خوان غوايدو... «رجل الساعة» في فنزويلا

مهندس شاب يجيد التواصل مع الناس وإيجاد نقاط التلاقي والتفاهمات

خوان غوايدو... «رجل الساعة» في فنزويلا
TT

خوان غوايدو... «رجل الساعة» في فنزويلا

خوان غوايدو... «رجل الساعة» في فنزويلا

سلّطت التطورات المتلاحقة في الأزمة الفنزويلية الأضواء على ويلمير غوايادو، والد «الرئيس بالوكالة» خوان غوايادو. وويلمير يعيش في جزيرة تينيريفي، إحدى جزر الكناري الإسبانية، حيث يعمل سائق سيارة أجرة (تاكسي) منذ 16 سنة. ووفق غوايادو «الأب»، فإنه منذ يوم الأربعاء الماضي يتلقّى تهاني الأقارب والأصدقاء والمواطنين الفنزويليين على الشجاعة التي يبديها ابنه، الذي كان على مقاعد الجامعة عندما هاجر ويلمير إلى إسبانيا. وتابع أنه لم يتمكّن من التحدّث إلى ابنه حتى الآن بسبب سوء الاتصالات الهاتفية، لكنه تبادل معه الرسائل النصّية عبر «واتساب». ثم أضاف أنه يبارك ما يقوم به ابنه الذي كان آخر لقاء بينهما منذ أربع سنوات في فنزويلا.

يجزم الكثير من المراقبين المتابعين للأزمة الفنزويلية بأن صمود نظام الرئيس نيكولاس مادورو إلى اليوم، رغم الوضع المعيشي الكارثي الذي يعاني منه هذا البلد منذ أكثر من أربع سنوات، يعود بنسبة عالية إلى انكفاء الولايات المتحدة حتى أواخر العام الماضي عن ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية الكافية لتطويقه ودفعه إلى التغيير أو السقوط.
الإدارة الأميركية السابقة على عهد الرئيس باراك أوباما، كانت منهمكة بإنجاز الصفقة التاريخية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا، الحليف الأوثق للنظام الفنزويلي اليساري الحالي. والإدارة الحالية كانت خلال السنتين الأوليين منشغلة على جبهات داخلية وخارجية عدة حالت دون تفرّغها للاهتمام بجارتها الجنوبية التي كانت توثّق علاقاتها بالصين وإيران، قبل أن تبدأ بفتح بوّابة عودة الوجود العسكري الروسي إلى شبه القارة الأميركية... للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ في كوبا على عهد جون كنيدي.
غير أن المشهد السياسي انقلب رأساً على عقب مع التطورات المتسارعة التي شهدتها هذه الأزمة في الأيام الأخيرة بعد رفض واشنطن - ومعها غالبية قيادات الدول الأعضاء في «منظمة البلدان الأميركية» - الاعتراف بشرعيّة الولاية الثانية لنيكولاس مادورو، والإعلان المفاجئ لرئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) الشاب خوان غوايدو تولّيه رئاسة الجمهورية بالوكالة. إذ حظي هذا الإعلان بالدعم الفوري من واشنطن وحلفائها اليمينيين في المنطقة. وهكذا طرأ تغيّر كبير في المشهد السياسي في فنزويلا، وانفتح على مجموعة من الاحتمالات التي لم تكن واردة في حساب أحد منذ أيام قليلة.
أبرز هذه الاحتمالات:
1 - تدخلّ عسكري أميركي مباشر، بعدما قرّرت واشنطن الإبقاء على بعثتها الدبلوماسية في العاصمة الفنزويلية كاراكاس إثر إعلان مادورو قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
2 - صدامات بين قوى الأمن الفنزويلية والمتظاهرين المعارضين للنظام، تهدد بإطلاق شرارة حرب أهلية مفتوحة.
3 - انقلاب داخل المؤسسة العسكرية على مادورو، قد لا يؤدي بالضرورة إلى عودة الديمقراطية وتسليم الحكم للمعارضة.
لكن من هو خوان غوايدو الذي، في غفلة من الجميع، خطف زعامة المعارضة المشتّتة منذ سنوات، وأعلن تولّيه رئاسة الجمهورية؟ وكيف تحوّل من «مجهول»، بالنسبة للذين لا يتابعون يوميّاً تطورات الأزمة الفنزويلية المعقّدة وتقلباتها، إلى محطّ آمال ملايين الفنزويليين التوّاقين إلى قلب النظام الذي زرعه هوغو تشافيز في فنزويلا عند نهايات القرن الماضي؟
عندما وقف خوان غوايدو، يوم الثلاثاء الماضي، أمام عشرات الآلاف من المُحتشدين في كاراكاس يطالبون بإسقاط النظام، ليعلن نفسه «رئيساً مكلّفاً» للجمهورية، تساءل كثيرون عن هذا السياسي الشاب الذي لم يبلغ بعد الـ35 سنة، والذي في أقل من 3 أسابيع صعد إلى رئاسة البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بعد انتخابات عام 2017؟ تساءلوا عمّن يكون هذا الرجل الذي بات رمزاً يجسّد طموحات الساعين إلى التغيير والنهوض من كابوس الأزمة المعيشيّة الخانقة في واحدة من أغنى دول أميركا اللاتينية؟
الحقيقة، أنه لم يكن معظم الذين شاركوا في المظاهرات الأخيرة الحاشدة ضد ولاية مادورو الثانية على علم بأن المحرّك الرئيسي لتلك الاحتجاجات، التي حشدت مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد، هو الشاب الذي يتولّى منذ مطلع هذا العام رئاسة البرلمان الذي فرّ معظم قادته إلى الخارج، أو أدخلوا السجن بتهمة التآمر على النظام.

- بطاقة شخصية
المسيرة السياسية لخوان غوايدو مرتبطة بشكل وثيق بـ«راعيه» السياسي ومؤسس حزب «الإرادة الشعبية» ليوبولدو لوبيز، الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ عام 2017، بعدما أمضى 3 سنوات في السجن بتهمة التحريض على قلب النظام.
ولقد حرص غوايدو على أن تحمل كلماته الأولى التي وجّهها إلى مواطنيه قبيل انطلاق المظاهرات الأخيرة رسالة عرفان بالجميل إلى الرجل الذي نما سياسياً في ظلّه، عندما قال: «أتذكّر اليوم ما جاء على لسان أخي ليوبولدو لوبيز، المحتجز ظلماً لرفعه الصوت ضد النظام الذي يسطو الآن على السلطة، بأن نضالنا مستمرّ». وكان النظام قد اعتقل لوبيز وأودعه السجن في 23 فبراير (شباط) 2014 بعد إلقائه خطاباً جاء فيه قوله: «أوجّه ندائي لكل الفنزويليين للوقوف بوجه هذه الحكومة التي تريد قمع شعبنا».
أبصر غوايدو النور يوم 28 يوليو (تموز) 1983 في كنف عائلة متوسطة لوالد طيّار وأمّ مُدرّسة، وله 8 أشقّاء. وعانت عائلته الكثير من الكوارث التي ضربت منطقة فارغاس، حيث كانت تعيش عام 1999، عندما أدّت فيضانات وانهيارات إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير آلاف المنازل. ويومذاك، تفجّرت احتجاجات شعبية واسعة ضد حكومة هوغو تشافيز (يومذاك) لقلة اهتمامها بمساعدة الضحايا والمتضررين، وقمعها المظاهرات بقسوة.
تخرّج خزان غوايدو من كليّة الهندسة الصناعية في جامعة كاراكاس، ثم التحق بمعهد الدراسات العليا للإدارة التابع لجامعة «جورج واشنطن» في العاصمة الأميركية واشنطن، قبل أن يعود إلى فنزويلا ويبدأ نشاطه السياسي في حزب «الإرادة الشعبية» (يسار الوسط) الذي أسّسه لوبيز لمواجهة نظام تشافيز اليساري. ويتذكّر غوايدو باعتزاز كيف أن هذا الحزب هو الذي ألحق بنظام تشافيز الهزيمة السياسية الوحيدة التي مُني بها طوال سنوات حكمه التسع، عندما صوّت البرلمان ضد اقتراحه تعديل الدستور بحيث لا يصار إلى تحديد عدد الولايات الرئاسية ومنح رئيس الجمهورية صلاحية إعلان حالة الطوارئ.

- نائباً في البرلمان
انتخب غوايدو نائباً في البرلمان للمرة الأولى عام 2015 عن ولاية فارغاس الشمالية، وأعيد انتخابه في عام 2017 عندما حصلت الأحزاب المعارضة على غالبية المقاعد. وهو ما دفع بالنظام إلى إجراء انتخابات أخرى - رفضت المعارضة المشاركة فيها - لتشكيل جمعية تأسيسية، قضت المحكمة الدستورية الموالية للنظام بأسبقية صلاحياتها على صلاحيات البرلمان.
بعد ذلك، ساعدت المبادرات والخطوات الأخيرة لرئيس البرلمان الجديد على استعادة المعارضة معنوياتها ونشاطها، وبعض وحدتها، بعد التشتّت الذي أصابها بفعل ملاحقات النظام وقمعه. وعاد الحديث مجدداً عن إعادة إطلاق «طاولة الوحدة الديمقراطية» التي كانت تضمّ كل أطياف المعارضة للنظام.
ميغيل ريّوس، المحلّل السياسي والأستاذ في جامعة كاراكاس، يقول عن غوايدو - الذي يعرفه منذ كان على مقاعد الدراسة - إنه «مثابر ومتواضع ومتفائل. كما أنه صريح وقريب من الناس، ولا يشبه السياسيين التقليديين». ويضيف ريّوس: «إنه لمفاجأة حقاً، لكنها مفاجأة لها جذورها في النضال الطلابي الذي شارك فيه غوايدو عن قرب ضد فكرة تعديل الدستور وفتح الباب أمام تجديد الولايات الرئاسية من غير نهاية». ويشير الأكاديمي الفنزويلي إلى أن غوايدو «يتمتع بمهارة طبيعية في التوفيق بين وجهات النظر المتباعدة، كما تبيّن من نجاحه السريع في لمّ شمل المعارضة، وعلى غرار ما كان يفعل داخل الحزب عندما كان يوفّق بين مجموعات لها استراتيجيات متباينة».
وبالفعل، يعود لغوايدو فضل كبير في تحريك عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة كاراكاس، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، عندما كان يعقد اجتماعات في الأحياء الشعبية لجسّ نبض الجماهير وتلمّس مدى النقمة التي أخمدتها احتجاجات عام 2017، في أعقاب القمع العنيف الذي مارسه النظام وأوقع ما يزيد عن 150 قتيلاً في حينه. ولكن، رغم الأسلوب المباشر الذي يتميّز به خطاب غوايدو الموجّه ضد النظام، فإنه تعمّد إظهار بعض الغموض المحسوب عندما تحدّث أخيراً عن الإجراءات التي ينوي اتخاذها لتحديد مسار العملية الانتقالية. قال مثلاً إنه يتولّى مهام رئيس الجمهورية لأن مادورو مغتصب للسلطة، لكنه يعرف أن القَسَم لتولّي هذه المهام في غياب القوة أو القدرة على تفعيل هذا الحدث الرمزي من شأنه أن يودي به إلى السجن كغيره من قادة المعارضة، أو أن يشكّل إحباطاً كبيراً له تبدأ معه نهايته السياسية.
أيضاً، تجدر الإشارة إلى أن غوايدو وصل إلى رئاسة البرلمان يوم 5 يناير (كانون الثاني) الحالي لانعدام البدائل الأخرى. وبعد تنصيب مادورو، قال إنه على استعداد لقيادة التغيير استناداً إلى موقف المعارضة التي تعتبر ولاية مادورو المقرّرة حتى عام 2025 غير دستورية. ولم تنقضِ أيام ثلاثة حتى كان جهاز الاستخبارات يلقي القبض عليه وهو في طريقه للمشاركة في مهرجان انتخابي. إلا أنه أخلي سبيله بعد ساعة، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يعتمد على دعم قوي جداً من الخارج، أو أن النظام لا يرى فيه خطراً داهماً أو تهديداً محدقاً.
تلك الحادثة، في رأي مراقبين، هي التي ضاعفت شعبيته وسلّطت الضوء على حضوره في المشهد السياسي، مع أنها لا تحمل كل الأجوبة حول هذا الصعود السريع والمفاجئ. ففي الشهر الماضي كانت استطلاعات الرأي تفيد بأن قادة المعارضة الفنزويلية لا يتمتعون بما يزيد عن 25 في المائة من التأييد في بلد يقول 80 في المائة من مواطنيه إنهم يريدون التغيير.
ما الذي حصل إذن؟ وكيف نهض هذا المجتمع المُنهَك والساكن رغم ضعف المعارضة وهشاشة تواصلها مع القاعدة الشعبية؟ سؤالان من الأسئلة التي يجيب عنها مراقبون دبلوماسيون في كاراكاس بالقول إن ثمّة ما يتجاوز مجرّد الانهيار الاقتصادي والمقاساة المعيشية والتضخّم الهائل. إنها الحاجة الجارفة التي تجتاح الجميع للبحث عن مخرج لهذه الأزمة، والتي وجدت مبتغاها في شخصية سياسية صريحة ومختلفة عن الآخرين.
وهناك عامل آخر، غير الدعم الدولي السريع الذي حصل عليه غوايدو بتأييد واشنطن وغالبية قيادات الدول المجاورة. إذ لا شك في أنه لم يغب عن النجم الفنزويلي الصاعد، الذي أبدى براعة ملحوظة في حساباته السياسية حتى الآن؛ لم ينسَ دور القوات المسلّحة التي كانت لها دائماً الكلمة الفصل في تحديد توازنات السلطة في فنزويلا. إذ أعلن «الرئيس بالوكالة» أنه على استعداد لمنح العفو عن العسكريين الذين يقرّرون الانشقاق عن مادورو، من غير أن تظهر حتى الآن بوادر على أن هذا العرض قد بدأ يعطي ثماره. الجدير بالإشارة، أن الوصول إلى السلطة في فنزويلا مستحيل من دون «الضوء الأخضر» الذي تعطيه المؤسسة العسكرية، وهي اكتفت - حتى الآن - بإعلان ولائها لمادورو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي مواقف القيادات العسكرية، جاء على لسان وزير الدفاع قوله: «لن نقبل برئيس يُفرَض علينا في ظلّ مصالح مشبوهة، ويعلن تنصيبه خارج القانون. القوات المسلحة ستدافع عن الدستور، وهي الضامن للسيادة الوطنية». أما قائد العمليات الاستراتيجية فتوعّد «الخونة بالقتال والنصر»، بينما كانت المواجهات الأخيرة بين المتظاهرين وقوات الشرطة توقع 16 قتيلاً في شوارع كاراكاس.
وكان لافتاً أن تأييد القوات المسلحة لمادورو جاء حتى الآن منفرداً، ولم يصدر أي بيان مشترك عن القيادات العسكرية.
في المقابل، لا بد من الإشارة إلى أن غالبية هذه القيادات تخضع لعقوبات وملاحقات قضائية دولية بتهم الفساد وغسل الأموال وانتهاك حقوق الإنسان، وهذا ما يجعل احتمالات انشقاقها عن النظام شبه معدومة. أيضاً كان لافتاً أن النيابة العامة لم تُصدِر حتى الآن مذكرات توقيف بحق القيادات المعارضة، كما جرت العادة بعد كل موجة من الاحتجاجات، وهذا ما يثير تساؤلات إضافية حول مدى الدعم الذي يعتمد عليه غوايدو داخل أروقة النظام.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.