لمنع تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا.
وأضاف أن هذه الدول تحرض «هيئة تحرير الشام» على انتهاك اتفاق إدلب بتقديم الدعم المالي لها، لافتاً إلى أن لدى روسيا اقتراحاً لعملية مشتركة لإخراج الإرهابيين من هناك. وتابع أن الدول التي جاء منها المقاتلون الأجانب إلى إدلب لا ترغب في استعادتهم، وأن «هيئة تحرير الشام» لا تستطيع تجنيد المزيد من المقاتلين بسبب أن الحدود التركية السورية تحت سيطرة تركيا، مشيراً إلى أنه بعد مجيء بلاده إلى إدلب، غادر كثير من مسلحي هيئة تحرير الشام.
وأشار إلى أن علامة الاستفهام الرئيسية في إدلب هي المكان الذي سيذهب إليه متشددو تحرير الشام عند مغادرة إدلب.
وبالنسبة للمنطقة الآمنة المقترحة من جانب واشنطن، قال جاويش أوغلو إن روسيا لا ترفض رفضاً قاطعاً فكرة إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، و«رأينا ذلك خلال مباحثات الرئيس التركي في موسكو، الأسبوع الماضي، لكن تفاصيل المنطقة المقترحة من قبل الولايات المتحدة لم تتضح بعد»، لافتاً إلى أنه في أعقاب اقتراح الولايات المتحدة الخاص بالمنطقة الآمنة، أكد الروس، بشكل خاص، ضرورة العمل على وقف مخاوف تركيا. والأسئلة المتعلقة بالمنطقة الآمنة ستُناقش في اجتماع مجموعة عمل مشترك رفيعة المستوى تركية - أميركية ستُعقد في واشنطن في 5 فبراير (شباط) الحالي.
وأشار إلى أن أنقرة تعترض على إمكانية قيام النظام السوري بملء الفراغ في المنطقة التي ستنسحب منها الولايات المتحدة في شرق نهر الفرات، لأن مثل هذا السيناريو قد يشكل تهديداً للأمن القومي لتركيا، لأن «وحدات حماية الشعب» يمكن أن تتعاون مع أي طرف، بما في ذلك النظام السوري.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعترض أيضاً على دخول النظام إلى هذه المنطقة، وليس لدينا وجهات نظر مختلفة حول هذا الأمر... «الأميركيون يقولون إن النظام يعني الإيرانيين. لقد أخبرونا بذلك صراحة».
ولفت إلى أن نحو 400 ألف كردي سوري يمكن أن يعودوا إلى المنطقة الآمنة، إذا ما تم تأسيسها.
وبالنسبة لمنبج، قال جاويش أوغلو، إن هناك تأخيراً في مسار خريطة طريق منبج المتفق عليها مع الولايات المتحدة، لكن الآن تسارعت عملية التنفيذ، ونناقش قوائم الأسماء التي سيتم تعيينها في الوحدات الأمنية والإدارات المحلية في منبج.
لم يهدأ بعد الجدل الذي اندلع على خلفية احتمال عودة الجهاديين الفرنسيين أو المقيمين مع نسائهم وأولادهم إلى فرنسا، من المعتقلات القائمة شمال وشمال شرقي سوريا التي تشرف عليها وحدات حماية الشعب الكردية بمساعدة القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية.
ومع استمراره، دخل أمس رئيس الحكومة ووزيرة العدل على الخط. وأكد الأول، أن باريس تفضل استعادتهم و«محاكمتهم بقسوة في فرنسا بدلاً من أن يتوزعوا للقيام بأعمال أخرى بما في ذلك ضد بلدنا». وبعد وزير الداخلية ثم وزارة الخارجية، سعى رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب إلى طمأنة الرأي العام الفرنسي المتوجس من عودة جهاديين؛ لما يشكلونه من مخاطر على الأمن في بلد عانى في السنوات الأربع الماضية من عشرات العمليات الإرهابية. أما وزيرة العدل نيكول بيلوبيه، فقد حاولت من جانبها تهدئة روع الفرنسيين من خلال التركيز على أن أكثرية العائدين، في حال عودتهم، سيكونون من الأطفال الذين «إما ولدوا هناك أو سافروا من فرنسا وهم صغار السن مع أهلهم»، مضيفة أن «أعداد هؤلاء أكبر من أعداد البالغين».
حتى زمن ليس بالبعيد، كانت باريس تستبعد عودة البالغين من النساء والرجال وتريد محاكمتهم في مناطق اعتقالهم، في حين تركز جهودها على استعادة الأطفال وحدهم. ووفق الأرقام المتوافرة التي وصفتها الوزيرة الفرنسية بـ«غير الثابتة»، فهناك 130 من الفرنسيين في معسكرات اعتقال وحدات حماية الشعب الكردية بينهم 80 طفلاً، في حين البالغون ينقسمون بالتساوي بين الرجال والنساء. وبين هؤلاء أسماء معروفة من الذين كانت لهم أدوار مهمة في تعبئة فرنسيين وفرنسيات ودفعهم للذهاب إلى سوريا، أو لعبوا دور «المشغلين» للدفع إلى تنفيذ عمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية. يضاف إلى هؤلاء مئات عدة من الفرنسيين المتواجدين في البلدات التي ما زالت تحت سيطرة «داعش» في وادي الفرات وعلى الحدود مع العراق أو في البادية السورية ومنطقة إدلب، وبالتالي، فإن ترحيل الـ130 لا يعني أن الوجود الجهادي الفرنسي في سوريا قد انتهى. وثمة معلومات تفيد بوجود مجموعة من الفرنسيين في سجون النظام وقد أسروا في المعارك التي قامت بها القوات السورية وحلفاؤها من الميليشيات شرق البلاد. وقد اضطرت باريس إلى تغيير مقاربتها لهذا الملف المتفجر بعد قرار الرئيس ترمب سحب قواته من شمال وشمال شرقي سوريا، والمخاوف من قيام تركيا بعملية عسكرية في المناطق المذكورة؛ ما يعني أن بقاء هؤلاء الجهاديين في معتقلاتهم لن يكون مضموناً. وسبق للأكراد في سوريا أن استخدموا هذه الورقة للضغط على الغربيين لحملهم على ردع تركيا عن القيام بمغامرة عسكرية يكون من شأنها تشتت الجهاديين فرنسيين أو غير فرنسيين، أو حتى هربهم بما يضاعف مخاطر حصول أعمال إرهابية جديدة أينما كانوا. وفي حين يبدو أن القرار الأميركي لا رجعة عنه، لم يعد أمام الحكومة الفرنسية مفر من تغيير مقاربتها. وأول من أمس، أثير الملف في اجتماع لمجلس الدفاع عقد برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون لرسم المسار الذي ستسلكه فرنسا في هذه المسألة.
وأمس، كشفت صحيفة «لو فيغاور»، عن أن باريس بدأت في ترحيل الجهاديين من سوريا إلى العراق؛ تمهيداً على الأرجح لنقلهم لاحقاً إلى فرنسا. وتفيد الصحيفة، بأن 82 شخصاً وهم من البالغين قد نقلوا بالفعل إلى الأراضي العراقية. أما العدد الإجمالي للجهاديين وعائلاتهم فيقل وفق الأرقام المتداولة عن الألف.
وإذا كان الانسحاب الأميركي (2000 جندي) هو المحرك الأول الذي حمل باريس على تغيير سياستها، فلأنه يحمل أخطاراً ثلاثية الأبعاد: فهو من جهة، سيعني لاحقاً أو في الوقت عينه رحيل القوة الفرنسية والبريطانية الموجودتين إلى جانب الأكراد، وبالتالي سيضاعف مخاطر تفلت الجهاديين من الرقابة؛ نظراً للدور الرئيسي الذي يلعبه الغربيون في حراسة مخيماتهم. والثاني مرتبط بالمحادثات الجارية بين الأكراد والنظام السوري والخوف الغربي من أن يعمد هؤلاء إلى تسليمهم إلى دمشق ما سيعطيها ورقة ضغط أمنية وسياسية على العواصم الغربية الثلاث. وأخيراً، فإن باريس التي كانت تحظى بمعاملة خاصة من الطرف الكردي تتخوف كذلك من التهديدات والتحركات التركية وما سيكون لها من أثر بالغ على قدرات الأكراد على الاهتمام بالجهاديين.
الثابت اليوم، أن عودة الجهاديين مع عائلاتهم تثير الكثير من الإشكاليات، أولاها إنسانية وتتناول مصير الأطفال ويعدّون بالعشرات؛ إذ يتعين فصلهم عن أمهاتهم، وفي حال لم تقبل الأمهات هذا الفصل، فسيكون من الصعب التعامل معهم أو إبقاؤهم إلى جانب أمهاتهم في السجون. والثانية قضائية، وفحواها أن النظام القضائي الفرنسي لا يتيح النطق بالأحكام إلا بناءً على قرائن مادية وشهادات، وبالتالي سيكون من الصعب الحصول عليها من أجل إدانة الجهاديين وإرسالهم لسنوات إلى السجون. ثم هناك صعوبة لوجيستية تتناول توزيع العائدين على الس