المواقع الإلكترونية للمؤسسات اللبنانية في مصيدة القراصنة

TT

المواقع الإلكترونية للمؤسسات اللبنانية في مصيدة القراصنة

يقع معظم المواقع الإلكترونية العائدة للوزارات والإدارات الرسمية اللبنانية، في مصيدة القراصنة، الذين تمكنوا من اختراقها والدخول إلى أنظمتها وسرقة قاعدة بياناتها، بما يعرّض هذه المؤسسات لخطر بيع المعلومات السرية لجهات خارجية، أو لاستخدامها في عمليات ابتزاز تطال أصحابها. وقد تمكن القضاء بمساعدة الأجهزة الأمنية من وضع اليد على جزء كبير من هذه الأفعال وملاحقة مرتكبيها على جرائمهم التي تمسّ سرية عمل الدولة وتعرّضها للخطر.
ولا يكاد يمرّ أسبوع من دون الإعلان عن قرصنة موقع رسمي في هذه المؤسسة أو تلك، وكان آخرها الكشف عن قرصنة موقع مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، والتلاعب ببياناته قبل أن تجري استعادتها، وتزامن ذلك مع قرار أصدره قاضي التحقيق في بيروت غسان عويدات، اتهم فيها ثلاثة أشخاص، بقرصنة مواقع عائدة لشركة «أوجيروا» للهاتف الثابت، وقرصنة مواقع إلكترونية أخرى عائدة لشركات ومؤسسات في القطاع الخاص، واستحصالهم على خريطة شبكة توزيع الإنترنت في هيئة «أوجيرو»، بما يتيح لهم التنصت على الاتصالات الهاتفية وعلى طبيعة استعمال المستخدمين لشبكة الإنترنت، ودخولهم أيضاً على موقع إدارة هيئة السير والآليات والمركبات المرتبطة الوزارة الداخلية، ونسخ كامل المعلومات الخاصة بها.
وعزا الخبير في علم الاتصالات العميد نزار خليل، سبب انتشار فوضى القرصنة إلى أن «الأجهزة الإلكترونية المستعملة في المواقع اللبنانية أغلبها من الجيل القديم، ولا تتماشى مع تقنيات الحماية الحديثة»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «القراصنة يلاحقون التقنيات ويعملون على استباقها والتكيّف معها، ما يسهّل عليهم الدخول إلى الأنظمة». وعن الأسباب التي تسهّل اختراق المواقع الرسمية العائدة للوزارات والأجهزة الأمنية وإدارات الدولة، شدد العميد خليل على أن الأمر «يعود لغياب الحكومة الإلكترونية في لبنان، ولكون هذه المؤسسات تستخدم (الداتا) نفسها والإنترنت المستعمل في الشركات الخاصة». وأعطى مثالاً كيف أن موقع «غوغل» يتمتع بنظام حماية ضدّ القرصنة يستحيل اختراقه، ويصعب على القراصنة فكّ رموزه والدخول إليه».
وكان المقرصن إيلي غبش، الموقوف في جرائم اختراق حسابات عدد كبير من الوزارات والمصارف والشركات وتركيب ملفات أمنية لبعض الأشخاص، أعلن خلال استجوابه أمام المحكمة العسكرية، أن «أنظمة المواقع الإلكترونية الموجودة في لبنان ضعيفة وركيكة وهو ما يسهل اختراقها». واعترف غبش بأنه «تمكن من اختراق مواقع 12 وزارة وإدارة رسمية في يوم واحد»، كاشفاً أنه كان «يعمل لدى عدد من الأجهزة الأمنية في تعقب حسابات أشخاص مشبوهين إما بالتواصل مع الموساد الإسرائيلي أو تنظيمات إرهابية، قبل توقيفه بعمليات مخالفة للقانون».
وتتعدد الطرق التي يعتمدها القراصنة لاختراق المواقع الإلكترونية، والتي تعتمد على برمجة محددة للدخول إليها والاستيلاء على معلوماتها، على حدّ تعبير المهندس في مجال الاتصالات حسن حبيب خضر، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقرصن هو عبارة عن مبرمج شبكات، يبحث عن مناطق الضعف ويتمكن من اختراقها من خلال ثغرة محددة، ويدخل إلى نظام الحماية العائد للموقع عبر برمجيات معينة لا يعرفها سوى متخصص بالحاسوب وبرمجة الشبكات، ثم يقوم بفك شيفرات الحماية وكلمات السر بعد محاولات كثيرة، وهذا العمل قد يستغرق ساعات قليلة وربما أشهراً كثيرة من المتابعة والرصد للعمليات التي تجري على الموقع».
وأعطى المهندس حسن خضر تعريفاً لنظام الحماية، الذي هو عبارة عن نظام برمجي تقوم الشركات الكبرى ببرمجته وتشفيره، وقال: «ما إن يتمكن المقرصن من تحديد هذه الثغرة، يباشر مهمة الدخول إلى الموقع، حيث يقوم بإيهام النظام بأن الدخيل هو جزء منه، فيستخدم تقنية البرمجة والتغيير فيها بما يتناسب مع هدفه».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم