«صوت الأزهر»... صحيفة المشيخة الرسمية تثير الجدل بأفكار جريئة

رئيس تحريرها لـ «الشرق الأوسط»: المطبوعة رأس حربة في ملف تجديد الخطاب الديني

أحمد الصاوي رئيس تحرير «صوت الأزهر»  (الشرق الأوسط)
أحمد الصاوي رئيس تحرير «صوت الأزهر» (الشرق الأوسط)
TT

«صوت الأزهر»... صحيفة المشيخة الرسمية تثير الجدل بأفكار جريئة

أحمد الصاوي رئيس تحرير «صوت الأزهر»  (الشرق الأوسط)
أحمد الصاوي رئيس تحرير «صوت الأزهر» (الشرق الأوسط)

«صوت الأزهر»... الصحيفة الرسمية لمشيخة الأزهر، باتت تُثير الاهتمام والجدل في الوسط الصحافي والإعلامي أخيراً، بسبب أغلفتها الجريئة وأفكارها غير المعتادة. ففي وقت تعاني فيه صناعة الإعلام بمصر، خصوصاً الصحافة الورقية، من مشكلات عدة تهدد بقاءها، دار سجال حول دور مؤسسة الأزهر في تجديد الخطاب الديني، ما عرَّض المؤسسة لانتقادات حادة وصلت إلى حد اعتبارها «مفرخة للفكر المتطرف»... في هذا الوقت تم تكليف الكاتب الصحافي أحمد الصاوي، رئيساً لتحرير «صوت الأزهر»، ما أثار قدراً من الجدل باعتباره كاتباً منتمياً إلى التيار المدني، كما كان ظاهراً من كتاباته التي اشتهر بها على صحفتي «المصري اليوم»، و«الشروق» المصريتين. تجربته الصحافية كرئيس تحرير للجريدة، التي كانت غير معروفة إلا في الوسط الديني، أثارت مزيداً من الجدل خصوصاً عبر إصداره أعداداً تحتفي بالمواطنة، وتدافع عن حقوق الأقباط، وتحتفل بعيد الميلاد، وتنتصر للمرأة، وتستكتب كتاباً أقباطاً ونساء غير محجبات، إضافة إلى أعداد احتفت بالفن وبأفلام سينمائية بعينها ووضعت أبطالها على غلافها... «الشرق الأوسط» التقته في حوار بعيد عن كل التحفظات:

> «صوت الأزهر» كوسيلة إعلام لمؤسسة دينية مُحافظة... كيف انعكس هذا الطابع المحافظ على الجريدة؟
- انعكس إلى حد إصدار أعداد تحتفي بمولد السيد المسيح، ومناصرة معركة المرأة ضد التحرش، والاحتفاء بأفلام سينمائية. الحقيقة أن الجريدة رغم كل هذا لم تخرج عن الطابع الأزهري.
> لكن البعض اعتبر أن الجريدة قامت باختراقات عندما استكتبت ونشرت على غلافها صوراً لنساء غير محجبات ما أثار الغضب؟
- الجريدة عبّرت صحافياً عن بيان الأزهر ضد التحرش، خصوصاً دفاعه عن المرأة أياً كان مظهرها، وأردنا أن نترجم البيان عملياً بغلاف يعبِّر عن المرأة المصرية ويجمع بين المحجبات وغير المحجبات، وكان العدد كله يناقش قضية التحرش، ومشكلة البعض أنه اعتبر غلاف العدد كأنه فتوى تخص الحجاب، وفي هذا العدد استلهمنا من نهج الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وأفكاره التي ترفض الخلط بين الأمور.
> كيف تتعامل «صوت الأزهر» كوسيلة إعلام لمؤسسة تتعرض لضغوط واتهامات وتشكيك؟
- بالمعلومات... في البداية كان البعض يتجه إلى الخطابة والإنشاء في ردوده أو إلى تسفيه مطلقي الاتهامات؛ لكننا انتهجنا سياسة الرد بالمعلومات، خصوصاً أنني أعتبر نفسي «صحافياً ما زال يسعى لفهم الأزهر أكثر من كونه مُعبراً عن الأزهر».
> البعض يقول إن الأزهر يستخدمك لتجميل صورته عبر ترك المساحة لك في الجريدة لتطرح هذه الأفكار؟
- عندما أعرض معلومات عن الأزهر فهذا ليس تجميلاً، إنما طرح لحقائق ربما تكون غائبة أو مغيبة بقصد أو من دون... وفكرة التجميل ليست قائمة، لأن كل عدد يصدر من الجريدة يعبر عن الأزهر ويتحول إلى وثيقة تعبر عن المرحلة، ويمكن أن يكون حُجة ضد أي أحد داخل الأزهر يمكن أن يتراجع عن المواقف المعلنة في الجريدة، وهذا في حد ذاته مكسب، لأن الخطوة التي نقطعها في طريق التجديد تثبت بالنشر والإعلان... وبالتالي فالجريدة «رأس حربة» أزهرية في ملف تجديد الخطاب الديني، وما قطعته يعبر عن بعض إنجاز الأزهر في هذا الملف.

غلاف يحتفي بالمواطنة ويدافع عن حقوق الأقباط باحتفالهم بعيد الميلاد

غلاف عن المرأة نشر صور غير محجبات  في الجريدة وأثار جدلاً

غلاف عدد خاص عن زيارة  بابا الفاتيكان لمصر

> هل تتعرضون لضغوط من المشيخة حول موضوعات أو أشخاص لا يتم التعامل معهم؟
- الأمر يخضع دائماً للحوار والنقاش، لا يوجد في قاموسنا شيء اسمه ضغوط، وأقول بجزم واضح إن قيادات المشيخة تطالع الجريدة مع القراء صباح يوم الصدور؛ لكن هناك تفاهماً على السياسة التحريرية، وعلى بعض المحددات، منها استبعاد «المتطرفين» وخطابهم سواء كانوا من المتزمتين دينياً أو المتشددين علمانياً، والبعد عن الغلو في كل شيء... غير ذلك لا توجد ممنوعات ولا ممنوعون، والجريدة منفتحة على الجميع، وسبق أن نظمت حملة تسمى «اسأل الأزهر» فتحت من خلالها المجال لتنوع من المثقفين بعضهم ينتقد الأزهر، للحوار مع المؤسسة والرد على أسئلته.
> وهل يُمكن لمؤسسة دينية لها وسيلة إعلام أن تعمل وفق قواعد مهنية؟
- لا يُمكن لوسيلة إعلام عموماً أن تنجح وتضمن لنفسها الاستدامة دون قواعد مهنية... والأهم الالتزام بمعايير الدقة والإنصاف وفصل المعلومات عن الرأي والابتعاد عن لغة التخوين والتكفير وإشاعة الكراهية.
> وكيف تقنعني بذلك؟
- الإقناع بالممارسة... أستطيع أن أقول لك على سبيل المثال إن المؤسسات المعنية بالرصد في الإعلام المصري تُصدر تقريراً عن الممارسة الصحافية فيه الكثير من مخالفات الصحف، ولا يتضمن أي مخالفات على «صوت الأزهر»، فنحن ملتزمون بالقواعد الأساسية للإعلام بما في ذلك حق الرد والاختلاف.
> هل يعد وجودك في الأزهر تحولاً بالنسبة إليك قد يراه البعض مناقضاً لأفكارك القديمة؟
- أفكاري كما هي، وطوال الوقت قبل عملي مع الأزهر وفي أثنائه وبعده، وأنا أكتب عن احترام التنوع وحرية العقيدة ودولة المواطنة ورفض التطرف والتكفير، وغير ذلك من القضايا الأساسية التي لم تتغير نظرتي إليها وما زلت أعبِّر عنها بنفس الفهم، على العكس وجدت لهذه الأفكار تأصيلاً داخل الأزهر يدعمها ويدعم تمسكي بها، رسخ لديَّ يقيناً بالتجربة أن كثيراً مما يُكتب عن الأزهر سببه الرئيسي نقص معلومات، لا أعفي الأزهر نفسه من المسؤولية عنه.
> مَن يضع السياسة التحريرية للجريدة... وهل لك دور في ذلك؟
- السياسة التحريرية منبثقة من السياسة العامة للمؤسسة الأزهرية، والتي تنحو نحو الوسطية وتنبذ الصراع، وللجريدة مجلس إدارة يرأسه الدكتور أحمد الطيب، ويضم في عضويته جميع قيادات الأزهر وجامعته، وحدث في فبراير (شباط) من عام 2017 أن أطلق الدكتور استراتيجية الأزهر الإعلامية، والتي تمثلت في تطوير وإطلاق منصات إعلامية كانت الجريدة إحداها... من المهم أن نعرف أنها جريدة قديمة عمرها 20 عاماً وصدر منها أكثر من ألف عدد ببضعة أعداد، وانصبّ تطويرها على جعلها متاحة للجمهور ومعبّرة عنه بعد فترة بدت فيها كأنها جريدة داخلية تخص الأزهريين فقط يكتبونها ويقرأونها... وبالتالي لا تحرّك ساكناً ولا تترك أثراً أبعد من محيط الأزهر... وأعتقد أنها الآن لها حضورها المعقول في الشارع، ومساحة الاهتمام بها في الإعلام وخارج الأزهر في تزايد.
> أين موقع الجريدة بين الصحف الدينية في مصر؟
- شخصياً لا أرى أن الصحيفة دينية بالمعنى المعروف... حدَّثتك عن استراتيجية شيخ الأزهر الإعلامية، وهي التي ضمت إصدارين أساسيين للأزهر، هما الجريدة، ومجلة الأزهر، والأخيرة هي التي ينطبق عليها الوصف الديني الكامل، لتخصصها في القضايا الفقهية والتراثية ولغتها البحثية الرصينة، أما الصحيفة فتهتم بالقضايا العامة؛ لكن من منظور الإطار القيمي للأزهر، وتهتم بالتفاعل بين الأزهر ومجتمعه وبينه وبين العالم، وبما يهم المواطن المصري بمعالجة صحافية في الأساس... يمكن أن تقول إنها امتداد لمدرسة صحفنة الشأن الديني، والهدف في النهاية هو أن تكون الجريدة جسراً للحوار بين الأزهر والمجتمع، وقنطرة مزدوجة لنقل الأفكار من داخل الأزهر إلى خارجه، ومن الخارج إلى الداخل، فـ«صوت الأزهر» لا تستهدف الأزهريين فحسب؛ بل حاولت التوجه إلى مخاطبة المجتمع، عبر معالجة قضايا اجتماعية وفكرية وثقافية وفنية ورياضية عدة، واستكتاب كُتاب متنوعين في خلفياتهم.
> وكيف تواجه الجريدة أزمة الصحف الورقية في مصر، وماذا عن الخطط المستقبلية؟
- نواجهها بتعظيم الاشتراكات وزيادة نسبتها باستمرار، وتطوير المحتوى بالشكل الذي يجعل المعالجات حصرية غير متاحة بوصفها وشكلها على الوسائل الأخرى.
> ماذا عن إشكالية عدم وجود موقع فوري... أو نسخة عربية أو دولية؟
- نتمنى إطلاق موقع إلكتروني جديد بطاقة أكبر، وبلغات متعددة لخدمة جمهور الأزهر في العالم كله، هذه المؤسسة العالمية تستحق أن يكون حضورها في الإعلام أفضل من ذلك، وأن نطلق نسخة دولية تعبر عن نهج الأزهر، الذي يتم الاحتفاء به في العالم كله... فمحتوى الجريدة يصبّ في إطار هدف الأزهر والدولة المصرية؛ بل والمنطقة كلها، وهو مكافحة الإرهاب الذي أصبح تحدياً للعالم كله.


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».