رواية إريترية عن أكذوبة النجاة في «أرض اللبن والعسل»

من روايات «القائمة الطويلة» لجائزة «بوكر» العربية

حجّي جابر وغلاف روايته
حجّي جابر وغلاف روايته
TT

رواية إريترية عن أكذوبة النجاة في «أرض اللبن والعسل»

حجّي جابر وغلاف روايته
حجّي جابر وغلاف روايته

صدرت عن «دار التنوير» رواية «رغوة سوداء» للكاتب الإريتري حجّي جابر، وهي الرواية الرابعة في رصيده السردي المتميّز بعد «سمراويت» التي فازت بـ«جائزة الشارقة للإبداع الأدبي»، ثم أردفها بروايتي «مَرسى فاطمة» و«لعبة المغزل»، اللتين رسّختا اسمه بقوة في المشهد السردي الإريتري، ولم يفاجأ النقّاد حين وصلت «رغوة سوداء» إلى القائمة الطويلة لجائزة «بُوكر» العربية.
لم تكن الهجرة ثيمة غريبة على حجّي جابر؛ فلقد سبق أن عالجها في روايته الأولى التي تمحورت حول الإريتريين الذين غادروا وطنهم بعد الاستقلال وحينما عادوا إليه شعروا باليأس والغربة والقنوط. وفي المقابل، فقد كتب حجّي جابر في روايته الثانية عن الإريتريين الذين تشبثوا بوطنهم ورفضوا مغادرته، لكن الوطن هو الذي غادرهم هذه المرة. أما الهجرة التي نحن بصددها في «رغوة سوداء» فهي مختلفة تماماً، لأن هدفها الوحيد هو «النجاة» وكأنّ بطلها فريسة واهنة يُحاصرها قطيع من الأسود الجائعة.
تكمن جمالية هذه الرواية في التعددية التي تنطوي عليها الشخصية الرئيسة؛ فهي تحمل أربعة أسماء، وتدّعي الانتماء إلى ثلاث ديانات، وتتوزع بين أربعة أوطان، لكنها لم تتآلف مع الأمكنة التي عاشت فيها تباعاً. إنّ الحديث عن هذه الشخصية المعقدة يُغني عن الاسترسال في ثيمة الرواية، لأنها لا تترك إلا أشياء باهتة لكل الناس الذين رافقوها منذ الولادة، مروراً بسنوات اليفاعة والشباب، ومحاولات الهروب الحثيثة من إريتريا إلى إثيوبيا وإسرائيل، وانتهاءً بالمصير المُفجع الذي لاقته في القدس حينما أخطأت رصاصة جندي إسرائيلي من أصول إثيوبية لتضع حداً لحياته المُرتبكة الخاطفة.
لم تنطلق أحداث الرواية من إريتريا، وإنما بدأت من أديس أبابا؛ العاصمة الإثيوبية التي تجمّع فيها كثير من الإريتريين الذين يزعمون أنهم من «بيتا إسرائيل» أو «يهود الفلاشا» رغم دلالتها السلبية.
ومثلما تتعدد أسماء الشخصية المركزية، والأمكنة التي يقيم فيها، فإن الأزمنة تتعدد أيضاً، خصوصا أن النسق السردي للبنية الروائية يعتمد كثيراً على تقنيتي الاسترجاع والاستشراف الذهنيتين، كما يمرّ بالزمن المضارع الذي يعيشه البطل وبقية الشخصيات المؤازرة للحدث الروائي بتشظياته المختلفة.
وإذا توخينا الدقّة، فلا بد من تتبّع مسار البطل خطّياً، فهو يحمل أربعة أسماء وهي: «أدّال»، و«داود»، و«ديفيد»، و«داويت»، فالاسم الأول مرتبط بطفولته التي لا يعرف عنها أي شيء، ثم تتوالى الأسماء الثلاثة الأخرى بحسب الحاجة الدينية إليها، فهو داود حين يكون مسلماً، وديفيد حين يصبح مسيحياً، وداويت عندما يزعم أنه يهودي ولا يطمح في أكثر من النجاة.
لا يمكن فهم الأسباب القاهرة التي تدفع المواطنين الإريتريين إلى الهجرة ما لم نشِر إلى الظلم، والاستبداد، وغياب الحريات، وقسوة التجنيد الإجباري، ولعل هذه القسوة المُفرطة الأقرب إلى الاستعباد هي التي حفّزت داود على الهجرة، وركوب المخاطر للوصول إلى إثيوبيا ومنها إلى تل أبيب. وسوف يمر في إثيوبيا بمخيّم «إنداباغونا»، ومنه إلى «غوندار» قبل أن تساعده «سابا» في الدخول إلى مخيم الفلاشا مقابل رشوة قدرها 10 آلاف برّ Birr.
ما يهمنا نحن المتلقين لهذه الرواية هو ما يحدث للبطل الذي تقنّع باسم «داويت» هذه المرة بعد أن انتفت الحاجة إلى «ديفيد» أو «داود» وهو يقف على مقربة من الطائرة الإسرائيلية التي ستقلّهم إلى مطار «بن غوريون»، لكنه استغرب جداً حينما شاهد الطائرة، التي تشبه جوف الحوت من الداخل، بلا مقاعد، وأن الحالمين بأرض اللبن والعسل يفترشون أرضيتها، كما لم ينسَ تلك العجوز التي صرخت قبل أن تعبر البوابة الأخيرة قائلة: «هذا ليس منّا... هذا ليس يهودياً»... فلا غرابة أن ينتابه الإحساس بأن المُطاردة مستمرة وإن اتخذت أشكالاً مختلفة.
تتواصل صدمات «داويت» تباعاً؛ ففي مركز شيبا الطبي رشّوهم بمادة معقمة وكأنهم إزاء تعميد جديد قبل أن تُجرى لهم بعض الفحوصات الطبية وأن يأخذوهم إلى محل إقامتهم المؤقتة. لقد شعر «داويت» بالعنصرية المقيتة ما إن وطئت قدماه أرض إسرائيل؛ فهم يعاملونه على أنه وباء متنقّل، ولا يجدون حرجاً في نعته بـ«العبد القذر» لأنه اصطدم، من دون قصد، بإحدى الممرضات. يتآلف «داويت» في حي «نافيه شانان» في تل أبيب ويعقد صداقة مع «يعقوب» تفسدها الشكوك وكثرة الأسئلة التي يمطره بها. ثم يلتقي المرشدة النفسية التي تريد أن تعرف كل شيء منذ طفولته البائسة حتى وصوله إلى الجنة الموعودة. فيسرد لها جملة من الوقائع والأحداث الحقيقية والمُختلَقة. ولعل قدرته على السرد هي ما يميزه في هذه الرواية، فهو يروي قصصه لـ«سابا»، وللمحقق الأوروبي، وللمرشدة الإسرائيلية، وللباحثة الفلسطينية سارة، ومن قبلهم سرد قصة حياته لعائشة التي أحبها في يوم الاحتفال بالنصر على الأعداء لكنه ترك كل شيء وراءه، وقرّر أن يهرب من جحيم الحياة الإريترية وينسى ذكريات السجن المريرة، والتعذيب الوحشي الذي تعرّض له في «الوادي الأزرق».
يبرع حجي جابر في النسق السردي لهذه الرواية التي تتداخل فيها الأزمنة، فعبر تقنية «الفلاش باك» يستذكر «داويت» كل شيء، لكنه لا يروي حكاياته كما حدثت؛ وإنما يعدّلها، ويضيف لها شيئاً من عندياته، ويغيّر زاوية النظر فتبدو قصصاً جديدة ومثيرة. ولعله الوحيد الذي روى قصة مختلفة لا تشبه تلك القصص التي لاكتها الألسن كثيراً، واجترها المئات وربما آلاف المهاجرين الذين سبقوه، لذلك لم يلتزم بالقصة التي اقترحها صديقه «يوهانس» لأنها مملة وقد حفظها المحقق الأوروبي عن ظهر قلب، عندها فقط سنعرف قصة «داود» الحقيقية الذي اعترف لأول مرة عندما قال: «إنا فري قدلي»، أي من «ثمار النضال» وهو التوصيف الذي يُطلق على الأطفال الذين جاءوا إلى الحياة نتيجة علاقة غير شرعية بين الجنود في جبهات القتال. فهو بلا أبوين كأنه انبثق من العدم، وبلا تاريخ شخصي أو أُسَري، والأنكى من ذلك أنه بلا ذاكرة يستند إليها في المواقف الضرورية المُلحّة.
وحينما يشي به أحدهم؛ وقد يكون الواشي جارته العجوز في إنداغابونا، وقد يكون صديقه «يعقوب»، وربما تكون «سارة»، المختصة في علم النفس التي تنجز معه بحثاً عن معاناة اللاجئين، يشعر بالخذلان والانكسار، وأنّ هذه الأرض الواسعة سوف تصبح أضيق من سمّ الخياط.
تتكثّف الثيمة التنويرية للرواية في اللحظة الأخيرة التي تخترق فيها الرصاصة صدر «داويت» فيتمنى أن يسأل القاتل عن اسم ضحيته إن كان «داود» أم «ديفيد» أم «داويت»؟ وأن يسأله عن ديانته إن كان مسلماً أم مسيحياً أم يهودياً؟ وأن يستفسر منه عن جنسيته إن كان إريترياً أم إثيوبياً أم إسرائيلياً أم فلسطينياً؟ لكن حشداً من الناس التفوا حوله ليعرفوا هويته التي قضى عمره يبحث عن مستقر لها، لكنه كان مجرد «رغوة سوداء» طفت على السطح ولم تغص في أعماق أي بلد من البلدان الأربعة.



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».