عندما تفترق أندية كرة القدم عن مدربيها عبر «الرضا المتبادل»، عادة ما يكون هذا الرضا أكبر بكثير لدى طرف عن الآخر. ومثلما جرت العادة مع شبكات التواصل الاجتماعي، فإنه لم يكن من المثير للدهشة أن نجد كثيراً من مشجعي هيدرسفيلد، وآخرين محايدين، يصبون جام غضبهم على النادي، بعدما أعلن عبر حسابه على «تويتر»، الاثنين، عن انتهاء تعاونه مع المدرب ديفيد فاغنر. وجاء هذا الغضب بناءً على افتراض خاطئ بأن المدرب الألماني جرى طرده.
بالنسبة لأولئك الذين كرسوا جزءًا من وقتهم لقراءة البيان الصادر عن النادي، فإنه سرعان ما اتضح لهم أن ثمة اتفاقاً ورضاً حقيقياً من الجانبين حول إنهاء التعاون بينهما. وكانت المحادثة التي أدت نهاية الأمر لرحيل المدرب قد بدأت من جانب فاغنر، الذي عرض التنحي عن مهمة تدريب الفريق نهاية الموسم، معللاً ذلك بحاجته إلى استراحة من «متاعب التدريب الكروي». وفي نهاية الأمر، اتفق كبار مسؤولو النادي والمدرب على أنه سيكون من الأفضل بالنسبة للنادي إذا ما رحل على الفور. والآن، يجد النادي نفسه في قاع جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز دون الرجل الذي قاد نجاح النادي غير المتوقع في الصعود للدور الممتاز من الدوري. وبذلك، جاءت نهاية واحدة من قصص الغرام الدافئة الصادقة على مستوى الدوري الممتاز؛ وهي نهاية ودية، وإن كانت حزينة.
من جانبه، قال دين هويل، رئيس نادي هيدرسفيلد: «أعلم أن مصطلح (القبول المتبادل) غالباً ما يستخدم كتعبير في إطار كرة القدم الاحترافية للإشارة إلى أن المدرب تعرض للطرد، لكن هذه المرة كان القرار مشتركاً بين الجانبين عن حق». جدير بالذكر أن هويل شدد مراراً على أنه لم يكن ليقدم أبداً على طرد فاغنر، وأكد على هذا الأمر من جديد في بيان رسمي، الأمر الذي يكشف أن العلاقة بينه وبين المدرب السابق لناديه لا تزال طيبة للغاية. وحتى هذه اللحظة، لم يتضح من المدرب الذي سيلجأ إليه النادي، لكن المؤكد أن المدرب القادم سيجد أمامه فراغاً هائلاً سيتعين عليه سده.
جدير بالذكر أن فاغنر جرى تعيينه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، في وقت كان فيه هيدرسفيلد في المركز الـ18 في دوري الدرجة الأولى، بعد أن فاز في 3 مباريات من إجمالي 15. وفي ذلك الوقت، قال هويل عن الرجل الذي كان قد استقال من تدريب فريق بوروسيا دورتموند تحت 23 عاماً: «إنه أول مدرب للفريق من خارج بريطانيا، ويحمل معه توجهاً وأفكاراً جديدة».
بطبيعة الحال، استغرقت هذه الأفكار بعض الوقت لتطبيقها، وأنجز هيدرسفيلد ذلك الموسم في المركز الـ19. ومع ذلك، وبعد إنفاق أقل من 3 ملايين جنيه إسترليني فقط، تمكن النادي من إنجاز الموسم التالي في المركز الخامس، وضمن الصعود إلى الدوري الممتاز عبر بوابة المباريات الفاصلة التي لا تنسى. وقد تأكدت ملحمة صعود النادي إلى الدوري الممتاز من خلال هدف سجله اللاعب الأغلى في تاريخ النادي، الذي بلغ ثمنه 1.8 مليون جنيه إسترليني، كريستوفر شيندلر، في مرمى ريدينغ، في إطار ركلات ترجيح جرت بينهما. وفي خضم دور يبلغ فيه متوسط إنفاق الأندية غير الناجحة نسبياً مثل أستون فيلا قرابة 40 مليون جنيه إسترليني، جاء هذا بمثابة إنجاز استثنائي من نوعه. ولرغبته في تجنب ابتزاز الجماهير، أعلن هويل أنه لن تقر أي زيادة في أسعار التذاكر الموسمية.
قليلون من توقعوا نجاح هيدرسفيلد في البقاء، وكان كتاب الغارديان الأكثر رأفة بالنادي، بتوقعهم إنجازه الموسم في المركز الـ19. أما فاغنر، من جانبه، فقد رفض عروضاً أكثر سخاءً لرغبته في إكمال المغامرة التي خاضها. وكان من شأن مجموعة من الصفقات القياسية لضم لاعبين جدد، جاءت قيمتها الإجمالية أقل من سعر لاعب مدافع في صفوف مانشستر سيتي، معاونة الفريق على اقتناص 7 نقاط من أول 9 نقاط متاحة، وإرساء الأساس اللازم لقصة بقاء بدت احتمالاتها ضعيفة للغاية.
وكان الفوز على مانشستر يونايتد نقطة الذروة خلال الموسم بالنسبة لهيدرسفيلد، قبل أن يصبح النادي في أمان تام بفضل التعادل أمام مانشستر سيتي وتشيلسي، وكانت له مباراة مؤجلة. وبفضل هذه الإنجازات، وقع فاغنر عقداً لمدة 3 سنوات بقيمة 7.5 مليون جنيه إسترليني، في وقت كان من الأفضل له النظر في عروض آتية من أندية أخرى. في ذلك الوقت، تواترت أنباء عن اهتمام كل من ويست هام يونايتد وليستر سيتي وإيفرتون بالاستعانة بفاغنر، في الوقت الذي بدأت فيه أنظار أندية داخل ألمانيا في التحول باتجاهه أيضاً.
ومع أنه لا يمكن التشكيك في أن هيدرسفيلد بقي في الدوري الممتاز بفضل مهارات لاعبيه، فإن الإنصاف كذلك يقتضي القول إنه عاونه في ذلك انتشار مجموعة من الفرق الثرية نسبياً صاحبة الأداء الرديء على مستوى الدوري الممتاز. ومن ناحيته، وعقب إبرام أحدث صفقات النادي، أكد فاغنر أن النادي لم يرسخ وجوده بعد داخل الدور الممتاز من الدوري، وقال: «لا يزال يتعين علينا بذل كثير من الجهود للتكيف مع الحياة داخل الدوري الممتاز، لكن هذا النادي وأنصاره يحملون بداخلهم الطموح والرغبة والتوجه نحو خوض هذا التحدي».
بالتأكيد، يملك النادي الطموح والرغبة والتوجه، لكن بالنظر إلى الأدلة المتاحة من الموسم الحالي، يبدو أنه يفتقر إلى القدرة على إنجاز هذا الهدف. جدير بالذكر أن هيدرسفيلد فاز في مباراتين من إجمالي 22 هذا الموسم، وسجل 13 هدفاً. ورغم الجهود الكبيرة التي يبذلها اللاعبون، والتي حرص المدرب على الإشادة بها حتى في الهزائم، فإن غياب القدرة على تسجيل أهداف على نحو منتظم يوحي بأن الأداء الجمعي للفريق ليس جيداً بما يكفي. وتوحي إحصاءات الموسم الحالي بأنه مقابل كل هدف يسجله هيدرسفيلد، تخترق شباكه 3 أهداف، ولا تزال تفصله 8 نقاط عن منطقة السلامة.
وفي أعقاب الهزيمة الأخيرة أمام فولهام، بدا لاعبو هيدرسفيلد محطمين ذهنياً، وانتهت أحدث مبارياتهم أمام كارديف بانطلاق فاغنر في موجة غضب بعد المباراة ضد الحكم لي ميسون بدت غير مسبوقة. وبدا من الصعب تجاهل الانطباع بأن المدرب شعر بأن النهاية قد اقتربت.
وبخلاف الهبوط الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، يبدو مستقبل هيدرسفيلد غامضاً، ويوحي الطابع المفاجئ لرحيل فاغنر أن النادي لم يستقر على بديل، في وقت استبعد فيه سام ألارديس، المعروف بافتقاره إلى الخيال والابتكار، وكذلك بدوره كرجل إطفاء ومنقذ من الأزمات، نفسه من وظيفة كان من غير المحتمل أن تعرض عليه من الأساس من قبل رجل صاحب فكر تقدمي مثل هويل.
وفي الوقت الحاضر، جرى تصعيد مارك هودسون من منصبه كمدرب لفريق أقل عن 23 عاماً كي يتولى مسؤولية تدريب الفريق خلال المباراة التي يخوضها الأحد، على أرضه أمام مانشستر سيتي. ومن الممكن أن يدشن الفوز في هذه المباراة فصلاً جديداً في ملحمة هيدرسفيلد.
أما فاغنر، فيرحل دون أن تمس سمعته شائبة، ومن المؤكد أنه سيجد أمامه فرصة عمل مربحة بمجرد أن يقرر أن الوقت قد حان للعودة إلى مجال التدريب.
يحق لفاغنر أن يرحل عن هيدرسفيلد مرفوع الرأس
لن يجد المدرب الألماني صعوبة في الحصول على وظيفة أخرى بالنظر إلى الطفرة الرائعة التي حققها مع الفريق
يحق لفاغنر أن يرحل عن هيدرسفيلد مرفوع الرأس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة