لؤي كيالي... وبيكاسو

في ذكرى الفنان السوري الذي توفي بطريقة مأساوية عام 1978

«بائع الكعك» من أعمال لؤي كيالي
«بائع الكعك» من أعمال لؤي كيالي
TT

لؤي كيالي... وبيكاسو

«بائع الكعك» من أعمال لؤي كيالي
«بائع الكعك» من أعمال لؤي كيالي

نتساءل أحياناً حين نقف أمام بعض الأعمال الفنية: ما الذي يشدّ انتباهنا نحوها؟ هل الأعمال الفنية ذاتها، أم معرفتنا بحياة الفنان الذي قام بتنفيذها، وتعاطفنا معه؟ أم شهرته؟ تختلف الأسباب والإعجاب واحد!
في الأخير يذهب الفنان، وتبقى لوحاته التي تخلد ذكره. وقد لا يكون لؤي كيالي صاحب مدرسة فنية أو اتجاه فني جديد في عالم الفن الحديث والمعاصر، لكنه قدّم تعبيراً عن الحالة الوجودية للإنسان المعاصر، حالة الغربة والعزلة والبؤس التي تتجلى في لوحاته، البحث عن معنى، أو البحث عن مخرج لهذا القلق الذي يشعر به. هذا الفنان السوري قد يشدّ الانتباه لفنه أو التعاطف مع شخصه، من قصة حياته وموته المأساوية، حيث توفي عام 1978، في حادث حريق لا يُعلم إن كان نتيجة انتحار عقب حالة الكآبة الشديدة التي أُصِيب بها، أم إثر احتراق لفافة تبغ على سريره.
ففي العشرين من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، لم يكن غريباً أن يحتفى محرك البحث «غوغل» بالذكرى الخامسة والثمانين لميلاد هذا الفنان الراحل، كعادته بالاحتفاء و«التذكير» بالرموز الفنية والثقافية والعلمية من مختلف بقاع العالم.
كثير من النقَّاد شبّه لوحات وشخوص لؤي كيالي بشخوص الفنان الإيطالي مودلياني، في طريقته في رسم الوجوه الطولية والعنق الطويل، ولعل التشابه بينهما كذلك في أن كليهما توفي شاباً؛ مودلياني في الخامسة والثلاثين، وكيالي في الرابعة والأربعين، لكني أجد التشابه بين كيالي وبيكاسو في مرحلته الزرقاء أكثر وضوحاً.
إن ما ميَّز بيكاسو في مرحلته الزرقاء جو الكآبة المخيم عليها، وتصويره لحالات الفقر والبؤس، وليس فقط اللون الأزرق المهيمن عليها، وهو ما نجده لدى كيالي، الذي رسم هذه الموضوعات، وظهرت في ملامح شخصياته، كذلك بعض الوضعيات التي رسمها بيكاسو نجدها لدى كيالي؛ تلك الأجساد النحيلة، وكأنها عظام مكسوة بالجلد، والمفاصل البارزة على الرغم من صغر سنها. الاختلاف بينهما أن مرحلة بيكاسو الزرقاء انتهت وانتقل إلى مراحل أكثر حيوية وبهجة، كما أن طول عمر تجربته أدى إلى تنوعها في الموضوعات والحالات، والانتقال من ثم لأشكال جديدة من التعبير الفني، في حين كانت تجربة لؤي كيالي أقصر عمراً ومعبرة غالباً عن حالة واحدة خيمت عليه طويلاً، على الرغم من تنوع موضوعاته، لكن كانت بعضها أكثر تكراراً، مثل رسمه للفتيان من باعة متجولين وماسحي أحذية، حيث يتشابه الصبية في هذه اللوحات، وكأنهم صورة لطفل واحد يشبهه.
استبدل ملامح الطفولة بملامح البؤس والشقاء، وكأنه ينعى طفولتهم وطفولته في هذه اللوحات. ولعل هذا الانتقال من موضوع لآخر أشبه بالبحث عن شيء ما، حتى في رسم كيالي للموضوع الواحد لمرات كثيرة، وكأنه يجرب، أو يبحث عن الحالة المثلى والتعبير الأمثل لما يشعر به، ما ينبئ بعدم الرضا، وهو ما يمكن التأكيد عليه من خلال تتبع حالته الصحية والمرضية، وإصابته بالاكتئاب لفترات من حياته. مثل هذه الحالة الفنية لدى لؤي كيالي، وتجاربه المتنوعة التي توحي بعدم اكتمال التجربة الواحدة تثير التساؤل حول ما ستكون عليه أعماله لو أنه عاش مدة أطول، هل سينحو لاتجاه أكثر تجريداً كما فعل بيكاسو، إلى أن يصل لمرحلة من التجديد وخلق أسلوب فني خاص، أم سيستمر بالنحو ذاته في تكرار التجارب والإجابات عن الأسئلة الفنية ذاتها؟!

- أكاديمية سعودية متخصصة في النقد الفني


مقالات ذات صلة

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».