قيود جديدة وتشريعات لتعزيز موقف روسيا في المعركة الإعلامية

دعوات لتقييد عرض الأفلام الأميركية بعد وصفها بـ«حصان طروادة آيديولوجي»

أندريه كليموف رئيس لجنة سيادة الدولة يصف الأفلام الأميركية بـ{حصان طروادة}
أندريه كليموف رئيس لجنة سيادة الدولة يصف الأفلام الأميركية بـ{حصان طروادة}
TT

قيود جديدة وتشريعات لتعزيز موقف روسيا في المعركة الإعلامية

أندريه كليموف رئيس لجنة سيادة الدولة يصف الأفلام الأميركية بـ{حصان طروادة}
أندريه كليموف رئيس لجنة سيادة الدولة يصف الأفلام الأميركية بـ{حصان طروادة}

بعد أن كان طيلة العقود الماضية مجالاً وفّر أدوات استخدمها الخصمان، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، في الحرب الباردة بينهما، بات الإعلام في أيامنا هذه ساحة حامية جداً من ساحات المواجهة بين موسكو والغرب، حالها حال أي ساحة قتال، تخلِّف جرحى، حين يتم تقييد عمل وسيلة إعلامية ما، وتسقط فيها وسائل إعلام «ضحية» قرارات إغلاق أو حظر بدوافع ومبررات سياسية. وتهدد تلك المواجهة بتقويض أسس العمل الإعلامي ككل، ونسف الموقع التقليدي للإعلام بصفته «سلطة رابعة»، الأمر الذي لن تساعد على إصلاحه، إنْ وقع، أي خطط «إعادة إعمار».
في آخر فصول الحرب على الساحة الإعلامية، كان لافتاً أن أكدت روسيا عملياً استعدادها للرد بالمثل على «الضربات الإعلامية»، وذلك بالتزامن مع مساعيها المستمرة لتوسيع تحكم الدولة بالإعلام، وأشكال البث الأخرى، عبر تشريعات وقرارات، طالت بما في ذلك عروض الأفلام الأميركية التي وصفها مسؤول روسي بـ«حصان طروادة آيديولوجي».
فاتحة المواجهة الإعلامية في العام الجديد جاءت من موسكو، التي أعلنت عن تحقيق فتحته ضد هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، بعد أن وجهت إليها هيئة الرقابة الروسية (روس كوم نادزور) اتهامات بنشر أفكار تنظيم داعش الإرهابي. وقالت الهيئة في اتهاماتها إن «المختصين والخبراء تحققوا من محتوى موقع (بي بي سي)»، أي المواد الإعلامية التي ينشرها، و«عثروا على مضمون تم نشره، يبث الأسس العقائدية لمنظمات الإرهاب الدولي»، موضحة أن الحديث يدور حول اقتباسات على لسان أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي.
ومع جدية تلك الاتهامات، لُوحظ أن هيئة الرقابة الروسية تجنبت التصعيد، وعملت على حصر الموقف ضمن حدود معينة، حين أعلنت عن جدول زمني للتحقيق، وقالت: «ينتهي لغاية 31 يناير (كانون الثاني) الجاري، التحقق مما إذا كان هذا المحتوى يستوفي معايير قوانين البث والقوانين الروسية الخاصة بمكافحة التطرف».
ولم توضح هيئة الرقابة الروسية طبيعة الإجراءات التي قد تتخذها بحق «بي بي سي» بحال رأى الخبراء الروس أن «المحتوى على موقع القناة ينتهك القوانين الروسية»، إلا أن تصريحات ألكسندر جاروف، مدير الهيئة الروسية، تشير إلى أن الأمر سيقتصر على التحقق فقط ضمن الفترة المحددة. وقال بهذا الصدد: «ستجري عملية التحقق الشاملة التي يفترض أن تنتهي نهاية الشهر. لا شيء متوقعاً أكثر من ذلك».
بهذا الشكل، وجّهت روسيا على ما يبدو «رداً محدوداً»، ضمن الظروف الراهنة، على اتهامات الهيئة البريطانية للبث المرئي والمسموع «أوفكوم»، لقناة «روسيا اليوم» الحكومية الروسية بانتهاك قواعد البث في سبعة برامج إخبارية «لم تلتزم فيها الحياد»، بما في ذلك خلال تغطية قضية تسمم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال. وسارعت «بي بي سي» من جانبها للرد على الاتهامات الروسية، وأكدت في بيان رسمي أنها «تمتثل تماماً لقوانين وأنظمة كل دولة تعمل فيها بما في ذلك روسيا». وأبدت استعدادها للتعاون مع سلطات الرقابة الروسية.
في «الخطوط الخلفية» من المواجهة الإعلامية مع الغرب، طرح مشرعون روس أفكاراً ومشاريع قوانين ترمي إلى تعزيز «الدفاعات الروسية»، عبر الدعوة لفرض قيود على أنواع من البث، تتجاوز المفهوم التقليدي لوسائل الإعلام، وتشمل تلك القيود حظر عرض الأفلام الأميركية على الشاشات الروسية، وتقييد حصة المستثمرين الأجانب في مواقع «محركات بحث» كبرى، ليست مصنفة «وسيلة إعلامية»، وإنما تقوم بعرض شريط إخباري، لا تصنعه هي بل تأخذه نقلاً عن وكالات أنباء رسمية. وكان السيناتور أندريه كليموف، رئيس لجنة مؤقتة تم تشكيلها في المجلس الفيدرالي، اسمها «لجنة سيادة الدولة»، قد قال في تصريحات نهاية العام الماضي، إن غالبية الأفلام التي يتم عرضها، مصدرها الدولة التي أعلنت روسيا عدواً لها، في إشارة منه إلى الولايات المتحدة والأفلام الأميركية التي تعرضها شاشات السينما الروسية. ومع تأكيده أنه لا يدعو إلى حظر تلك الأفلام، ووصفه الحظر الشامل بأنه عمل سيئ لأن «الشركاء المزعومين (يقصد الولايات المتحدة) يأملون رد فعل كهذا من جانبنا، ظناً منهم أن خطوة كهذه ستثير موجة استياء داخل البلاد»، أشار السيناتور كليموف إلى حظر محدود، حين عبَّر عن قناعته بأنه لا يجوز إتاحة فرصة أمام الأفلام «ذات التوجه المعادي لروسيا» للعرض، على سبيل المثال ضمن العروض المجانية على متن رحلات الخطوط الجوية الوطنية. وقال إن «صناعة السينما ليست المجال الوحيد الذي يرسلون إلينا عبره قطعاناً من أحصنة طروادة الآيديولوجية»، وهناك أيضاً «ألعاب الكومبيوتر التي تحظى برعاية الناتو» على حد قوله. ضمن هذه الرؤية لدور الأفلام الأميركية، أكد كليموف أنه «لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي، نراقب كيف يحرمنا المصابون بالرهاب من تقاليدنا الروحية، لا يتذكرون أقاربهم وبجشع يمتصون السموم الآيديولوجية، وثقافة الوجبات السريعة».
ولتعزيز «الجبهة الإعلامية» داخلياً، وافق مجلس الدوما الروسي (المجلس الأدنى من البرلمان الروسي) في القراءة الأولى، على مشروع قانون يقيّد حصة المساهمين الأجانب في محركات البحث المعتمدة في روسيا، مثل «ياندكس» و«مايل.رو» وغيرهما. وينص مشروع القانون على ألا تزيد على 20% حصة المساهم الأجنبي في ذلك المحتوى، كما لا يحق أن لكل من يصنفه القانون «أجنبي» امتلاك المحتوى الإخباري، وبحال مخالفة القانون، تقوم هيئة الرقابة الروسية «روس كوم نادزور» بتقديم طلب للمحكمة لفرض قيود على المحتوى الإخباري للمحرك المخالف.
وليست هذه المرة الأولى التي يناقش فيها مجلس الدوما تقييد المساهمة الأجنبية في المحتوى. وسبق أن طرح بعض أعضاء المجلس مشروع قانون عام 2016، لتنظيم عمل المحتوى الإخباري، وتضمن حينها فقرة تنص على ألا تزيد حصة المساهم الأجنبي على 20% من رأس المال الأساسي، وحمّل أصحاب المحتوى الإخباري المسؤولية عن دقة الأخبار التي ينشرونها. حينها وافق المجلس على مشروع القانون في القراءة الأولى، الأمر الذي أثار رد فعل حاد من جانب شركات «محركات البحث». وقال القائمون على «ياندكس» إنه يستحيل أن يواصل «ياندكس نوفوستي» عمله بحال تم اعتماد القانون.
على خلفية ذلك الموقف، وانتقاد جهات رسمية وحقوقية نص مشروع القانون، قام مجلس الدوما بتعديله، وحذف منه الفقرة التي تقيِّد الحصة الأجنبية، وكذلك التي تحمِّل القائمين المسؤولية عن الأخبار، لكن بشرط أن ينشروا الأخبار التي تنقلها وسائل إعلام مسجلة رسمياً. لذلك يرى مراقبون أن مصير المحاولة الثانية لتبني مشروع القانون تبقى رهناً بموقف المؤسسات المعنية، مثل «ياندكس» و«مايل.رو» و«رامبلر» وغيرها.
وقال ممثل محرك «ياندكس» الذي يمتلك أضخم محتوى إخباري «ياندكس نوفوستي»، إن مثل تلك القوانين قد تؤدي إلى إغلاق المحتوى الإخباري. ويرى «ياندكس» أن مشروع القانون الجديد «لا معنى له» في ظل القوانين الحالية التي تنظم عمل المحتوى الإخباري على مواقع «محركات البحث». ويشكِّل مشروع القانون الحالي نسخة عن مشروع قانون سابق، أقرّته الحكومة الروسية مطلع عام 2016، وينص على تقييد حصة المساهمين الأجانب في وسائل الإعلام الروسية، على ألا تزيد على 20% من رأس المالي الأساسي للوسيلة الإعلامية. وفي الحالتين تهدف مشاريع القوانين تلك إلى الحد من تحكم «الأجانب» بوسائل الإعلام في روسيا، مقابل تعزيز الدور «المحلي».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».