البرلمان البريطاني يحاول أخذ المبادرة من الحكومة لمعالجة استحقاق «بريكست»

ناشطون مناهضون للخروج من الاتحاد الأوروبي في باص بأحد شوارع لندن (أ. ف. ب)
ناشطون مناهضون للخروج من الاتحاد الأوروبي في باص بأحد شوارع لندن (أ. ف. ب)
TT

البرلمان البريطاني يحاول أخذ المبادرة من الحكومة لمعالجة استحقاق «بريكست»

ناشطون مناهضون للخروج من الاتحاد الأوروبي في باص بأحد شوارع لندن (أ. ف. ب)
ناشطون مناهضون للخروج من الاتحاد الأوروبي في باص بأحد شوارع لندن (أ. ف. ب)

يصوّت النواب البريطانيون غداً (الثلاثاء) على مجموعة مقترحات في محاولة منهم لأخذ المبادرة من السلطة التنفيذية، والسعي للخروج من المأزق الناتج عن رفض مجلس العموم للاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة مع الاتحاد الاوروبي بشأن "بريكست".
وقد رفض مجلس العموم في 15 يناير (كانون الثاني) الجاري اتفاق "بريكست" الذي تفاوضت عليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي لعدة أشهر، مما فتح الباب أمام احتمال الخروج من دون اتفاق، وأثار بالتالي ذعر الأوساط الاقتصادية وجزء من الطبقة السياسية.
وبعد هذا الرفض، لم تقدم ماي خطة بديلة طالبها بها النواب. ولذلك، أعدّ بعضهم مقترحات توضح ما يريدونه بشأن مستقبل عملية الخروج. وتطالب الأفكار في جوهرها بإعادة التفاوض على اتفاق الخروج، ومنع الوصول الى "بريكست" من دون اتفاق، وتأخير الانفصال، وأيضاً البحث في احتمال تنظيم استفتاء ثانٍ.
أما منع "بريكست" من دون اتفاق فهو مضمون الاقتراح الذي قدمته النائبة المحافظة كارولين سبيلمان، بدعم أكثر من 120 نائباً. وهناك اقتراح آخر يريده قائد حزب العمال جيريمي كوربن يستبعد أيضاً احتمال الخروج من دون اتفاق، ويعرض على مجلس العموم إما التصويت على اتفاق معدّل يتضمن اتحاداً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي و"علاقة متينة" مع السوق الموحدة، وإما تنظيم استفتاء ثانٍ.
من جهته، قدم النائب المحافظ دومينيك غريف اقتراحا ينص على السماح للنواب باستعادة القدرة على تقرير مضمون جدول أعمال البرلمان جزئياً. وسيتوجب على السلطة التنفيذية عندها منحهم مهلة ستة أيام من أجل مناقشة خيارات عدة والتصويت عليها.
واقترح النائب العمالي هيلاري بين تنظيم سلسلة من جلسات التصويت لتحديد ما يريده النواب. ويعمد مجلس العموم إلى التصويت مرة ثانية، وفق الاقتراح، على اتفاق الخروج، وفي حال الرفض، يصوت النواب على سيناريوهات أخرى، من بينها الخروج من دون اتفاق، وإعادة التفاوض على الاتفاق، أو تنظيم استفتاء جديد.
و تقترح النائبة العمالية إيفيت كوبر، بدورها، أن يستعيد النواب القدرة على وضع اليد على جدول أعمال البرلمان. وفي حال اعتماد هذا الاقتراح، سيناقش النواب في 4 فبراير مشروع قانون يجبر الحكومة على تأجيل موعد "بريكست" ما لم يجر التوصل إلى أي اتفاق بحلول 26 من الشهر نفسه.
وهناك مقترحات عدة تطالب بإزالة مادة "شبكة الأمان" الخلافية حول آيرلندا من اتفاق الخروج، والتي تهدف إلى تجنب عودة الحدود بين مقاطعة آيرلندا الشمالية البريطانية والجمهورية الآيرلندية. وفي حال اعتماد أحدها، سيصبح بإمكان تيريزا ماي أن تقول للاتحاد الاوروبي ان التخلي عن شبكة الأمان سيتيح لمجلس العموم التصويت على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ولا يلزم أي مقترح السلطة التنفيذية بتنفيذه على الفور، لكن تجاهل ماي لرغبات غالبية النواب فيه مخاطرة سياسية، خصوصاً أنها تجد نفسها أمام ضغط متصاعد من نواب الأكثرية، وحتى من أعضاء في حكومتها، يريدون استبعاد احتمال حصول الطلاق من دون اتفاق.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟