هدنة واشنطن مجرد استراحة للقوى المتحاربة

TT

هدنة واشنطن مجرد استراحة للقوى المتحاربة

لم تبدد عودة الدوائر الحكومية الفيدرالية الأميركية إلى العمل، أجواء التوتر التي تعيشها الولايات المتحدة على خلفية تصاعد الصراع السياسي بين الرئيس دونالد ترمب وبين الديمقراطيين الذين نجحوا في السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات التشريعية النصفية الأخيرة وأحبطوا خطط الرئيس لبناء جدار فاصل مع المكسيك تزيد كلفته على خمسة مليارات دولار.
خطاب «حال الاتحاد» الذي من المفترض أن يتوجه به ترمب إلى الشعب الأميركي، ما زال موضع تجاذب وتكهنات تتعلق بما إذا كان من الملائم إلقاؤه في الوقت الذي تمر فيه البلاد بظروف لم تشهد مثيلاً لها من ناحية الاستقطاب السياسي والانقسام الشعبي، منذ عقود طويلة.
ويسع متابع وسائل الإعلام الأميركية ملاحظة الحملات القاسية التي يتعرض لها ترمب في أكثرية الشبكات التلفزيونية (باستثناء «فوكس» المحافظة، بطبيعة الحال) وسيل الانتقادات التي تنصبّ عليه من مقدمي البرامج السياسية والكوميدية، إضافة إلى المقالات التي تلقي عليه مسؤولية الصعوبات التي واجهها نحو 800 ألف موظف فيدرالي بسبب الإقفال الحكومي الذي امتد لأكثر من شهر ودخل التاريخ كأطول توقف لأعمال الحكومة. المشاهد للبرامج التلفزيونية وقارئ الصحف الأميركية قد يعتقد أن الرئيس فقد كل تأييد له بين مواطنيه وبات سقوطه مسألة وقت، خصوصاً إذا أُضيفت نتائج استطلاعات الرأي إلى المناخات التي تعلن انحسار ظاهرة ترمب وفقدانه القسم الأكبر من دعم الأميركيين له ولسياساته.
بيد أن هذه اليوميات السياسية ينبغي ألا تحجب حقيقة الأزمة العميقة التي يمر بها النظام السياسي الأميركي والتي كان انتخاب ترمب تعبيراً عنها وليس سبباً لها. ومما يستحق الاهتمام موقف اليمين المسيحي الذي يتمتع بنفوذ وثقل لا يستهان بهما في الولايات الداخلية. ويعرف المسيحيون المحافظون ما يتعرض له ترمب من اتهامات تتعلق بالفضائح وانتهاكات الأعراف السياسية وحتى الأخلاقية، لكنّ ذلك لا يمنعهم من الاستمرار في تأييده ودعمه، ليس إعجاباً به أو بسلوكه، لكن لاعتقادهم أن الرجل يمثل جزءاً من مخطط كبير لإنقاذ الولايات المتحدة مما يحاول الديمقراطيون والليبراليون واليساريون عموماً دفع «أميركا العظيمة» إليه.
ويقدم نائب الرئيس مايكل بنس العينة النموذجية للجمهور اليميني المحافظ الذي تترافق عنده المقولات الدينية في المجال الاجتماعي كرفض الإجهاض، ومعارضة حركات حقوق المرأة والأقليات والمثليين، مع التشدد السياسي لناحية إحاطة الحكومة الفيدرالية بالشك والشبهة، والعداء للأجانب، والنزعة الحمائية الاقتصادية، وسوى ذلك.
ولهذا الجمهور وسائل إعلامه وأجهزته الدعائية والتعبوية التي قد لا تكون بذات شهرة الوسائل المعارضة لترمب، كما أن الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري وحلفاءه في اليمين الديني ليسوا الفئة التي يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها في أي استحقاق انتخابي. من هنا يمكن فهم تشديد الرئيس الأميركي على خطاب تقسيمي يستثمر في التوتر السياسي بين شقين من المجتمع الأميركي تزداد عوامل التفرقة بينهما عمقاً وحدّة. إذ ليس من المفيد لترمب أن يبشِّر بالوحدة القومية وبالمصالحة بين الفئات المختلفة وهو الذي جاء إلى البيت الأبيض على وقع صراع شديد القسوة مع الديمقراطيين ومحمّل كذلك، هذا الصراع، بالدلالات الاجتماعية والثقافية عن المرحلة الحالية في تاريخ الولايات المتحدة والتي ربما تكون مرحلة انتقالية ترتفع فيها درجات الخوف من المستقبل وانعدام الثقة بالآخر وصولاً إلى العداء الصريح له ومحاولة إلغائه وإقصائه.
دينامية التغيير الاجتماعي والاقتصادي التي يجوز تلخيصها بتغير السمات السكانية والعمرية للأميركيين، وظهور أصوات مرتفعة تطالب بالمزيد من الحقوق للأميركيين - الأفارقة وللمتحدرين من أصول لاتينية في الوقت الذي ينحو فيه الاقتصاد نحو التخلص من أشكال العمل والتعاقد القديمة وإحلال صيغ مرنة يستفيد منها رب العمل وتجعل الأجير في حالة قلق دائم على مستقبله ومستوى معيشته، تحصل في ظل نظام سياسي أصبح الشلل من علاماته الظاهرة بسبب رسوخ الانقسام بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري وصعوبة تَشَكّل بديل ثالث، ما يجعل من الصعب حصول أي تغيير من دون احتكاكات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
عليه، ربما تكون الهدنة التي أتاحت إعادة فتح دوائر الحكومة الفيدرالية مجرد استراحة للقوى المتحاربة تعيد خلالها حساب نقاط الربح والخسارة في الجولة الأخيرة التي بدأت مع انتزاع الديمقراطيين مجلس النواب من الحزب الجمهوري. ولا ريب في أن جدول أعمال المعارك المقبلة طويل وحافل.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.