مهرجان صندانس يتجاوز المتغيرات ويعرض لسينما العالم

دورته الخامسة والثلاثون تبدأ بفضيحة

من «مغادرة نفرلاند»: الجانب الداكن من المغني جاكسون
من «مغادرة نفرلاند»: الجانب الداكن من المغني جاكسون
TT

مهرجان صندانس يتجاوز المتغيرات ويعرض لسينما العالم

من «مغادرة نفرلاند»: الجانب الداكن من المغني جاكسون
من «مغادرة نفرلاند»: الجانب الداكن من المغني جاكسون

‫لم يدم ظهور رئيس مهرجان صندانس، روبرت ردفورد، سوى بضع دقائق. لم يكن مستعجلاً للعودة إلى التصوير ولا كان هناك الكثير مما يريد الإشارة إليه في مستهل الدورة الخامسة والثلاثين التي انطلقت في الرابع والعشرين من هذا الشهر‬ وتنتهي في الثالث من الشهر المقبل.
من ناحية ليس هناك مزيد مما يمكن إضافته من كلام حول مهرجان قدّر له أن يقود حركة الفيلم المستقل عندما كانت ما تزال في أوجها في السبعينات والثمانينات، ثم قيادة ما تبقى منها فيما بعد. لقد تبدلت الأوضاع في شتى جوانب صناعة السينما وداهم «المستقلون» شركات التوزيع الكبيرة التي حوّلت معظمهم إلى زبائن. ثم - وبشكل مطرد - اقترحت، ثم أوصت واشترطت، أي نوع من الفيلم المستقل تريده منهم، فإذا به يتحوّل إلى مجرد فيلم آخر من نتاجات المؤسسة الكبرى المعروفة بهوليوود بفارق أن ميزانيّـته أقل من تلك التي تقوم برصدها تلك الشركات الكبيرة العاملة.
- أي سينما؟
سألت سبايك لي في لقاء قصير تم بيننا مؤخراً عن حال السينما المستقلة. ابتسم تلك الابتسامة التي تبدي أكثر مما تخفي وأجاب: «أي مستقلة؟». كان لا بد من ضحكة ساخرة رغم جدية السؤال ثم استكمل مخرج «بلاكككلانسمان» قائلاً: «المفهوم الذي صنع ما نعرفه بالسينما المستقلة توارى في مقابل تحوّل الأفلام المصنوعة على هذا الغرار إلى أفلام لا تختلف كثيراً عن الإنتاجات التي تغمر السوق العالمي. هذا جيد بالنسبة لمن أراد دخول السينما بصرف النظر عن الباب الذي يدخل منه، لكننا بالكاد نستطيع أن نتبين معالم الكلمة هنا».
المتغيرات ليست وقفاً على ما آلت إليه السينما المستقلة. في كلمته الموجزة أشار ردفورد إلى مفترق طريق أمام السينما في زمن ترمب وقال إن «ما نعيشه هو حالة انقسام في المجتمع الأميركي، ليس جديداً لكنه متطوّر عما كان عليه». وهو رأى في كلمته أن المهرجان ما زال ضروريا على الرغم من المتغيرات من حوله.
«لم يعد المهرجان بحاجة إلى كثير تقديم». قال ردفورد قبل أن ينسحب من المؤتمر الصحافي بعد كلمته القصيرة تاركاً المجال أمام المدير العام للمهرجان كيري بوتنام، التي أشارت بدورها إلى متغيرات أخرى عندما لاحظت أن ما بات يهم الكثير من المخرجين معرفة عدد «اللايكات» التي يحصدونها على مواقع الإنترنت: «هذا يخلق تحدياً إضافياً أمام السينما الراغبة في تعميق المضامين التي تتناولها».
إذا ما كان مفهوم السينما المستقلة تعرّض خلال السنوات القليلة الماضية لتحلل بفعل القدم أو الظروف الطارئة فإن المهرجان طار فوق غبار الصدام الحاصل بسبب هذه المتغيرات جاعلاً من نفسه منبراً للأفلام العالمية التي تنطلق بعيداً عن المؤسسات حتى وإن انتهت إليها.
حتى أكثر من عشر سنوات بقليل، كانت نسبة الأفلام العالمية المشتركة في مهرجان صندانس تشكل نحو 25 في المائة. اليوم هي مناصف تام له مسابقتان منفصلتان ومئات السينمائيين القادمين إلى المهرجان من كل طرف.
في هذا الصدد قالت كيري: «المهرجان هو شيء آخر أكبر من المتغيرات التي تقع بسبب التكنولوجيا الحديثة. إنه عن جمع العدد الوفير من السينمائيين حول العالم لكي يكون وجودهم محط تبادل وتعارف ونقاش».
وهي لاحظت أيضاً أن المهرجان بحاجة إلى أصوات الإعلاميين. لهذا ليس غريباً أن نرى في هذه الدورة الكثير من النقاد والصحافيين الآتين من حول العالم. وهي أشارت إلى أن 63 في المائة من النقاد والصحافيين الحاضرين هذا العام هم من الفئات «الأقل تمثلاً» على الخريطة الإعلامية.
- جاكسون المتهم والمذنب
مساعي المهرجان وغاياته المذكورة ترتطم ببعض العثرات. هذا العام تم منع مخرجين من دخول الولايات المتحدة ما يعني أن فيلميهما سوف يعرضان من دون وجودهما. إنهما المخرجة السورية سؤدد كعدان والمخرج الإيراني أرمان فيّاز.
لكن من الواقعي القول إن غيابهما ليس موضوع نقاش وحوار لا بين الإعلاميين على مواقعهم ولا بين الحاضرين في لقاءاتهم. إنه شيء متوقع في مرحلة من الأوضاع السياسية المتقلبة والخطرة على أكثر من وجه. بذلك المنع هو تحصيل حاصل لمواقف دول تتواجه في لعبة الأمم السياسية والعسكرية وحال مفهوم بالنسبة لمن لديه الحق في قبول أو رفض من يريد دخول البلاد لأي سبب كان.
الضجة الكبيرة - حتى الآن - لا علاقة له بالسياسة وانطلقت مع فيلم الافتتاح «مغادرة نيفرلاند» (Leaving Neverland) فهو هوجم قبل وخلال وبعد عرضه من قِبل الذين اعتبروا مايكل جاكسون (والفيلم يدور حوله) متحرشا جنسيا خطيرا ومن قِبل عائلة المغني الراحل على حد سواء. هذه الأخيرة كان لها صوت أعلى متهمة مخرج الفيلم بأنه استخدم شهرة المغني ومكانته العالمية لتنفيذ فيلم فضائحي.
الوصف صعب تصديقه لأن الفيلم في أربع ساعات تقريباً وهي مدّة أكبر بكثير مما يقتضيها فيلم لو كانت مقاصده فضائحية. لكن في الوقت ذاته، ليس غائباً لا عن بال المخرج دان ريد ولا عن منتجي الفيلم، ولا بالطبع عن مشاهديه، أن الشخصية التي يدور الحديث حولها ليست مجهولة، وأن الأقاويل المؤيدة لما يذهب إليه الفيلم من اتهام أحاطت بمايكل جاكسون حتى من قبل وفاته.
«مغادرة نيفرلاند» يتمحور حول رجلين (في عقديهما الثلاثينيين الآن) يحكيان للكاميرا كيف أن جاكسون استدرجهما. هذا وقع قبل نحو عشرين سنة عندما كان وايد روبسون وجيمس سايفتشاك في السابعة من العمر ولسنوات قليلة بعد ذلك. كل منهما، منفصلاً عن الآخر، وقع في حبائل الهالة البرّاقة للمغني الشهير ووجد في عنايته، وكما يقول الفيلم، نوعاً من الأبوّة بحيث لم يكن هناك موضع ريب من أن طاعته كان عليها أن تكون مطلقة مهما كانت شاذة.
ليس أن الموضوع هنا جديد والحديث فيه غير مسبوق. على العكس أثارت حياة مايكل جاكسون الجنسية حينها الكثير من الشائعات التي - بمرور الزمن - كشفت عن حقائق اندفع البعض لتصديقها واعتبرها آخرون محاولات للنيل من شهرة المغني ومكانته. لكن فيلم دان ريد لا يترك أمام المدافعين عن مايكل جاكسون أي خيار سوى قبول الاتهام الواضح الذي يسوقه الفيلم لمشاهديه حول «نجم» عالمي بوجهين، أحدهما بالغ الدكانة إلى درجة تُمحى بسببها الشكوك.
يكشف الفيلم كذلك عن أن عائلتي سافيفتشك وروبسون كانا على إلمام بالموضوع ولو من دون معرفة تفاصيله. كان المغني يستقطبهما، تحت تأثير الكاريزما والشهرة إلى مزرعته (المسماة نيفرلاند Neverland) ويستضيفهما (في أوقات منفصلة) في الوقت الذي كان يغلق باب حجرة نومه على نفسه على من معه.
بعيداً عن فحوى الموضوع وتصنيف الاهتمام به فإن أربع ساعات من سرد الحكي ذاته تصيب المرء بالضجر. أكثر من ساعتين من العرض حول مايكل جاكسون ونجاحه وجاذبيته وحفلاته مع مشاهد موثوقة أخرى، ثم نحو ساعتين أخريين تتمحوران حول الضحيّتين اللذين استيقظا فقط من بعد موت جاكسون قبل عشر سنوات.
- إمبراطورية أخرى
ليس بعيداً عن هذا الموضوع هناك فيلم «لا يمكن مسّه» (Untouchable) الذي يدور حول «وحش» بشري آخر هو هارفي وينستين. هذا الفيلم التسجيلي الجاهز لتأريخ صعود وانحدار المنتج العالمي الذي كاد يفلت من العقاب لولا تقدّم بضع نساء اعتدى عليهن وينستين على نحو أو آخر للكشف عن ممارساته واعتداءاته. كل من جاكسون وهارفي شخصية كبيرة في التأثير والحجم الفني. لكنهما استسلما لنوازع النفس ولم يردع الأول سوى الموت بينما الثاني وصل إلى الجدار المقفل في وجهه وتوقف.
«Untouchable» (ويمكن أن يغرف المرء عدة معان متقاربة تجتمع تحت الهالة الكبيرة التي صوّرت هارفي وينستين على أنه المنتج الأقوى الذي لا يمكن التعرض إليه) هو من إخراج أرسولا ماكفارلاين، وهي أيضاً لديها الكثير مما تورده هنا إنما في نحو ساعة ونصف. تسرد، على سبيل المثال، بداية المنتج السينمائية (مع شقيقه بوب) وكيف وصل إلى ما أصبح عليه اليوم في الوقت الذي كان يمارس نوعاً من «البلطجة» الجنسية على ما تستطيع يديه الوصول إليهن.
في الفيلم مقابلات مع ضحايا ومع إعلاميين وموظفين وموظفات. بالنسبة لنا، قضية وينستين قريب الذكر كذلك الانهيار الكبير الذي حل بالرجل وبإمبراطوريته السينمائية.
أكثر من ذلك، كلا هذين الفيلمين معروض بينما تغلي هوليوود بالحديث عن المخرج برايان سينجر الذي تحرش، حسب شهود واعترافات، بشبان كان دعاهم إلى حفلات عامّة.
في خضم ما يعرضه المهرجان الأميركي من أفلام (ليس ما سبق سوى نتف منها) ينتظر أهل الوسط إعلان نتائج مسابقة «جمعية الممثلين الأميركية» مساء اليوم (الأحد). أيضاً هناك مهرجان روتردام الذي هو أهدأ وأكثر انتماء إلى السمات الأوروبية في نهاية المطاف.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».