سياسة «العصا والجزرة» الفرنسية ـ الأوروبية لمواجهة إيران

باريس تهدد بفرض عقوبات «صارمة» عليها

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى مغادرته قصر الإليزيه عقب حضوره الاجتماع الوزاري (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى مغادرته قصر الإليزيه عقب حضوره الاجتماع الوزاري (أ.ف.ب)
TT

سياسة «العصا والجزرة» الفرنسية ـ الأوروبية لمواجهة إيران

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى مغادرته قصر الإليزيه عقب حضوره الاجتماع الوزاري (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى مغادرته قصر الإليزيه عقب حضوره الاجتماع الوزاري (أ.ف.ب)

يصبح موقف فرنسا ومعها شريكتاها الأوروبيتان (بريطانيا وألمانيا) الموقعتان على الاتفاقية النووية مع إيران في صيف عام 2015، دقيقاً أكثر فأكثر، لجهة إيجاد نقطة توازن في التأرجح بين التصلب والتفهم. وجاء كلام وزير الخارجية الفرنسي أمس، ليقدم نموذجاً إضافياً على صعوبة التمسك بموقف يراد منه تشجيع إيران على البقاء داخل الاتفاق النووي، بالعمل على تمكينها من الالتفاف الجزئي على العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وسبق لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن أعلن أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، الأربعاء الماضي، عن قرب إطلاق «الآلية المالية» التي يراد منها تمكين طهران من الاستمرار في بيع نفطها، والاستفادة من السوق المالية الدولية، والحصول على السلع والخدمات.
وفي الوقت ذاته، تريد باريس (ومعها شريكتاها المذكورتان وأيضاً كامل دول الاتحاد الأوروبي) إبراز الأنياب، لتنبيه إيران بشأن المنزلقات الخطرة التي تسير عليها، والمتجسدة ببرنامجها الصاروخي – الباليستي، والسياسة التي تهز استقرار المنطقة، وأخيراً اللجوء إلى العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية.
وأمس، قرع لودريان ناقوس الخطر، وحذر طهران بشكل مباشر من التبعات المترتبة على سياساتها في الملفات الثلاثة المذكورة. وأهمية ما جاء به الوزير الفرنسي أنه يصدر عن مسؤول كانت بلاده الأكثر التزاماً ودفاعاً عن الاتفاق النووي مع طهران، والأكثر انتقاداً للعقوبات الأميركية. ولذا، فإن الكلام القاسي الصادر عنه يعكس بلا شك «نفاد صبر» باريس من تلكؤ إيران في الاستجابة لما يطلبه منها الأوروبيون، الذين يقتربون أكثر فأكثر من المواقف الأميركية. ولا شيء يضمن إن استمرت الأمور على هذه الوتيرة ألا تتبنى العواصم الأوروبية في نهاية المطاف المواقف الأميركية، التي لا يفصلها عنها سوى تمسكها باتفاق صيف عام 2015، الذي ترى فيه «ضمانة» لامتناع طهران عن العودة إلى إطلاق نشاطاتها النووية. ونبه لودريان من أن العقوبات الأميركية قد تستغلها «بعض القوى» في الداخل الإيراني، للتملص من الاتفاق ومعاودة السباق النووي.
بيد أن لباريس والعواصم الأوروبية المعنية بالدرجة الأولى بالعلاقة مع طهران، مطالب معروفة ومحددة، وتتم مناقشتها منذ الربيع الماضي في اجتماعات متنقلة بين باريس ولندن وبرلين وطهران وفيينا. وما شدد عليه الوزير الفرنسي في كلامه للصحافة أمس، يتناول برامج طهران الصاروخية والباليستية.
وعادت هذه المسألة إلى الواجهة قبل أيام قليلة، عقب إعلان كبار المسؤولين الإيرانيين عن برنامج لإطلاق قمرين صناعيين يستخدمان التكنولوجيا المعتمدة للصواريخ الباليستية. ويتهم الغربيون إيران بالسعي لبناء صواريخ قادرة على نقل رؤوس نووية لمسافات بعيدة، يمكنها أن تطال أوروبا، ولا تبقى محصورة في منطقة الشرق الأوسط. كذلك تناول لودريان نشاطات إيران الإقليمية. وقال الوزير إن لفرنسا (وأوروبا) «مطلبان (من إيران): أولهما أن تتخلى عن إنتاج الصواريخ، وخصوصاً عن تصديرها إلى مجموعات مسلحة في الشرق الأوسط»، في إشارة إلى «حزب الله»، وأيضاً إلى الحوثيين في اليمن.
وأردف الوزير الفرنسي بأن على إيران أن «تضع حداً لنشاطاتها المزعزعة للاستقرار في مجمل المنطقة» ودعاها إلى الالتزام بمنطوق القرار الدولي رقم 2254، الذي يحرم «وجود قوات أجنبية على الأراضي السورية».
وخلاصة لودريان هي التالية: «لقد بدأنا حواراً صعباً مع إيران، ويتعين أن يستمر، وفي حال لم يفضِ إلى نتيجة، فإننا جاهزون لاتخاذ عقوبات صارمة بحقها، وهي تعرف ذلك».
ويأتي تلويح لودريان بالعقوبات، بعد أيام قليلة على عقوبات أقرها الأوروبيون ضد إيران، بسبب نشاطاتها الإرهابية في أوروبا، عقب الاتهامات التي ساقتها ضدها فرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك. وسبق لفرنسا بصفة ثنائية أن اتخذت عقوبات بحق جهاز استخباراتي إيراني تابع لوزارة الداخلية، بسبب دوره في التحضير لعملية إرهابية ضد تجمع لمعارضين إيرانيين، نهاية يونيو (حزيران) الماضي.
وفي بيان بالغ التشدد، وجهت باريس اتهامات مباشرة لهذا الجهاز، ونبهت من العواقب المترتبة على استمرار هذا النوع من الأعمال على الأراضي الأوروبية. وثمة معلومات تشير إلى تحضير الأوروبيين لسلة عقوبات جديدة على طهران، طلبت «وزيرة» الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، عدم الكشف عنها قبل إطلاق الآلية المالية الأوروبية.
ولا تقتصر مسألة الصواريخ على الحوثيين؛ بل تتناول - وفق باريس - الذراع العسكرية لـ«حزب الله» اللبناني. وفي هذا السياق، أعلن لودريان أن بلاده «تلزم موقفاً متشدداً» إزاء إرسال إيران أسلحة إلى الجناح العسكري لـ«حزب الله». وهذا الموقف «نقله» إلى الرئيس الإسرائيلي الذي كان في باريس بحر الأسبوع. واغتنم لودريان الفرصة لتحذير اللبنانيين من استمرار التأخير في تشكيل حكومة جديدة، بعد تسعة أشهر على الانتخابات النيابية، داعياً إياهم إلى التغلب على انقساماتهم، والخروج «من الطريق السياسي المسدود الذي وضعوا أنفسهم فيه». والأهم من ذلك كله أن لودريان نبه بيروت إلى أن «كافة الالتزامات التي اتخذت بالنسبة للبنان، بما فيها المالية، وبالنسبة للجيش اللبناني الذي يبقى حتى اليوم عماد توازن الدولة، لن يكون بالمقدور الاستمرار فيها» في حال بقي الوضع على حاله. وسبق لباريس أن وجهت مثل هذه الرسالة كثيراً من المرات إلى اللبنانيين؛ لكن من غير نتيجة تذكر، والدليل بقاء الوضع السياسي ومناورات السياسيين على حالها. لكن لودريان أصر على القول إن باريس «لا يمكن أن تتقبل هذا الوضع السريالي».
ويخطط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقيام بزيارة إلى لبنان، كان يفترض أن تتم العام الماضي. وبحسب بعض الصحافة اللبنانية، فإنها ستجرى ما بين 11 و14 فبراير (شباط) المقبل، بيد أن مصدراً رسمياً فرنسياً قال أمس لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يحدَّد تاريخ بعد» للزيارة، وإن ماكرون «لا يمكن أن يقوم بها فقط لأن فرنسا متمسكة بلبنان؛ بل يتعين توفر ظروف لها، وأن تكون مفيدة». وبذلك كان يشير إلى عدم وجود حكومة لبنانية، وإلى التشققات داخل الطبقة السياسية.
يبقى أن باريس ومعها العواصم المعنية، لن تستطيع إلى ما لا نهاية الاستمرار في اتباع «ازدواجية سياسية» إزاء طهران: تشدد وعقوبات من جهة، ومساعٍ لتسهيل بيعها النفط والاتجار معها من جهة أخرى. ويتعين عليها بالتالي أن تحسم مقاربتها؛ لأنه سيكون من الصعب عليها، على المدى المتوسط والطويل، أن تسير في خطين متوازيين؛ بحيث لا تعرف يدها اليمنى ما فعلته يدها اليسرى.



اعتقال ثالث متهم في قضية الاعتداء على صحافي إيراني في لندن

صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» بعد تشديد الحراسة حول مقرها السابق في غرب لندن نوفمبر 2022 (أرشيفية)
صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» بعد تشديد الحراسة حول مقرها السابق في غرب لندن نوفمبر 2022 (أرشيفية)
TT

اعتقال ثالث متهم في قضية الاعتداء على صحافي إيراني في لندن

صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» بعد تشديد الحراسة حول مقرها السابق في غرب لندن نوفمبر 2022 (أرشيفية)
صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» بعد تشديد الحراسة حول مقرها السابق في غرب لندن نوفمبر 2022 (أرشيفية)

قالت الشرطة البريطانية، الأربعاء، إنها ألقت القبض على متهم ثالث فيما يتعلّق بطعن صحافي يعمل لدى مؤسسة إعلامية ناطقة بالفارسية في لندن خلال مارس (آذار) من العام الماضي.

وأُصيب بوريا زراعتي، وهو صحافي بريطاني من أصل إيراني يعمل في قناة «إيران إنترناشيونال»، بجروح في ساقه بعد تعرضه للطعن بالقرب من منزله في ويمبلدون بجنوب غربي لندن.

وتقود شرطة مكافحة الإرهاب التحقيق في الهجوم خوفاً من أن يكون الصحافي مستهدفاً بسبب عمله في شبكة الأخبار التلفزيونية التي تنتقد الحكومة الإيرانية.

طعن بوريا زراعتي وهو مقدم برنامج في قناة «إيران إنترناشيونال» في ساقه 29 مارس 2024 (منصة «إكس»)

ووجّهت هيئة الادعاء الملكية البريطانية بالفعل لرجلين رومانيين، هما نانديتو باديا (20 عاماً) وجورج ستانا (24 عاماً)، تهمة الإصابة بقصد التسبب في أذى جسدي خطير، ومن المقرر أن يمثلا أمام محكمة أولد بيلي في لندن يوم 17 يناير (كانون الثاني).

وقالت شرطة لندن في بيان، إنها اعتقلت رجلاً ثالثاً (40 عاماً) الثلاثاء، للاشتباه في أنه تآمر للتسبب في أذى جسدي خطير. وأُفرج عنه بكفالة على ذمة التحقيق حتى أبريل (نيسان).

وقامت الشرطة أيضاً بتفتيش 4 أماكن في منطقتي كريكلوود وفينشلي بشمال لندن في إطار التحقيق.

وحذّرت الشرطة البريطانية ومسؤولو أمن وسياسيون مما قالوا إنه تزايد استخدام إيران لمجرمين لتنفيذ هجمات في الخارج، وهو ما تنفيه طهران.