تسريع تأليف الحكومة اللبنانية أو تعجيل تداعيات اقتصادية مؤلمة

التصنيف الائتماني ينحدر ويتمدد من الإصدارات المالية العامة إلى الخاصة

امام آلة صرف نقود في بيروت  (ا. ب)
امام آلة صرف نقود في بيروت (ا. ب)
TT

تسريع تأليف الحكومة اللبنانية أو تعجيل تداعيات اقتصادية مؤلمة

امام آلة صرف نقود في بيروت  (ا. ب)
امام آلة صرف نقود في بيروت (ا. ب)

تكفل التقرير الأحدث لوكالة التصنيف الائتمانية «موديز»، الذي خلص إلى خفض تصنيف الديون الحكومية اللبنانية بالعملات الأجنبية من أدنى درجات B إلى أول درجات C، بتزخيم التوجهات لفكفكة عقد تأليف الحكومة، بعدما تبين أن هذه الإشارة الائتمانية قد تلحقها سريعاً إشارات مماثلة من مؤسسات مالية ووكالات تقييم دولية، مما يزيد من حدة المخاطر، وبالتالي تضخيم تكلفة الفوائد والتأمين على الأسهم والإصدارات اللبنانية للقطاعين العام والخاص معاً.
ورجح مسؤول مصرفي كبير تحدث إلى «الشرق الأوسط» حصول ارتدادات سريعة وأكثر إيلاماً في الأسواق المالية، خصوصاً في بورصة بيروت، والتداولات في سوق سندات الدين الدولية (يوروبوندز)، ذلك أن التصنيف السيادي يمثل السقف الأعلى لتصنيفات البنوك والمؤسسات المالية اللبنانية، والخفض المتوقع لاحقاً لتقييمات هذه المؤسسات سيكون مؤثراً في قرارات المستثمرين الخارجيين الذين يحملون الأوراق المالية بكل أنواعها.
وسارع وزير المال علي حسن خليل إلى محاولة احتواء المفاعيل الفورية للتقرير الجديد، فغرد على حسابه في «تويتر» قائلاً إن تقرير «موديز» يؤكد الحاجة إلى «الإسراع في تشكيل حكومة لإطلاق عملية الإصلاح المالي، وصولاً إلى تخفيف نسبة العجز، والبدء بالمشاريع المقررة في مؤتمر سيدر»، واعتبر أن إنجازاً سريعاً في الموازنة العامة من ضمن هذه التوجهات، حتى لا نخسر مزيداً من الفرص. وأكد الوزير أنه «من جهة أخرى، ورغم التقرير، فإن الوضع المالي والنقدي يحافظ على استقراره، واحتياجات الخزينة مؤمنة وقادرة على الإيفاء بكل الالتزامات، لا سيما الديون».
ويطابق مضمون التغريدة ما اقترحته الوكالة من تدابير وقائية عاجلة، إضافة إلى توصيات سابقة من صندوق النقد والبنك الدوليين. لكن ذلك يحتاج، بحسب المسؤول المصرفي، إلى «ترجمة عملية، تتمثل في حل العقد (الشكلية) التي تؤخر تأليف الحكومة وانطلاقها. وإلا فنحن أمام تكرار التجربة، وبشكل أقسى، التي ما زلنا نلملم انعكاساتها المؤلمة في الأسواق، وهي الناتجة عن فحوى تقرير المصرف الدولي (غولدمان ساكس) بشأن أحد السيناريوهات المحتملة لتفتيت جزء من كرة الدين العام عبر اقتطاع الدولة لجزء مهم من القيمة الأصلية لسنداتها المصدرة بالدولار الأميركي، ثم زادت مفاعيله السلبية بفعل تصريح ملتبس لوزير المال أيضاً (صححه وأوضحه لاحقاً)، يؤكد أن الوزارة تعد خطة للتصحيح المالي، تتضمن إعادة هيكلة للدين العام».
ويلفت المسؤول المصرفي إلى ارتفاع حساسية الأسواق، وتلقفها السريع لأي إشارات مستجدة، بما فيها التصريحات والتقارير، وذلك بعد استنفاد المهل المقبولة لتصويب الأوضاع الداخلية، إلى جانب تضاؤل قدرات المصرف المركزي على استنباط آليات وقائية جديدة تضمن تدفق أموال مصرفية واستثمارية من الخارج، تمكنه من الاستمرار بتغطية كامل الاحتياجات المالية للدولة، وتحد بالتوازي من العجز التراكمي المقلق في ميزان المدفوعات، الذي بلغ «رقمياً» نحو 4 مليارات دولار بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتجاوز عملياً 6 مليارات دولار، في حال عزل الإصدارات الحكومية التي حازها البنك المركزي.
في المقابل، تنحدر أوضاع المالية العامة سريعاً إلى مستويات «الفشل» في تغطية المستحقات العادية، التي تشمل مخصصات القطاع العام، وعجز الكهرباء، وخدمة الدين العام، في ظل عجز في الموازنة يناهز 6 مليارات دولار للعام الماضي. وأي تزخيم إضافي للعوامل السلبية سيتحول إلى كرة ثلج تطيح بمفاعيل كل المعالجات المؤقتة السابقة، التي أنتجت توازناً نسبياً في ارتفاع الفوائد قياساً بأسواق تحمل التصنيف الائتماني ذاته، وحالت دون خروج توظيفات ورساميل خارجية أو وطنية من المصارف، إضافة إلى تمكين مصرف لبنان من تثبيت خيار الاستقرار النقدي، محمياً باحتياطات تناهز 39 مليار دولار، تغطي نحو 78 في المائة من الكتلة النقدية والادخارية بالليرة.
ويلفت مصرفيون إلى أن التحكم بالسوق ليس مطلقاً، فقد وصل سعر الفائدة على الليرة اللبنانية لأجل ليلة واحدة في التعاملات بين البنوك (إنتربنك) إلى 75 في المائة قبل أيام. وتضطر المصارف إلى احتواء ردود أفعال المدخرين والمتعاملين بإجراءات مكلفة وغير مرغوبة، فهي من جهة تستدين بأعلى التكاليف لتلبية حاجات السيولة بالليرة، وتقدم للزبائن أعلى العوائد على مدخراتهم، مما يحد من حركتها وقدراتها على الاستجابة للإقراض الذي يمثل النشاط الأهم في عمل البنوك والمصدر الحيوي لربحيتها. ومن جهة موازية، تضطر المصارف لزيادة محفظة تمويلها للدولة وللبنك المركزي، ويزيد انكشافها على الديون العامة، متجاوزة الملاحظات المتكررة لصندوق النقد والبنك الدوليين ووكالات التقييم. كذلك تفرض المصارف ضمن مساهمتها في ضبط السوق قيوداً مشددة على تحريك أي وديعة قبل استحقاقها، وأغلبها يفرض تجميد أي وديعة من الليرة إلى الدولار لدى المصرف ذاته لمدة 6 أشهر على الأقل، أو يمتنع عن التحويل بذريعة عدم توفر العملة الصعبة.
وشاركت جمعية المصارف، إلى جانب المصرف المركزي، في صياغة الثوابت المالية والإصلاحية التي صدرت عن الاجتماع المالي والاقتصادي الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون عقب الفوضى السوقية التي سببها تقرير «غولدمان ساكس»، بحضور رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ووزيري المال والاقتصاد. وخلص المجتمعون إلى أن «موضوع إعادة هيكلة الدين العام غير مطروح على الإطلاق، فالدولة اللبنانية ملتزمة تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً بالمحافظة على حقوق المودعين والمصارف وحاملي مختلف سندات الدين السيادية، وذلك تقيداً بتسديد الاستحقاقات والفوائد في التواريخ المحددة لذلك، من دون أي إجراء آخر».
كما التزم الاجتماع بتنفيذ «الإصلاحات التي اقترنت بها موازنة 2018، من جهة. ومن جهة أخرى، ما التزمت به الدولة اللبنانية في مؤتمر سيدر، وأبرزها: تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضبط الإنفاق العام وترشيده، وخفض عجز الموازنة، واستطراداً تأمين التوازن المالي، وتعزيز وتنويع القطاعات المنتجة في لبنان».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.