محطات لافتة في العلاقات بين واشنطن وكاراكاس

محطات لافتة في العلاقات بين واشنطن وكاراكاس
TT

محطات لافتة في العلاقات بين واشنطن وكاراكاس

محطات لافتة في العلاقات بين واشنطن وكاراكاس

لا تشذّ فنزويلا عن القاعدة التي تُخضِع الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدان أميركا اللاتينية لتوازنات مصالح الولايات المتحدة وأهدافها الاستراتيجية في المنطقة. وتعود البداية الفعلية لهذه العلاقات إلى مطلع القرن الماضي عندما شعر الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت بمخاطر التوغلّ الأوروبي في شبه القارة، وهدّد القوى الأوروبية - بريطانيا وألمانيا وإيطاليا - التي فرضت حصاراً على سواحل فنزويلا وقصفت بعض موانئها لكونها أحجمت عن الوفاء بالديون المستحقة عليها.
وهكذا، أجبر روزفلت تلك القوى على فكّ الحصار ليُبرم بعد ذلك معاهدة وبروتوكولات واشنطن مع فنزويلا في عام 1903، وهي الوثائق التي أرست مبادئ السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، والمعروفة مجازاً بـ«العصا الغليظة ودبلوماسية الدولار».
مع اكتشاف حقول النفط الأولى في فنزويلا عام 1914، أصبحت الشركات الأميركية المستفيد الأول من هذه الثروة التي أتاحت لفنزويلا خفض ديونها الخارجية حتى سدادها بالكامل. وبدأت مرحلة من العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين بقيت خلالها فنزويلا في منأى عن تدخلات واشنطن السافرة في الأوضاع الداخلية لبلدان المنطقة، ودعمها للكثير من الانقلابات العسكرية اليمينية على الأنظمة السياسية هناك.
ولكن مع وصول الضابط اليساري هوغو تشافيز إلى الحكم في فنزويلا، بعد انتخابات عام 1998، في أعقاب محاولة انقلاب عسكري فاشلة كان «بطلها» عام 1992 دخلت العلاقات الدبلوماسية الوثيقة سابقاً بين واشنطن وكاراكاس في مرحلة من التدهور استمرت حتى اليوم. ثم إن الصداقة الوطيدة التي كان تشافيز يجاهر بها مع الزعيم الكوبي اليساري السابق فيديل كاسترو، والمساعدات السخيّة التي كان يغدقها على كوبا، أحبطت أهداف واشنطن التي كانت تسعى إلى محاصرة النظام «الكاستروي»، وقوّضت العلاقات التقليدية الأميركية الفنزويلية.
في أبريل (نيسان) 2002، اعترفت واشنطن بالانقلاب الفاشل الذي أطاح لفترة قصيرة بتشافيز، الذي أكّد بعد عودته إلى الحكم أن الولايات المتحدة كانت وراء المحاولة الانقلابية، وقدّم للصحافة قرائن بالصور والتسجيلات الصوتية على ضلوعها فيها. وطوال وجوده في الحكم كرّر تشافيز اتهاماته لواشنطن بالسعي إلى إسقاطه والتحضير لغزو عسكري لفنزويلا.
ولكن رغم ذلك بقيت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لفنزويلا التي واصلت تصدير نفطها إلى السوق الأميركية، وتوسيع دائرة المبادلات التجارية بين البلدين، إلى أن قررت واشنطن فرض العقوبات الاقتصادية الأولى في 12 سبتمبر (أيلول) 2008، عندما أمرت بتجميد الحسابات المصرفية لوزير الداخلية الفنزويلي واثنين من قادة أجهزة المخابرات العسكرية.
ثم في عام 2014 سنّ الكونغرس الأميركي قانوناً مخصصاً لفرض عقوبات محددة على أفراد في فنزويلا اتهمتهم واشنطن «بانتهاك حقوق الإنسان» إبان المظاهرات التي أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا في عدد من المدن الفنزويلية. وفي العام التالي، 2015، فرضت إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي السابق باراك أوباما عقوبات إضافية على عدد من المسؤولين العسكريين والمدنيين في الحكومة الفنزويلية، موضحة «أن الهدف ليس معاقبة الشعب الفنزويلي أو الحكومة بكاملها».
بعدها، في ربيع عام 2017، فرضت إدارة الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترمب عقوبات إضافية على الأعضاء السبعة في المحكمة الدستورية الفنزويلية، لاعتبارها أن هذه الأخيرة «اغتصبت صلاحيات البرلمان، وسمحت للرئيس نيكولاس مادورو بأن يحكم بموجب مراسيم رئاسية». وكرّت بعد ذلك سبحة العقوبات الأميركية على الكثير من المسؤولين في النظام الفنزويلي، لكن من غير أن ترفع واشنطن منسوب تهديداتها ضد كاراكاس.
وظل الوضع كذلك إلى أن أعلن مادورو يوم الأربعاء الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وأمهل البعثة الدبلوماسية الأميركية 72 ساعة لمغادرة فنزويلا. وجاء قرار مادورو هذا في أعقاب اعتراف واشنطن برئيس البرلمان خوان غوايادو رئيساً لجمهورية فنزويلا، ودعوتها الدول الغربية الأخرى إلى أن تحذو حذوها. إلا أن واشنطن قررت الإبقاء على أعضاء البعثة الأميركية في كاراكاس، بينما كان الرئيس ترمب يتوعّد «باستخدام كامل القوة الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة للضغط من أجل إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا»، ويؤكد أن لا مخططات للتدخل العسكري «لكن الخيارات مطروحة كلها على الطاولة».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»