القبض على مستشار ترمب السابق ومواجهته بـ 7 تهم

البيت الأبيض: القبض على روجرز ستون ليس له علاقة بالرئيس

روجرز ستون
روجرز ستون
TT

القبض على مستشار ترمب السابق ومواجهته بـ 7 تهم

روجرز ستون
روجرز ستون

ألقى عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) القبض على أحد كبار مستشاري الرئيس ترمب، الذي عمل معه في الحملة الانتخابية، وأحد أصدقائه المقربين، ووجهت له هيئة محلفين فيدرالية سبع تهم؛ خمس منها تتعلق بالكذب على المحققين والكذب على المشرعين بالكونغرس، إضافة إلى تهم تتعلق بعرقلة العدالة وتوجيه شهود لتغيير شهادتهم.
وقد أعادت عملية القبض على ستون الكثير من الجدل حول تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر، وما يمكن أن تسفر عن نتائج حول تورط حملة ترمب في التواطؤ مع موسكو. وقد أكد البيت الأبيض فور القبض على ستون أن الرئيس ترمب ليست له علاقة بالتحقيقات التي تجري معه. ومثل ستون أمام المحكمة صباح الجمعة بعد ساعات قليلة من القبض عليه من قبل «إف بي آي» في ولاية فلوريدا. وقد ظهر ستون مقيداً بالقيود حول معصميه، واستمرت جلسة الاستماع لأقواله لعدة دقائق، وأصدر القاضي أمراً بإيداع مبلغ ربع مليون دولار كفالة لإطلاق سراحه بشكل مؤقت، ومنع السفر إلا في حدود العاصمة واشنطن ونيويورك وولاية فلوريدا، حتى يتم تحديد جلسة استماع أخرى. وكانت عملية القبض على ستون درامية بشكل كبير، وتم اقتحام منزله في السادسة صباحاً، وهو الأمر الذي اعتبره غرانت سميث محامي ستون أمراً لم يكن له داعٍ على الإطلاق. وقال: «طوال العامين الماضيين كان واضحاً أين يقيم ستون، وما يقوم به، وأكد أنه سيدافع بقوة ضد التهم الموجهة إلى ستون، خصوصاً وأن التهم لا تتضمن أي تواطؤ مع روسيا».
وقد سجلت قناة «سي إن إن» المداهمة للمنزل في مقاطعة فورت لوديرديل، حيث قام مجموعة من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بمعدات قتالية وأسلحة كبيرة ونظارات رؤية ليلية باقتحام المنزل. وظهر ستون وهو يرتدي ملابس البيت قبل أن يتم القبض عليه.
وكان ستون (66 عاماً) مستشاراً سياسياً ومسؤولاً كبيراً بحملة ترمب منذ أغسطس (آب) 2015، ووفقاً للائحة الاتهام التي تم تقديمها في المحكمة بمقاطعة كولومبيا، فإن التهم الموجهة إليه لا تتضمن أي علاقات أو تنسيق مع الجانب الروسي، وهو جوهر التحقيقات التي يجريها مولر منذ مايو (أيار) 2017، وتتركز حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، وما إذا كان مسؤولو حملة ترمب قد تواطأوا مع موسكو.
تحقيقات مولر مع ستون بسبب علاقاته مع «ويكيليكس» وعلاقات محتملة مع القرصنة التي حدثت لرسائل البريد للجنة الديمقراطية وحملة المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون خلال عام 2016. وكان ستون قد نفى سابقاً أي علاقة أو تواطؤ مع «ويكيليكس».
وفي مايو 2016 تعرضت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي لقرصنة إلكترونية، وبعدها نشرت «ويكيليكس» عشرات الآلاف من الوثائق الخاصة باللجنة والحسابات البريدية الخاصة بجون بوديستا رئيس حملة هيلاري كلينتون. وطبقاً للائحة الاتهام، تحدث ستون مع كبار مسؤولي حملة ترمب حول «ويكيليكس» والمعلومات التي ربما قد تلحق الضرر بحملة كلينتون، وسأل مسؤولو الحملة الكبار، ستون، عن أي إصدارات مستقبلية من «ويكيليكس».
وتقول لائحة الاتهام إن ستون عرقل التحقيقات من خلال الإدلاء ببيانات زائفة إلى لجنة مجلس النواب حول علاقاته بـ«ويكيليكس»، كما حاول إقناع أحد الشهود بتقديم شهادة زائفة وحجب معلومات.
وكان ستون قد قدم شهادته أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب في سبتمبر (أيلول) 2017 حول التدخل الروسي وحملة ترمب الانتخابية. ونفى خلالها معرفته بأي رسائل بريد إلكترونية. ووجد المحققون أن ستون أرسل وتلقى الكثير من الرسائل الإلكترونية والنصوص خلال عمله بحملة ترمب الانتخابية عام 2016، وناقش فيها أموراً تتعلق بـ«ويكيليكس» ومؤسسها جوليان أسانج والحصول على رسائل بريد إلكتروني.
وأكدت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحافيين صباح أمس، «ما أعرفه أن هذا ليس له أي علاقة بالرئيس أو أي علاقة مع البيت الأبيض، ولن يؤثر علينا»، وأضافت في ردها على سؤال حول تحقيقات مولر: «الرئيس لم يفعل أي شيء خطأ ولم يكن هناك أي تواطؤ من جانبه».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟